رواق

الاستشراف

1 يناير 1970 11:13 ص

ادعاء الشيء دليل فقدانه، فالمرء يدّعي ما لا يمتلكه، ما يمتلكه يكون أوضح من أن يدعيه!
من هنا كان التذاكي غباء، والتغابي ذكاء أحياناً!
من حق كل شخص أن يتوهّم ويصدق أوهامه أياً كانت، ولكن ليس من حقه فرض أوهامه على غيره، لكننا نعيش في عصر فرض الافتراضات بوضوح يصعب توضيحه، لأن توضيح الواضح من المعضلات!
من سمات المجتمع الكويتي، أنه عندما يعاني الشخص من الغباء، ليس اعتقاداً بأنه ذكي، بل اعتقاد بأن الجميع أغبى منه، عملاً بالمثل القائل: كل يرى الناس بعين طبعه!
ومن سمات المجتمع الكويتي - أيضاً - أن المدعي فيه آخر من يعلم بانكشاف أمره، بعد أن يكتشف الجميع كذبته قصيرة الحبال، في وقت يعتقد فيه أنها انطلت عليهم وأنه ضحك عليهم، وهم في الواقع يضحكون عليه!
لا شيء يستمر، فبال الكويتيين قصير، ومهما ضخموا الأشياء والأشخاص لفترة طالت أم قصرت، سرعان ما يعيدونه إلى حجمه الطبيعي أو أدنى منه أيضاً بعد أن حط قدره بادعاءاته المكشوفة، والتي تؤكد - بما لا يدع مجالاً للشك - أنه يفتقد ما يدعيه عملاً بالقاعدة المعروفة.
وعليه... فإن ادعاء الشرف دليل انعدامه، مع تزايد ظاهرة «المستشرفين»، الذين يستنكرون في العلانية كل ما يفعلون في الخفاء، حتى المرض، ‏إنهم قوم إذا مرضوا أكثروا الدعاء، وإذا مرض غيرهم أكثروا التشكيك فيه!
هم هكذا، يستنكرون كل ما يفعلون، ويخفون كل ما يفعلون، ويخافون انكشاف أمرهم فيتسلطون على غيرهم، ليسلطوا الأنظار على أفعاله التي تجسد أفعالهم، التي لم يفعلها غيرهم إلا في مخيلتهم!
برزت ظاهرة «الاستشراف» الجديدة أو «المستشرفين الجدد» من خلال «السوشال ميديا» بتجلي ووضوح، فكل الذين ينهون عن أمر يأتون بمثله وأكثر، ربما ينهون من لا ينوي أن يفعل فعلتهم أو يخالفهم، ويتسترون على من يشاركهم أو يشبههم أو يقتدي بهم!
هل ساهمت «السوشال ميديا» في تعزيز الاستشراف؟ الاستشراف موجود منذ وجود الشرف، فكل من لا يمتلكه يدعيه لكن «السوشال ميديا» سلطت الضوء عليه، فصار إخفاء الأمر غير ممكن بعد افتضاحه فالشريف لا يستشرف!