ابن خلدون - المؤرخ وعالم الاجتماع الإسلامي - كتب الكثير في مقدمته، وعُرف عنه أقوال تناقلتها الأجيال جيلا إثر جيل، والتي يستأنس بها البعض عندما يحاول إسقاط ما ذكره على واقع الحال المرير? ابن خلدون عندما أراد أن يرجع إلى العصور الإسلامية الأولى، ليبحث عن العلة التي بدأ منها التراجع? أو من بداية الخلل? وجدها في تغيير الصلة بين القيادة والأمة.
فالقيادي من يصيغ الرؤية والأهداف، التي على ضوئها ترسم الإستراتيجيات المطلوبة لبلوغ الرؤية عبر أهداف سنوية، تراجع الإنجاز بشكل دوري وتصوغ القرارات التصحيحية، لتجاوز أي إخفاق قد يحدث.
هكذا تكون العلاقة بين المجاميع مبنية على الرؤية الصالحة والأهداف النبيلة، ويكون الاحترام وتقديم الكفاءات أساسا في صناعة التاريخ.
في الكويت: كيف ترى الصلة بين القياديين والمجاميع? المجاميع نقصد بها مكونات المجتمع وفئاته؟
الشاهد إن المعطيات تشير إلى أنها اختلفت? فلا رؤية لقياديي مؤسساتنا، وإن وجدت تتغير مع تغير القيادي، بمعنى أنها لا تصاغ مؤسساتيا? ولا الأهداف تنعكس على المجاميع (السواد الأعظم)، بل تكون لخدمة مجموعة أو فئة سواء كانت تلك الأهداف اجتماعية أو إعلامية أو صحية... وقس عليها بقية نواحي الحياة بما فيها ما يصاغ تحت قبة البرلمان.
لو طالعت المبادئ? لوجدت البعض يبحث عن الثراء السريع? العلم أصبح مجرد شهادة علمية افتقدت المعرفة ومال البعض لتزويرها أو شرائها? والسياسة من دون مبدأ ثابت? والصحة والتعليم أصبحا سلعة، وغيره الكثير خلق لنا مجتمعاً تختلف مجاميعه وتتعدد رؤاهم، وتصاغ أهدافهم لمصالحهم الخاصة.
خذ عندك المبادئ الدستورية المخترقة - على سبيل المثال لا الحصر - وأطلق العنان للمبادئ الآخرى? العدالة? المساواة? تكافؤ الفرص? احترام الرأي والرأي الآخر وحرية التعبير والعيش،الرخاء? الاقتصاد? الثروة... هل تجدها مطبقة بشكل سليم؟
عندما اخترقنا المبادئ المحترمة التي جُبل عليها جيل الأجداد أصبحنا نعيش في مجتمع كل مجموعة أو فئة منه لها رؤية وأهداف في معظمها تصب في مصلحة أعضائها... وهنا تبدأ مرحلة التراجع والتيه القيادي.
الزبدة:
نفهم من ذلك? أن القيادي هو من يصنع الرؤية? وإذا صيغت الرؤية? تحددت الأهداف المبتغاة والغايات المرجوة وإذا جاءت صالحة فستجدها تنعكس على المجاميع وتبدأ حالة من الاستقرار، وتظهر ملامح التطور والازدهار، ومن ثم تبدأ حالة الانصياع لتوجهات القيادي أيا كان.
يقول الله عز شأنه «أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم»، وهذا من الناحية الشرعية يقصد منها السير على طريق مستقيم، لا اعوجاج فيه على هدى من ربه لا الضلال.
طريق الرؤية يحتاج السير فيه على طريق مستقيم? لا أن يكون «أذنك خشمك»، وكل قيادي ينسف رؤية من سبقه.
هل علمتم الآن سبب تراجعنا في كل الميادين إلا ما ندر؟... إنه فقدان المبادئ والسير غير المنتظم والقرارات التي تخرج كردود أفعال، وهذا التراجع يحتاج إلى رجال دولة يأتون بهم خلاف الأعراف المتبعة ليكون بمقدورنا صناعة التاريخ، عبر رؤى وأهداف تنعكس على شؤون الحياة: فهل لمن يملك الرشد والعقلانية والمعرفة والخبرة والكفاءة والجدارة نصيب ممن تجاهلته محركات المبادئ المخترقة؟... الله المستعان.
[email protected]
Twitter: @Terki_ALazmi