ضوء

الأدب الشعبي (2)

1 يناير 1970 06:00 م

من أهم الموضوعات والفنون التي تطرق إليها الأدب الشعبي، بالإضافة إلى أغاني وأهازيج العمل، هو موضوع العلاقة الإنسانية بين الأم وطفلها، فجاءت الأهازيج والتنويمات وترقيص الأطفال، الذي يعبر عن هذه الصلة ويصورّها شعراً، والذي هو أدب شعبي أصيل يصدر من قلب الأم وهي ترى ثمرة أحشائها بين يديها، تخاطبه وتتمنى له الأمنيات على إيقاع يحفل بالحركة والنشاط والسرعة والحماسة.
ومن هذه الأشعار ما يُرقّص بها الذكّر، ومنها ما تُرقّص بها الأنثى مثل:
(يا حبذا ريح الولد ريح الخزامي في البلد، أهكذا كل ولد أم لم يلد مثلي أحد). وللطفلة الأنثى كانت الأم تردد أهازيج كثيرة منها:
(ماذا علي أن تكون جارية، تغسل ثوبي أو تكون فالية، حتى إذا ما بلغت الثمانية آزرتها بالنطقة اليمانية وزوجتها مروان أو معاوية).
وخليجيا تردد الأم: (صباحك الصباحي والورد والتفاحي، صباحك صباحين صباح الكحل في العين، صباح الناس مرة وصباحك عشر واثنين، صباح يجلي الهمّ وصباح يوفي الدين، صباح يقول أبوي كليت اليوم قرصين، صباح يقول يمه درست اليوم يزويين، صباحك مهرة وجمال وراعي، أبيك على شكره يدور لك على مساعي، صباحك خير وعداك الويل، وشيرة هيل يرفرف عليها الطير، والطير له جناحين واحنا لنا نبا الخير، صباحك الصباح لولو البحر مسباحك عسى البين ما يدلك ولا يسمع اصياحك، صباح الورد والتفاح والرازجي لي لاح بن الغصون أملاح).
ومن الموضوعات التي تطرق إليها الأدب الشعبي أيضا: قصص المحبين العذريين الذين ماتوا حبا مثل ليلى وقيس بن الملوح، وأيضا التلبيات في مواكب الحجاج إلى مكة والمعابد الأخرى (ما قبل الإسلام)، وتواصلت إلى ما بعد الإسلام، وأيضا الأناشيد والأشعار والمسرحيات المرددة في الكثير من الاحتفالات الشعبية، كمواكب الاحتفال باستشهاد الحسين في العراق، ومواكب الصوفية في مصر، التي تعكس أدبا شعبياً فطرياً صافيا.
كما كان للزواج والطلاق آداب ونصوص ترسم العلاقات والتقاليد التي كانوا يراعونها حتى الآن. ويؤكد الباحث كامل الشيبي على ظاهرتين لغويتين أثارتا فضوله في الأدب الشعبي، هما ظاهرتي الكناية والمثال، فالكناية هي أن تتكلم بالشيء وتريد به غيره، ويراد بها التعبير عن المعنى بألفاظه التي وضعت له أصلا لسبب من الأسباب، من تقريب به بالتشبيه، ومن احترام، وتحبب، وتطيّر، وما إلى ذلك.
وأما الأمثال فهي حكمة الشعب موضوعه في جمل قصيرة، وتبدو شعبيتها واضحة من اتصالها بالحياة اليومية والتفصيلات التي لا يعنى بها الأدب الرفيع.
وما كان للأمثال أن تتوقف مع تجدد التجارب وتعدد الأحداث، لأنها سجل لحياة الناس كلهم.
ومع الشعر كان لا بد للنثر الشعبي أن يظهر قريناً للنثر الفصيح، وقد استقر على أن يكون على نسق قصص العشاق أو على نسق ألف ليلة وليلة، التي بدأت تتجمع منذ القرن الرابع الهجري، أو على نسق حكايات الأبطال مثل تغريبة بني هلال وأبي زيد الهلالي وسيف بن ذي يزن.
لذا فإن أهمية الأدب الشعبي تكمن في التصاقه بكل اللحظات المعيشية التي تمر على الإنسان في حياته اليومية.

[email protected]