العالَم اليوم أقرب إلى المادة منه إلى المبدأ والكل يلهث وراء المال
الجوائز تعني لي الكثير... فهي دليل على أن الناس راضون عن أعمال الفنان
هناك مَن يعتبر نفسه فناناً عظيماً إذا لم يفْهم الناس أعمالَه... ولكنه في الواقع نرجسيّ
هناك أزمة كتّاب وتكرار في المواضيع من مسلسل إلى آخَر
كنتُ وزوجتي وأولادي نشتري ملابس من «البالة» وكنا سعداء ولم يكن لدينا هاجس المال
بسام كوسا ممثل رائع ويُجيد الاختيار ولا يكرر نفسه أبداً
كندة حنا الأفضل في سورية حالياً
زار الفنان السوري دريد لحام بيروت أخيراً لمناسبة عرْض فيلمه الأخير «دمشق حلب» الذي شاركتْه بطولته الممثلة كندة حنا.
لكن ليس فيلمه الجديد هو الوحيد الذي صار محطّ الأنظار، بعدما استقطبت الأضواء الخطوة الرمزية التي أقدم عليها قبل أيام رداً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اعترف فيه بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، حيث أطلّ في مقطع فيديو يوقّع ورقةَ قرار مشابه، ولكن ينص على إهداء ولاية كاليفورنيا الأميركية للمكسيك.
وفي حواره مع «الراي»، تناول لحام هذه المسألة إلى جانب مجموعة من المواضيع الفنية.
? ما موقفك من تفاعُل الناس والإعلام مع الفيديو الذي نشرتَه والذي رددت فيه على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد إعلان ضمّه الجولان لإسرائيل وقيامك بالتوقيع على وثيقة تعلن فيها إهداء ولاية كاليفورنيا الأميركية إلى المكسيك؟? ما موقفك من تفاعُل الناس والإعلام مع الفيديو الذي نشرتَه والذي رددت فيه على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد إعلان ضمّه الجولان لإسرائيل وقيامك بالتوقيع على وثيقة تعلن فيها إهداء ولاية كاليفورنيا الأميركية إلى المكسيك؟- الأصداء كانت أكثر من إيجابية وهاتفي لا يتوقّف طوال اليوم، والكل يقدّم التهاني، وتمّ عرض الفيديو على مختلف الفضائيات داخل سورية وخارجها.? وكيف جاءت فكرة إهداء كاليفورنيا للمكسيك؟ - واجهتُ قرار ترامب بقرار مماثل ووقّعتُ على قرارٍ بإهداء ولاية كاليفورنيا إلى المكسيك. في الماضي باعت المكسيك كاليفورنيا للولايات المتحدة الأميركية بمبلغ 100 ألف دولار، واليوم يحقّ للمكسيك أن تعيد إليهم المال وتسترجعها.? «أخافُ على تاريخي لأنه مستقبلي»، عبارةٌ تردّدها دائماً، فهل أنتَ راضٍ عن كلّ ما قدّمْتَه خلال مسيرتك الفنية الطويلة؟- سواء رضيتُ أم لا، فإن النتيجةَ واحدة. عندما يتطلّع الفنان إلى أعماله السابقة، ينتقد نواحي عديدة فيها نتيجة التطوّر المعرفي والعمري، ولكنه سيكرّرها نفسها لو بدأ حياته من جديد.? بين السينما والمسرح والتلفزيون، أيّ المجالات هي الأقرب إليك؟- المسرح هو الأقرب إليّ وإلى الاشياء التي أفكّر فيها. التلفزيون والسينما وسيلتان مهمتان جداً، ولكنني أفضّل المسرح عليهما. التلفزيون والسينما حققا لي الانتشار، وهو أمر مهمّ بالنسبة إلى أيّ فنان، إضافة إلى الدخل المادي الذي يؤمن له حياةً كريمة.? هل خفّ شغفك الفني وهل ندمتَ يوماً لأنك اخترتَ الفن مهنةً لك؟- دخلت المجال العام 1960، ولم يروادْني يوماً أي شعورٍ بالندم. كنت مدرّساً جامعياً قبل أن أتوجّه إلى الفن، وأنا مدين بالشكر إلى مدير التلفزيون (السوري) الدكتور صباح قباني شقيق الشاعر نزار قباني، لأنه كان أول من عرض عليّ تجربة العمل في التلفزيون. في البداية فشلتُ، وعندما اكتشفتُ أسباب الفشل عدتُ وصحّحتُ مساري. أوّل برنامج لي كان اسمه «الإجازة السعيدة»، ولكنه لم ينجح ولم يحبّه الناس لأنني تقمّصت شخصية إسبانية، وأطلقتُ على نفسي اسم «كارلوس ميرندا». هذا الأمر ضايقني، ولكنه لم يجعلني أتراجع. ووجدتُ أن الناس يتعاطفون مع تراثهم وفنونهم والشخصيات التي تُشْبِههم، وكانت شخصية «غوار الطوشي» التي أحبوها في البداية كشكل (طربوش وقبقاب وشروال) ولكنها ما لبثت أن تَطَوَّرَتْ من خلال التجربة والخبرة، ولذلك فإن «غوار» البدايات لا يشبه «غوار كاسك يا وطن»، وانطلقتْ هذه الشخصية وهي لا تزال مستمرة حتى اليوم.? كيف تقارن بين فناني جيل اليوم وفناني جيل الماضي؟- اليوم العالم أقرب إلى المادة منه إلى المبدأ والكل يلهث وراء المال، بدليل أن الفساد يزداد أكثر بالرغم من كل التصريحات التي تدعو إلى محاربته. جيلنا كان يهمّه الانتشار وأن يشاهد الناس أعماله ولم نكن نسأل كم سنتقاضى، واليوم يحصل العكس تماماً. عندما يسألني المُنْتِج عن أجري، أقول له «إذا أعجبني العمل يمكن أن أشارك مجاناً».? هل سبق أن شاركتَ في أعمال من دون أن تتقاضى عنها أجراً؟- كلا، ولكنني لم أطلب يوماً طلباً غير منطقي، وأترك دائماً للمُنْتِج أن يحدّد الأجر الذي يجده مناسباً. آخِر أعمالي كان فيلم «دمشق حلب» وهو من إنتاج «مؤسسة السينما السورية»، وتقاضيتُ عنه أجراً ضئيلاً جداً، ومع ذلك وافقتُ أولاً لأنه أعجبني، وثانياً لأن الجهة المُنْتِجة مؤسّسة رسمية وإمكاناتها لا تسمح بأكثر من ذلك.? فيلم «دمشق حلب» فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الإسكندرية السينمائي. ماذا تعني لك الجوائز؟- الجوائز تعني لي الكثير. أكثر ما يهمّ الفنان هو أن يرضى الناس عن أعماله، والجائزة تعني أن الجمهور راضٍ عنها. الجوائز هي بمثابة حُكْم على أعماله.? وما رأيك بالفن النُخْبوي الذي لا يُرْضي سوى فئة معينة من الناس؟- الفن للناس، ويمكن تشبيه هذه المسألة بالفن التشكيلي. مثلاً أنا أحب الفن الكلاسيكي، أما الفن الذي اخترعه بيكاسو والذي يعدّ فناً نخبوياً فأنا لا أحبه ولا أهتمّ له. هناك مَن يعتبر نفسه فناناً عظيماً إذا لم يفهم الناس أعماله، ولكنه يكون في الواقع نرجسياً وليس عظيماً. ثمة أعمال يقال عنها نُخْبَوية وتُقدّم على طريقة بيكاسو، ولا نفهم أولها مِن آخرها، وهي تُعتبر أعمالاً فاشلة لأنها لم تصل إلى الناس.? هل أَلحقتْ بك السياسة الأذى كفنان في يوم من الأيام؟- بل هي أعطتْني مادة للمسرح. لولا السياسة وأخطاء السلطة في أي بلد عربي، لما وجدنا مادة نتكلم عنها. بدأتُ العمل في المسرح العام 1974 بعد حرب تشرين 1973 عندما أقدمت الجيوش العربية ببسالة على الحرب، بعد هزيمتها النكراء العام 1967. وهذا الأمر حرّك شيئاً ما فيّ وفي محمد الماغوط، ووجدْنا أنه يجب التعبير عن هذا التغيّر. العام 1967 حارَبَ الجندي العربي وهو يحمل هزيمته في داخله وعاد من الجبهة بهذه الهزيمة، وفي العام 1973 حصل العكس تماماً، لانه أَقْدَم وحارَب. أذكر أن ابن صديق لي، وهو عسكري في الجيش، كتَب على قميصه الداخلي قبل الذهاب إلى الجبهة «شهيد بإذن الله»، ونحن عبّرنا عن هذا التغيّر في أول أعمالي المسرحية «ضيعة تشرين» الذي يتحدّث عن القضية الفلسطينية.? هل تجد أن الساحة الفنية في العالم العربي تعاني أزمة كتّاب؟- نعم، هناك أزمة كتّاب وتكرار في المواضيع من مسلسل إلى آخَر، والمردود المادي هو الذي يجعل الممثّل يقبل بهذه الأعمال. لكن هذا المردود لم يعد يهمّني ولا «يُمْسِكني من رقبتي».? وهل سبق للمردود المادي أن «أمسكك من رقبتك» في وقت من الأوقات؟- على الإطلاق. كنتُ وزوجتي وأولادي نشتري ملابس من «البالة» وكنا سعداء ولم يكن لدينا هاجس المال، وحتى الآن هو ليس موجوداً عندي. في العام 1970 أحضر لي المُنْتِج سمير عنيني عقداً للتوقيع على فيلم «سمك بلا حسك»، وعندما قرأتُ الرقم قلتُ له إنه كبير جداً وطلبتُ منه أن يخفضه.? مَن يلفتك بين الممثّلين السوريين؟- بسام كوسا. هو ممثل رائع ويُجيد الاختيار ولا يكرر نفسه أبداً.? وبالنسبة إلى الآخرين؟- لا يوجد فنان معيّن يلفتني أكثر من غيره. هم موهوبون ولكن من الصعب أن أقول إن واحداً يلفتني أكثر من سواه. ? ما رأيك بالفنان عابد فهد؟- عابد فهد ممثل ممتاز، ولكن عند مقارنته بالممثليْن سلوم حداد ورشيد عساف، نجد أنهم بالمستوى نفسه تقريباً.? وأي الممثلات تجدها الأفضل حالياَ؟- كندة حنا هي الأفضل في سورية حالياً.? ومَن يلفتك بين ممثلي الكوميديا؟- جورج خباز، لأنه ساحر. كنا نتمنى أن نتعاون معاً، ولكننا لم نعمل من أجل تحقيق هذا المشروع. جورج خباز ظاهرة مختلفة، تجمع بين الكتابة والتلحين والتأليف والإخراج.? سبق أن أبديتَ إعجابك بباسم ياخور أيضاً؟- نعم، وهو نضج كثيراً في الكوميديا، وهذا الأمر نلمسه من خلال تجربته في مسلسل «ضيعة ضايعة» وبعض حلقات «بقعة ضوء».? كان من المفترض أن تجتمع مع عادل إمام في عملٍ واحد. هل بقي هذا المشروع مجرّد حلم؟- المشروع يحتاج إلى كتابة ولكنها لم تحصل. العام 1984 عرضنا فيلم «الحدود» في «مهرجان قرطاج السينمائي» وكان عادل إمام بين الحضور. فقال لي إنه يتمنّى فيلماً وطنياً شبيهاً به، فأجبتُه أن الفكرة موجودة واسمها «وطن في السماء» وهو أَحَبّها كثيراً وحلمنا بتنفيذها، ولكننا لم نقم بخطوة واحدة في سبيل تحقيقها. أحياناً يكون الحلم أجمل من الحقيقة، لأنه يجعلنا نستمرّ في حلمنا.? هل تتابع مسلسل «الهيْبة»؟- كلا. كثرة المسلسلات التي تُعرض في الموسم الرمضاني لا تتيح أمامنا الفرصة لمتابعة كل شيء.? هل متابعتك لأيّ عمل ترتبط بأسماء أبطاله؟- ربما يشدّني اسم الممثل أو الممثلة في البداية، ولكن إذا تبيّن أن العمل دون المستوى أتركه وأتابع غيره. في رأيي، الموضوع هو بطل الحدّوتة.? وهل تتابع مسلسل «باب الحارة»؟- نعم. هو من أعمال البيئة الشامية، تشدّ المُشاهد بجغرافيتها، وأماكن التصوير هي البطل فيها، إلا أنهم يخترعون أحياناً تاريخاً غير موجود. أحترم مسلسل «باب الحارة» الذي يُعدّ من أكثر المسلسلات مُشاهَدةً بالرغم من كل الانتقادات التي تلاحقه، وأنا واحد من الذين ينتقدونه ويتابعونه. مثلاً، هو لا ينقل صورة حقيقية عن المرأة الدمشقية، فهي لم تكن تغسل قدميْ زوجها ولم تكن تقول له بعد أن يقوم بضربها «أمْرك سيدي»، ولكنهم أدخلوا هذه التفاصيل لجذْب المشاهد. دائماً الشيء غير المألوف هو الذي يستوقفنا.? هل توجد لديك صداقات في الوسط الفني؟- كلا، توجد بيني وبين الفنانين علاقة زمالة. أحب الجميع وأحترمهم وهم يحبونني ويحترمونني، ولكن الصديق هو الشخص الذي تشبه طبائعه طبائعي والذي أمْضي معه غالبية وقتي، بينما الزميل تنتهي علاقتي به بمجرّد انتهاء التصوير. وكل أصدقائي هم من خارج الوسط الفني.