أكد اقتصاديون أن توجه الكويت نحو تطبيق شبكة الأمان الاجتماعي بات أمراً ضرورياً، نظراً لما يحققه من منافع عدة تتعلق بتحسين المستوى المعيشي للمستهدفين من مستحقي الدعم، ناهيك عن تخفيف العبء الواقع على الموازنة العامة، من خلال توحيد جهود المجتمع المدني والقطاع الخاص مع الحكومة في ذلك الجانب.
وعلق الاقتصاديون على خارطة «التحوّل من الدعومات المتناثرة إلى شبكة أمان اجتماعي مستدامة ومتكاملة» التي أعدها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية ونشرتها «الراي» أمس، بأنه يمكن توجيه الوفر الذي يمكن أن يتحقق من تطبيق الشبكة، وبرنامج الاستهداف إلى أوجه إنفاق أخرى تمثل عامل دعم للنمو الاقتصادي بالبلاد، خصوصاً في جانب الإنفاق الرأسمالي، الذي يمكن رفع معدلاته بما ينعكس على عجلة الاقتصاد الوطني ككل.
وبينوا أن تقسيم المجتمع إلى شرائح وفقاً للدخل والحالة المادية، ومن ثم توزيع الدعم بحسب كل حالة وإمكانياتها سيحقق العدالة الاجتماعية.
من ناحيته أكد الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، أن تحول الكويت إلى تطبيق شبكة الأمان الاجتماعي، لم يعد خياراً، بل مطلباً ضرورياً في مواجهة التحولات الاقتصادية التي تشهدها الساحة أخيراً، وما تركته من أثر على الموازنة العامة للدولة، موضحاً أن هذا الأمر يتطلب أن يعي المواطن حقيقة الوضع، وأن يعيش بصورة تتلاءم ودخل الدولة بشكل عام.
وشدد رمضان على أن أهمية الشبكة تنبع في الأساس بما تحققه، من تكامل بين الجهود الحكومية وغيرها، ناهيك عن تحقيقها لعنصر الاستدامة المالية الذي يمثل عامل أمان مستمرا لضمان حياة كريمة للمواطنين، وجعل الجهات القائمة على الأمر ذات فعالية أكبر في الوصول إلى الأسر الأقل دخلاً، ودعمها بالصورة الملائمة التي تضمن مستوىً معيشياً أفضل.
وأوضح أن تطبيق الشبكة سيفصل بين الوظيفة الحكومية وتوزيع الثروة، ما يعني أن الوظيفة لن تكون مرتبطة بالموضوع، إذ سيتم توزيعها من خلال شبكة الأمان، لافتاً إلى أن تحقيق المستوى المعيشي الأفضل لن يكون بتقديم الدعومات فقط، وهو الأمر الذي راعته الشبكة عبر تشجيع الاستثمار في رأس المال البشري للمواطنين، ودفعهم للالتحاق بسوق العمل، والانتقال من تغيير فلسفة الشبكة من الاعتماد على الدولة، عبر تمكين الأسر الكويتية من الاعتماد على الذات.
ولفت رمضان، إلى وجود نحو 6 مميزات في ذلك المقترح، تمثل عاملاً محورياً في تغيير الثقافة العامة السائدة في المجتمع بصورة جذرية، من خلال صياغة العلاقة بين الدولة والمواطنين، وعبر تحديد الحقوق والواجبات وفق مفهوم متطور، مبيناً أن أهم هذه المميزات أن الشبكة لن تقدم الدعم بصورة مطلقة، إذ لن يكون هناك دعم طوال العمر، واعتماد سياسة الشبكة إلى تحفيز المستفيدين منها القادرين على العمل، للتحول إلى عناصر فاعلة في المجتمع، من خلال تأهيلهم وتدريبهم، للولوج إلى السوق وتحقيق دخل يساعدهم على المضي قدماً في حياة كريمة، ومستقرة دون الحاجة إلى الدعم الحكومي، ما يؤهلهم للخروج من دائرة الدعم.
وذكر أن المميزات تشمل أيضاً نظام الاستهداف، وهو الأمر الذي سيدفع نحو تحقيق استفادة أكبر من الدعومات والمساعدات المقدمة، إذ ستستهدف المستحقين من ذوي الأولوية بالرعاية من الدولة، ولن يستفيد منها من لا يستحقها، ما يعني أن الدعومات ستسير أخيراً في اتجاهها الصحيح لتحقق الغرض المرجو منها، بدلاً من أن يستفيد بها من لا يستحقها.
ولفت رمضان إلى تعظيم الاستفادة، إذ إن حذف غير المستحقين للدعم والمساعدات من قوائم الدولة، يدفع نحو تحقيق وفورات مالية في ذلك الجانب يمكن توظيفها في تحسين حياة المستحقين للدعم بصورة أكبر، ناهيك عن توجيه تلك الوفورات لتحسين مستويات خدمات أخرى تعم بالفائدة على جميع المواطنين.
وكشف عن تصميم نظام للمعلومات وتسجيل المستفيدين عبره، الذي يعد إحدى الآليات التنظيمية والرقابية الفعالة، إذ سيعطي القائمين على ذلك الجانب العديد من الخيارات التي تسهل مهامها في الضبط والربط، بما يمنع الازدواجية في الاستفادة من الدعومات، من أكثر من مكان إذ ستفيد تلك البيانات كافة الجهات العاملة في ذلك الجانب.
وأكد أن الموضوع يسهم أيضاً بتمكين متخذ القرار، إذ إن نظام المعلومات سيتيح للدولة تحديد آليات الاستحقاق بصورة سهلة وبسيطة، وسيمكنهم من تحديد من يستحق أو لا، إذ لا يمكن المساواة بين مواطن يعمل في القطاع الخاص ويتقاضى 5 آلاف دينار، إلى جانب دعم العمالة، وآخر يعمل مقابل 750 ديناراً إلى جانب دعم العمالة.
وأضاف رمضان أن توحيد جهود المجتمع المدني والقطاع الخاص والحكومي، يدفع نحو توظيف الموارد المالية والعينية بالصورة الأمثل، بما يحقق أقصى قدر من الاستفادة للمستحقين.
ونوه بأن تطبيق الشبكة سيدفع نحو حماية المستحقين، وتحسين مستوياتهم المعيشية، عبر إعادة توزيع الدخل على الفئات الأشد احتياجاً والأكثر تعرضاً للمخاطر، مبيناً أن آلية التحفيز تُعد أسلوباً راقياً للاستثمار في رأس المال البشري وحثهم ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع تشكل فارقاً بالاقتصاد الوطني.
عدالة أكبر
من جهته، أكد الشريك التنفيذي في شركة «بيكر تلي» الكويت هشام سرور، أن تطبيق شبكة الأمان الاجتماعي، يوفر مسطرة أكثر عدالة في توزيع الدعم لمستحقيه من المواطنين.
ورأى سرور أنه من المهم تقسيم المجتمع إلى شرائح وفقاً للدخل والحالة المادية ومن ثم توزيع الدعم بحسب كل حالة وإمكانياتها ما سيحقق العدالة الاجتماعية المنشودة، لافتاً إلى وجود شرائح من المواطنين، الذين يحصلون على الدعم دون وجه حق كامل، في حين أن مستحقي تلك الدعومات لا تصلهم كما يجب ووفقاً للمعايير الدولية.
وأكد أن تطبيق الشبكة سيوحد الجهود ما بين مقدمي الدعم والمساعدات، سواء في الحكومة أو القطاع الخاص والمجتمع المدني، ما يعني أن استفادة المستحقين ستكون بصورة عادلة تلبي تطلعاتهم، وتقضي على أي إشكاليات في سبل وضوابط الدعوم.
وتابع سرور أن عدم وجود آليات تنظيمية أكثر نجاعة لتلك الدعوم، يسبب خللاً في المنظومة إذ تكون الجهود في تلك الحالة متناثرة، منوهاً بأن تدشين تلك الشبكات من شأنها تحقيق الالتزام الأمثل وتجميع تلك الدعوم تحت مظلة واحدة، وتوفير مساحة شاسعة لخلق عدالة اجتماعية كافية لإحداث التوازن المطلوب، وبتلبية احتياجات الشرائح المستهدفة من برامج الدعم.
وأضاف سرور أن دراسة توفير برامج للحماية وتنظيم الدعوم، سيكون لها أثرها الإيجابي على المدى المتوسط في الكويت، مشيراً إلى ان الامم المتحدة أول من نادى بمثل هذه الشبكات لتحقيق العدالة المنشودة، فيما تعكف بعض الدول على تطبيق معايير وبرامج دقيقة، تُشبه إلى حد ما شبكات الأمان التي تخضع للبحث حالياً في البلاد.
بدوره، قال الشريك في «آرنست آند يونغ – الكويت»، وليد عبد الفضيل، إن توجه الكويت نحو تطبيق شبكة الأمان الاجتماعي، يحقق فوائد يمكن وصفها بـ «العظيمة» على أقل تقدير في الجانب المالي للدولة، إذ سيرفع من قدرة الأجهزة الحكومية على إدارة ملف الدعوم بصورة أكثر فعالية وكفاءة، لتتمكن من تحقيق هدفها الحقيقي بتعظيم استفادة المستحقين من محدودي الدخل.
وأكد عبدالفضيل أن جمع كافة أنواع الدعوم تحت مظلة واحدة وهي الشبكة، يساهم في تحقيق نظم الاستهداف، التي ستمكن المعنيين من الوصول إلى الفئات المستحقة فعلياً، واستثناء الفئات غير المستحقة، ما يعني أن الدولة ستوجه مواردها المالية والعينية تجاه الفئات، التي تحتاج رعاية بصورة مكثفة، ما يحقق وفراً مالياً في المبالغ المقدرة لذلك الجانب في الموازنة سنوياً، الأمر الذي يمكن الحكومة من استغلال تلك المبالغ بصورة أو بأخرى، ما يمثل تحقيق عنصر التوظيف الأمثل للموارد، في ظل التغيرات التي تواجهها الموازنة العامة للدولة بعد تغير أسعار النفط.
ونوه عبد الفضيل بأن جمع جهود القطاع الخاص والمجتمع المدني مع الجهود الحكومية، تحت مظلة شبكة الأمان الاجتماعي، سيمثل عاملاً حقيقياً في توفير اعتمادات مالية غير حكومية ذات ثقل، ما يساعد الدولة على أن تغير خريطة الدعم والمساعدات في الكويت، بصورة شاملة تحسن المستوى المعيشي للمستحقين، وتمنع ازدواجية الاستفادة من تلك المميزات.
ولفت عبد الفضيل إلى أن الأمر سيرفع من قيمة الاعتمادات الموجودة لذلك الجانب لدى الدولة ككل، ما يُعد آلية مثالية جداً لتخفيف العبء الواقع على الموازنة العامة لجهة الإنفاق على ذلك الجانب، بما يتيح للدولة مجالاً أكبر في توجيه مقدراتها إلى أوجه صرف أخرى، ومن بينها الإنفاق الاستثماري على سبيل المثال الذي يمكن رفع معدله بصورة تحرك القطاع الاقتصادي كله.