ينتقل بنا المفكر التونسي مختار الفجاري، في تأويل الإمام أبي حامد الغزالي، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة الناجية واحدة» ص22، حيث يقول الفجاري: «والطريف أن الغزالي، مثلاً، تعامل مع الحديث تعاملاً تأويلياً خاصاً. إذ سعى من خلاله إلى إقصاء خصومه المذهبيين فأورد الحديث كما يلي: ستفترق أمتي بضعاً وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا الزنادقة»أ.هـ، ص22.
ونحن نقول للمفكر التونسي مختار الفجاري، لِمَ لا تكون الفرقة الناجية إنما هي خليط من الثلاث وسبعين فرقة؟ لا شك بأن جميع الفرق تنقسم إلى قسمين، قسم من المعتدلين، وقسم من المغالين، فَلِمَ لا نأخذ المعتدلين من كل فرقة ونشكل بهم فرقة تكون هي الفرقة الناجية، فليست بالضرورة تكون فرقة بعينها هي الناجية، فهل هي معصومة عن الخطأ؟! ثم إن هذا التأويل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقع على عاتق الإمام أبي حامد الغزالي، إذ لم ترد كلمة (زنادقة) في متن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا يأتي الفرق بين التأويل وبين التفسير، فأبوحامد الغزالي، لم يفسّر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بل قام بتأويله، وهذا الذي ينبغي أن ينوّه به.
وينظـّر الفجاري لمفهوم التأويل ببراعة حيث يقول: «... وانقلب الإسلام رأساً على عقب بسبب نشأة العقل التأويلي وجعل النصوص بديلا عن العقل والتاريخ. فالإسلام الأول قام على عقل غير تأويلي. بمعنى أنه سعى إلى تأسيس عقل تاريخي.
والدليل على ذلك كثير لا يتسع له هذا المجال، بل يكفي أن نشير إلى ظاهرة ختم النبوة والنهي عن التأويل من قبل الرسول، حتى تتضح معالم الإسلام ومساهمته في تأسيس عهد ما بعد الأديان» أ.هـ. ص31. ويؤكد هذه المسألة في الصفحة التالية قائلاً:«أما النهي عن التأويل، فقد ورد في الأثر أن ثلة من أصحاب النبي اختلفوا في تأويل بعض الآيات فنهاهم الرسول بشدة وبين لهم أن ما قاموا به هو السبب، الذي أدى إلى الخلاف سواء بين النصارى أو بين اليهود، كما أكد على أنه سبب تحريف الأديان» أ.هـ. ص32.
قد نتفق مع الدكتور مختار الفجاري في مسألة التأويل كي نتجنب الانزلاق بأمور عقائدية، والخوض في مثل هذه الموضوعات يحتاج إلى دراية وإلى نفس طويل، والسؤال هنا: إذا كانت مقولة: «العبرة في الآية عموم اللفظ لا خصوص السبب»، ومقولة: «إن الآية صالحة لكل زمان ومكان»، وقد امتنعنا عن تأويلها أو تفسيرها بما يوافق زماننا وعصرنا ألا يؤثر ذلك على تقدم الإسلام والمسلمين؟ أليست هي دعوة إلى إغلاق باب الاجتهاد في المسائل العقائدية والدنيوية؟ من حق غير المسلم أن يسأل لمعرفة هذا الدين، فهل نرد عليهم أم نلتزم الصمت؟!
أين مختار الفجاري من هذه المسائل، التي تناولتها الآيات ألا تحتاج إلى تأويل وتفسير؟! أيعقل أن يعجز العقل العربي عن فك رموزها؟ وكنا قد فسرناها وأولناها بحسب ظننا وإعمالاً لعقلنا، وسنفرد مقالاً خاصاً بذلك:
لفت نظري وأنا أقرأ القرآن الكريم في قوله تعالى: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» الحشر: 23، كلمة «المؤمن»، فوقفت عندها متأملاً ومتسائلاً: إذا كنت أؤمن بالله، وغيري أيضاً يؤمن بالله، ويطلق عليه مؤمن بالله، ويطلق علينا مؤمنين بالله. فكيف يطلق الله سبحانه وتعالى على نفسه مؤمن؟ فهو عز وجل يؤمن بمَنْ؟ وبماذا؟
وللحديث بقية.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]