تصور لو أنك موظف تعمل براتب ألف دينار شهريا، ثم قمت بترتيب أوضاعك بناء على تلك الميزانية فاشتريت بيتا بالأقساط وسيارة وأثاثاً، وبعد شهرين قال لك رب العمل بأن راتبك سيصبح 500 دينار شهريا فقط، ثم في الشهر الثالث أخبرك بأن كل ما يستطيع اعطاءك من راتب هو ثلاثمئة دينار شهريا، فكيف ستكون حياتك؟!
إذا كان هذا الوضع غير مقبول بالمرة لموظف فكيف إذا كانت ميزانية دولة كاملة تخضع لتلك التقلبات المثيرة؟! خلال أشهر قليلة هوى سعر نفطنا الخام من 150 دولاراً للبرميل الى أقل من أربعين دولارا دون مقدمات، وليته كان النفط فقط ولكن هوت بورصتنا من 15 ألف نقطة الى أقل من تسعة آلاف نقطة وخسر الكثيرون أموالهم وقاربت شركات على الافلاس.
لسنا بصدد مناقشة أسباب فشلنا في استقراء واقعنا الاقتصادي وأسباب الزلزال الذي فاق موجة التسونامي التي لم يحسب لها العالم حسابا حتى غمرت ديارهم والتهمت مواطنيهم فجأة دون سابق إنذار، ولا سيما ان مشكلتنا الاقتصادية كما يقولون ليست خاصة بنا بل داهمت جميع بلدان العالم ودمرت كل شيء لا سيما النظام الرأسمالي الذي ظل الغرب يتفاخر به ويعتبره النظام الوحيد الصالح للبشر بعد ان انهار المعسكر الاشتراكي، فأثبتت تلك الكارثة الاقتصادية بأن النظام الرأسمالي أشد تفككا وبعدا عن التوازن من النظام الرأسمالي.
لكن الذي نريد مناقشته مرة بعد مرة بعد مرة هو سر بقائنا فريسة لأسعار سلعة وحيدة لا نملك غيرها، نصعد كلما صعدت ونهوي كلما هوت، مع ان الخطط الخمسية والعشرينية وغيرها تنص دائما على وجوب ايجاد البدائل وعدم الاعتماد على النفط وحده، فإذا لم تنزل أسعاره اليوم فإن احتمال انتهاء النفط من تحت الأرض وارد وكذلك احتمال ايجاد طاقات بديلة له، ولا نستبعد احتمال بقائه تحت الأرض مع عدم تمكننا من استخراجه أو تصديره لأسباب كثيرة لا تخفى على عاقل؟!
لو كان هنالك جدية في ايجاد البدائل لقلنا: جزاكم الله خيرا والمهم المحاولة لكن المشكلة ان احدا من متخذي القرار لا يأخذ هذا الموضوع مأخذ الجد، بل والاسوأ هو انه ما ان ترتفع اسعار النفط قليلا ونحصل على فائض مالي بسيط حتى يتسلط علينا بعض نوابنا - لأسباب انتخابية بحتة - ويسعوا الى تبديد ذلك الفائض بأشكال متعددة مثل اسقاط قروض جميع المواطنين أو ما شابهها، ولو طالبوا باستثمار تلك الفوائض في مشاريع مربحة لأوجدنا بدائل كثيرة للنفط، ولكن الجمع بين الجهل والتخبط والطمع هو آفة مجتمعاتنا اليوم، والله المستعان.
د. وائل الحساوي
[email protected]