حسابات الربح والخسارة...«تطويع أرقام» لـ «الإيهام» بانتصارات

الحكومة الجديدة في لبنان.. الى العمَل في «حقلٍ من الجمر»

1 يناير 1970 05:00 م

تنفّست بيروت الصعداء مع صدور مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة ليل أمس بعد مخاضٍ صعب كان دَخَلَ شهرَه التاسع في ظلّ تَدافُعٍ خشن بين أطراف الداخل على تعزيز حصصهم في السلطة ومحاولاتهم لتطويع توازناتها لأهداف متناقضة، وتأثيراتٍ إقليمية ضاغطة جعلتْ من هذا الملف اللبناني ورقةً لمساوماتٍ تتصل بالصراع الكبير في المنطقة وعليها.

ورغم أن رئيس الحكومة سعد الحريري اختار لحكومته الثالثة شعار «إلى العمل»، فإن الآمال بدت حذرة حيال ما يمكن أن تحقّقه هذه الحكومة الإئتلافية - المتوقَّع أن تعمر لأربع سنوات أي نهاية ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون - وذلك نظراً إلى تركيبتها غير المتجانسة والتي تنطوي على صراعات قاسية بين أطرافها كانت أدّت إلى تأخير ولادتها لـ 253 يوماً.

ويبدأ المشوار الشائك للحكومة، التي تواجه حقول ألغام لا يُستهان بها، بالتقاط صورتَها التذكارية (غداً السبت) التي يطبعها إنجازٌ غير مسبوق بتولي أربع نساء حقائب في التشكيلة الثلاثينية، بينها وزارة الداخلية التي «تحتلها» سيدة للمرة الأولى في لبنان والعالم العربي، هي وزيرة المال السابقة ريا الحسن.

وفي محاولة «تعويضٍ» للوقت المهدور تنعقد الحكومة الجديدة السبت لتشكيل اللجنة الوزارية لصوغ البيان الوزاري الذي في ضوئه ستمْثُل أمام البرلمان في مهلة أقصاها شهر طلباً لنيل الثقة المحسومة سلفاً بعدما جاءت الحكومة أشبه بـ «ميني برلمان» لتمثيلها جمع الكتل بإستثناء حزب الكتائب (كتلة من 3 وزراء) و«القومي الاجتماعي».

وانهمكتْ بيروت غداة الإعلان عن أسماء الوزراء الـ 30 (بينهم 16 وزيراً للمرة الأولى)، في رصْد مسألتين على جانب من الأهمية: الأولى الخلاصة التي انتهى إليها الصراع على التوازنات داخل الحكومة وإجراء «جدول مقارَنةٍ» بالربح والخسارة للقوى الرئيسية التي أدارت اللعبة، والثانية ردود الفعل الإقليمية - الدولية على الولادة الشائكة للحكومة اللبنانية وبـ «فائض» من النفوذ لـ «حزب الله»، الذي غالباً ما كان يكتفي بمشاركةٍ «رمزية» في الحكومات السابقة.

وعلى الطريقةِ اللبنانيةِ المعهودةِ أوحتْ «جرْدة» الربح والخسارة بأن الجميع رابحون وما من خاسرين، في دلالةٍ إلى أن أطراف الصراع اقتيدوا إلى التسوية في لحظة صدور «الضوء الأخضر» الإيراني الذي بدا مرتبطاً بمقتضيات ملاقاة مؤتمر وارسو في 13 و 14 الجاري والذي دعيت اليه 70 دولة وتريده واشنطن لاستكمال استراتيجية «إعادة إيران الى داخل إيران، وتوجيه رسالة حُسن نية»بأقلّ تكلفة«و»من جيب الآخَرين«الى الأوروبيين الذين يتّجهون الى تشكيل آلية تسمح لإيران بالتبادل التجاري مع الشركات الأوروبية رغم العقوبات التي فرضت مرة أخرى على طهران بعد انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي كان وُقّع في 2015.

ومن خلف»الخيوط الخفية«التي أَسقطتْ»الفيتوات المتبادلة«أمام ولادة الحكومة التي»استحقّت«لقب»الوصيف«كثاني أطول مدة يستغرقها تأليفها بعد حكومة الرئيس تمام سلام (2014 وتطلّب تشكيلها عشرة أشهر و9 أيام، لم يكن صعباً استخلاصُ أن»حزب الله«خَرَجَ من هذا الاستحقاق بالمكاسب الأكبر على صعيد تكريس المزيد من الأعراف التي تَحَوَّلَ معها»شريكاً«في استيلاد الحكومة وبشروطه و»اللعب في ساحات الآخرين«(مكوّنات سياسية وطائفية)، وهو ما شكّل العنوان الأكثر»نفوراً«في سياقه إصرارُه على استخدام»ورقة«توزير النواب السنّة الستة الموالين له (اللقاء التشاوري) لإصابة»عصفوريْن بحجر واحد«: الأوّل منْع فريق رئيس الجمهورية من الحصول على»ثلث معطّل صالح للاستخدام«وذلك عبر فرْض تسويةٍ جعلت ممثّل»مجموعة الستة«(حسن عبد الرحيم مراد)»وديعةً«في حصة عون على قاعدة»الغموض البنّاء«وبما يكمل عدد الـ 11 لفريق رئيس الجمهورية ولكن على طريقة»الرصاص بلا ذخيرة«، بحيث أن مراد سيحضر اجتماعات التكتل المحسوب على رئيس الجمهورية (لبنان القوي) ويكون»حسابياً«في حصته ولكن يصوّت وفق»مشورة اللقاء التشاوري«. والثاني كسْر احتكار تمثيل الرئيس الحريري للطائفة السنية وهو الهدف الذي»خطّط«له الحزب منذ أن خاض المكوّن الشيعي ما أسماه رئيس البرلمان نبيه بري»الجهاد الأكبر«لإقرار قانون انتخاب على قاعدة النسبية التي لم تأكل واقعياً إلا من»صحن«الحريري بما يشكّله، بامتداده الإقليمي، من عنصر توازنٍ في الواقع اللبناني.

ولم يكن عادياً حرص فريق عون بعيد صدور مراسيم تشكيل الحكومة ليل الخميس على تعمُّد تأكيد ان مجموع حصة رئيس الجمهورية وحصة»التيار الوطني الحر«(حزب عون) هو»11 وزيراً وأكثر«وليس 10 أي ان مراد هو في عدادها. وبعدما سادت الضبابية حيال مغازي هذا الإعلان وإذا كان يوحي ان ما قيل عن تفاهمات تحت الطاولة بين مراد ورئيس»التيار الحر«الوزير جبران باسيل يعني أن»الثلث المعطّل«بات فعلياً في»جيْب«فريق عون، كان بارزاً حرص»اللقاء التشاوري«على عقد اجتماع اليوم بحضور مراد الذي أعلن إن»التشاوري أصبح 6 نواب ووزير، واليوم هناك اجتماع للقاء بكامل أعضائه بالإضافة الى عثمان مجذوب وطه ناجي«، موضحاً أنه سيحضر اجتماعات اللقاء التشاوري و»لبنان القوي«وسيصوّت مع»التشاوري«، وسيعمل على التوفيق بين الأخير و»لبنان القوي«.

وفي موازاة ذلك، وفيما كانت الأسواق المالية الخارجية تتفاعل إيجاباً مع ولادة الحكومة (ارتفعت سندات لبنان الدولارية استحقاق 2037 بواقع 4.3 سنت وسندات استحقاق 2025 بواقع 3 سنت بعيد صدور المراسيم)، وفي ظلّ رصْدٍ لكيفية ترجمة الوعد السعودي خصوصاً بدعم لبنان بعد تشكيل الحكومة، لم يُخْفِ رئيسها ما تواجهه من تحدياتٍ وصولاً الى قوله في أعقاب تشكيل الحكومة الثالثة التي يترأسها منذ 2009:»أدرك جيداً ان وجودي في الحكومة مع الوزراء مهمة غير سهلة، ويقال لي ان البعض «يرغب في رمي الجمر بين يديك، أما أنا فأقول: ليس لديّ ولدى الوزراء أي خيار، وعلينا مع فخامة الرئيس والمجلس النيابي ان نتحمل هذه المسؤولية، ونمنع انتقال الجمر الى بيوت اللبنانيين. أعتمد على تعاون الجميع»، ومؤكداً «المهم اعتباراً من اليوم، هو كيفية عمل الحكومة، وكيفية التعاون والتضامن داخل مجلس الوزراء كي نكون خلية عمل متجانسة»، ومشدداً على «اننا أمام تحديات اقتصادية ومالية واجتماعية وادارية وخدماتية، إضافة الى التحديات المعروفة عن الأوضاع في المنطقة والتهديدات الإسرائيلية على الحدود (...) لدى الحكومة جدول أعمال لا يحتمل التأخير والتردد أو التشاطر على الناس. انتهى زمن العلاج بالمسكّنات، ولم يعد لأحد القدرة على ان يدفن رأسه في الرمل، فالأمور واضحة كالشمس، وكل المشاكل وأسباب الهدر والفساد والخلل الإداري معروفة، وكل اللبنانيين يعيشون القلق على الوضع الاقتصادي».

وفيما كانت مصادر الحريري تعبّر اليوم عن «ارتياحه لتشكيل الحكومة»، مشيرة الى أنه يكثف اجتماعاته مع فريق عمله واتصالاته لانطلاقةٍ مُنْتِجة للحكومة، اعتبر الرئيس عون أن «تشكيل الحكومة الجديدة هو تجديد للثقة بالوطن بعد اختلالها أخيراً وانعكاس هذا الاختلال تخفيضا لتصنيف لبنان في الأسواق الدولية»، مشيرا الى أن «هذا التأليف أنعش الأسواق المالية ولا سيما أسواق سندات لبنان السيادية الدولارية ورفعها الى أعلى مرتبة منذ يوليو 2018، وسنواصل العمل على إعادة الثقة بلبنان بكل ما تتطلبه هذه العملية من جدية، لأن ما مررنا به خلال أزمة التشكيل قد يكون أعطانا درساً مهماً بعدم جواز العبث بقضايا من هذا النوع».