هناك تعاطف مع إيران و«حزب الله» لكن «التشيّع» في غزة مسألة مبالغ فيها
«الجهاد» لم ترتح لتوجه سالم... و«حماس» لم تكن مرتاحة لمثل هذا الجيب الجهادي
اعتقلت حركة «حماس»، أواخر فبراير الماضي، مؤسس حركة «الصابرين» (حصن) المحسوبة على طهران في قطاع غزة هشام سالم. وللوقوف على أسباب اعتقال «رجل إيران في غزة» وخلفياته، كان لـ«الراي» لقاء مع الدكتور أحمد يوسف، المستشار السياسي السابق لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.
وأوضح يوسف، ان سالم ومنذ أعلن خروجه رسمياً عن حركة «الجهاد الإسلامي» في العام 2014، «قام مع عدد ممن وافقوه الرأي والموقف بتأسيس حركته، والتي بدأت تأخذ مساراً أكثر قرباً من إيران وحزب الله، وتتبنى خطاباً تعبوياً وسياسياً داعماً لنهج (المرشد الإيراني الأعلى) علي خامنئي و(الأمين العام لـ«حزب الله») حسن نصرالله، كما أن بعض عناصر الحركة حاولوا من خلال مناسبات معينة إظهار الولاء والتقرب بسلوكيات وأنشطة تدلل وكأنهم قد تشيعوا».
وأكد المستشار السياسي السابق، ان سالم أكد لي شخصياً ان لا صحة لمثل هذه الاتهامات، ولكنه «أكد حبه لآل البيت وتأثره الكبير بالإمام الخميني وخطه الجهادي. إلا أن زميله في قيادة الحركة الأستاذ محمد حرب، ومن خلال لقاء جمعني به قبل عامين، أظهر بكل ما يوحي بأن المسألة هي أكثر من ذلك، وهي تتجاوز الارتباط العاطفي والاعجاب إلى ما يشده قناعة وربما اعتقاداً للمذهب الشيعي».
وتابع موضحاً: «حقيقة، لست متأكداً في ظل فلسفة التقية التي يمارسها البعض منهم».
وحسب يوسف فان «الجهاد الإسلامي لم ترتح لمثل هذا التوجه، لأنه يوغر صدور أهالي قطاع غزة على الحركة ويعطي الذريعة لاتهامها بأنها ذراع يخدم المصالح السياسية والأمنية لإيران في المنطقة، وهي ادعاءات لطالما نفتها الحركة. وشكل انشقاق سالم وخروجه مع بعض اتباعه من الحركة قلقاً في بدايته، إلا أنه في الوقت ذاته لاقى ارتياحاً لدى الجهاد، والتي حرصت على النأي بنفسها عن مظاهر التشيّع، وما تسببه من تحفظات على خطها الجهادي، وفرص إيجاد مصادر دعم خارج إيران».
وشدد على ان «حماس هي الأخرى لم تكن مرتاحة أمنياً لمثل هذا الجيب الجهادي، لأن فتح الباب لكوادره وخطاب قياداته سيؤثر على علاقات الحركة مع الداخل الفلسطيني من ناحية، ومع دول المنطقة خصوصاً الخليجية من جهة ثانية؛ وهذا التمدد الإيراني على أرض فلسطين لن يروق لها. من هنا، تحركت أجهزة حماس لاحتواء هذا الجيب، وتطويقه حتى لا يصبح حالة من حالات التفلت الأمني في المستقبل. لذلك، تمَّ اعتقال الأمين العام للحركة، وحظر أنشطته، وجرى رصد لتحركات عددٍ من قيادات التنظيم».
وقال يوسف في ما يتعلق بعائلة مؤسس «الصابرين»، خصوصاً زوجته وأولاده، «هناك البعض منهم يعيشون في إيران، وحدثت بينهم مصاهرة وزواج. ولكن هذا لا يعني التشيع، بالمناسبة، هناك حالات مشابهة من المصاهرة، حيث تزوج طلاب فلسطينيون من إيرانيات، والقضية لا تُفهم في إطار التشيّع».
وان كان هناك خلاف بين «حماس» وإيران تجاه «الصابرين»، رد المستشار السياسي السابق: «لا أعتقد ذلك. هذه القضية تمَّ تناولها والحديث عنها مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وكذلك مع إيران، باعتبار أن هذا التوجه لا يخدم مشروع الجهاد والمقاومة، كما أنه سيتم النظر إليه كشكل من أشكال التبشير الطائفي، والذي سيؤدي إلى استفزاز المرجعيات الدينية السُنيِّة، ويدفع الأئمة والدعاة إلى تقديم خطاب غير أخوي، تجاه إيران وحزب الله، وهذا الرأي الذي أبدته حماس شارك في تأييده والدفاع عنه أيضاً قيادات في الجهاد».
وأشار الى ان سالم وحركته «لم يشكلا حضوراً تنظيمياً لافتاً، وأنشطة الحركة الإغاثية محدودة، كما أن الشارع في قطاع غزة لم يسمع عن فعلها المقاوم. لذلك يأتي خبر الاعتقال في سياق ضبط الساحة أمنياً، وقطع الطريق أمام كل من يحاول التسويق لمقولة إن لإيران وحزب الله ذراعاً عسكرية تعمل كخلية نائمة يمكن تحريكها وتوظيفها وفق الحسابات الإيرانية»!
وأوضح ان «الحديث عن التشيّع في غزة مسألة مبالغ فيها، وهناك جهات مشبوهة تقف خلف ترويج مثل هذه الادعاءات، التي ليس لها أساس من الصحة. نعم هناك تعاطف إسلامي مع إيران وحزب الله في ظل تراجع الدعم للقضية الفلسطينية وحماس، ولكن لا اعتقد أن هناك من يمارس الطقوس الشيعية في القطاع. ولكن مع انتشار الفضائيات، أصبح الكون قرية عالمية واحدة، وهناك من جذبته متابعة بعض الشبكات الإعلامية مثل المنار والعالم، وكذلك القنوات الدينية الشيعية التي تبث بكائيات الحسين في سردية من الحزن والأسى، والتي نجحت - بلا شك - في تحريك مشاعر التعاطف مع مظلومية آل البيت، وفتحت الكثير من النقاش حولها داخل مجتمعنا الفلسطيني، والتي لم يكن له في السابق دراية بتفاصيل مثل هذه الوقائع، التي تهز القلب وتُدمع العين، ولكنها لا تتعدى ذلك».
وعن التزامن بين اعتقال سالم والإفراج عن أربعة من كوادر «القسام» من السجون المصرية، الأمر الذي اعتبرته وسائل إعلام بأنه أتى في إطار صفقة، أوضح يوسف: «لا أعتقد ذلك، وإن كان للإخوة في مصر تحفظات على بعض التنظيمات الدينية ذات الطبيعة الجهادية، والتي تنشط بعيداً عما هو مشترك بين فصائل العمل الوطني والإسلامي التي تملك وحدات قتالية، ولكنها ملتزمة بالخط العام لغرفة القيادة المشتركة. في الحقيقة، ليس هناك صفقة، وهؤلاء الشباب تم الإفراج عنهم بعدما تبين للأجهزة المصرية أن ليس هناك ما يربطهم بما يجري في سيناء».