«نصرالله قال لخوجة: لا يجمعنا بالسوريين سوى الغرب... فالبحر من شرقنا ومن الجنوب إسرائيل»

بندر بن سلطان: خامنئي يقرأ للمتنبي وعرفنا سليماني «صدفة» الملك عبدالله قال عن بشار... «هذا غلّيم ما يعرف يحكي»

1 يناير 1970 12:26 م
  • الشاه عدو عاقل والجهل  ما يمكن أن يتصف به  النظام الحالي في طهران 
  • دعمنا صدام بعد تهديدات الخميني بأنه سيبدأ بالعراق  ثم يكمل على دول الخليج 
  • قلت لخامنئي: لدي موعد  مع الشيطان الأكبر... فسأل:  من الشيطان الأكبر؟  وأجبته... الولايات المتحدة  
  • الملك سلمان حافظ على استقرار السعودية لـ 20 عاماً للأمام  على أقل تقدير  
  • حافظ الأسد آلمه إضاعة فرصة عرض رابين... لكان الجولان لنا ولفتحنا سفارة لا نجعل أحداً يعمل فيها  
  • الأسد الأب إذا التقى  بأي شخص يتحدث  لساعتين عن بني أمية  ويقول إنكم أعداء لهم  
  • رسالة كنعان لنصرالله...  شاحنة تحمل 30 جثة  لمقاتلين من حزب الله»  
  • الشرع قاطع بشار فطرده  من اجتماع... وخدام قال لي:  لا تأخذ كلام الولد هذا  
  • بشار قال لي: الناس  تتوقع يدي مخملية...  هي مخملية وتحتها حديد   
  • بشار لقادة الجيش:  أنت ستغادر وأنت ستبقى...  وأنت سأقطع لسانك  
  • بشار أخبرني... جسست نبض الوالد واختفى النبض وقلت للوالدة إنه نام... أغلقت الباب وذهبت إلى النادي

أكد الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، أمين مجلس الأمن الوطني والسفير الأشهر للرياض لدى واشنطن، ان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، «حافظ على استقرار السعودية، لعشرين عاماً للأمام على أقل تقدير».
وقال «كثيرون من أبناء الملك عبدالعزيز تجاوزوا الستين من عمرهم وليس هم فقط، بل حتى الأحفاد وأنا واحد منهم، وقد اتخذ الملك سلمان قراره بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد على هذا الأساس».
ويرى الأمير بندر في حديث لـ «اندبندنت عربية»، أن «هناك فهماً خاطئاً في دوائر صنع القرار الغربية لتاريخ السعودية». ويتابع: «لدى العالم الغربي فهم خاطئ للدولة السعودية، يتحدثون عنها وكأنها بدأت منذ العام 1932 رغم أنها موجودة منذ 300 سنة، الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة».
وبدأ الأمير بندر حديثه بعد السعودية الجديدة عن إيران، مستخدماً المثل الشهير: «عدو عاقل خير من صديق جاهل». ويرى أن آخر حكام إيران قبل الثورة الخمينية عام 1979 وهو الشاه محمد رضا بهلوي «عدو عاقل، وأن الجهل هو ما يمكن أن يتصف به النظام الحالي في طهران».
وتابع: «نعرف جميعاً أن صدام حسين حاكم مجرم وسفاح بمعنى الكلمة، لكن الخميني أعلن في خطاب له أنه سيحرر العراق أولاً، ثم يتوجه لتحرير دول الخليج بالقوة... ولم يكن أمام القيادة السعودية سوى خيارين: السيئ والأسوأ، فاختارت السيئ، وتفسير القيادة السعودية للخلاف الذي يشعله الخميني أنه ليس خلافاً سنياً - شيعياً أو سياسياً، بل خلاف تاريخي فارسي - عربي وذو نظرة عنصرية من الخميني. ومثال بسيط على ذلك، أنه في الحرب 80 في المئة من الجيش العراقي كانوا من الشيعة وكانوا يحاربون ضد إيران، لأنهم لم يكونوا يحاربون ولاية الفقيه أو إيران الشيعية، بل الفارسية وكان صدام حسين يقنعهم بذلك».
لكن الرياض، حسب الأمير بندر، تريد المصالحة، وفي الوقت ذاته تريد إيصال رسالة لإيران، ولهذا بدأت مفاوضات سرية بين إيران والعراق. ويقول: «الطرفان منهكان ويريدان السلام، ولكن لا أحد يريد التنازل، لا الخميني ولا صدام يملكان روح التواضع، والدليل أن الخميني وصف اتفاق السلام، قائلاً: هذا الاتفاق مثل الذي تجرع السم. لكن كانت لديه قناعة بأنه، يجب أن نخرج هذا السم. وهذا ما حدث بإخراجه السم عبر تصدير الثورة».

لقاء خوجة ونصرالله
ويضيف الأمير بشواهد عن دور إيران الواضح في المنطقة، بقوله: «في لبنان مثلاً، حدثت اشتباكات بين حزب الله وبقية الأحزاب بشكل عنيف في العام 2007 (7 مايو)، وكلفني الملك عبدالله أن أذهب إلى إيران وأقنعهم بإيقاف حزب الله عن القتال، ونحن نضمن المسيحيين والسنة، واقتنعوا أخيراً. وكان شرطنا أن يذهب السفيران السعودي والإيراني إلى مكان حدوث الاشتباكات، وبالفعل ذهبا وانسحب حزب الله بعد نصف ساعة أو ساعة. وهنا مكمن السخرية حين يقول حزب الله إن إيران لا تتحكم بتحركاتهم».
ويذكر الأمير بندر، قصة حدثت رواها وزير الإعلام الأسبق وسفير السعودية لدى لبنان عبدالعزيز خوجة بقوله: «التقى خوجة بحسن نصرالله مرتين وسأله: ما الذي يجمعكم مع السوريين خصوصاً أن حافظ الأسد إذا التقى بأي شخص يتحدث لمدة ساعتين عن بني أمية وأمجادهم ويقول إنكم أعداء لهم، فكان رد نصرالله أنه لا يجمعنا بهم سوى شيء واحد، فالبحر من شرقنا ومن الجنوب إسرائيل، ومن الغرب سورية، وأي دعم من إيران لا يمكن أن يصلنا إلا عبر سورية، ولهذا نحن لا نحتك بالسوريين ونحاول أن نكون معهم. وهناك مثال على ذلك، وهو الاشتباكات العنيفة التي حدثت في سنوات ماضية بين حزب الله وحركة أمل، وطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري التدخل. وتم إبلاغ اللواء غازي كنعان بالتحدث مع نصرالله، الذي رفض - حسب كلامه لخوجة - وقف الاشتباكات، بحجة أنه لا يمكن أن يكون هناك حزبان شيعيان، فقال كنعان لنصرالله في حينها بأنه ينصحه بأن يوقف الاشتباك، ومن جديد رد نصرالله أنه يقدر الرئيس حافظ الأسد، لكنه لن يوقفها. وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات جاء أفراد من الحزب وقالوا إن هناك شاحنة جاءت وتحمل رسالة من كنعان، وعندما فتحنا صندوق الشاحنة وجدنا 30 جثة تقريباً لمقاتلين من حزبنا. وهنا أوقفت الاشتباكات».

الشيطان الأكبر
لكن الأمل مفقود - حسب حديث بندر - بأي تقارب سعودي - إيراني، ويقول إن هناك أكثر من جهة تحكم إيران. ويقول: «بعد ما جئت إلى مجلس الأمن الوطني، كان الملك عبدالله على اتصال مع الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان متفهماً للوضع العالمي، ورفسنجاني ندم أنه جاء بالمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي كولي للفقيه وهو من رشحه كمرشد. رفسنجاني حاول مراراً وتكراراً إصلاح العلاقة السعودية - الإيرانية، وجاء بعده محمد خاتمي، الذي حاول القيام بذلك أيضاً وجرت اتصالات بين الملك عبدالله وبينه، وقلنا إنها فرصة جيدة للتحرك وإثبات حسن النوايا...».
ويتابع: «وحين أصبحت في مجلس الأمن الوطني، كان ذلك خلال فترة حكم محمود أحمدي نجاد، وكان نظيري الإيراني في المنصب علي لاريجاني، ولم يكن لاريجاني يكنّ التقدير لأحمدي نجاد، وأصررت في زيارتي لإيران أن التقي برئيس الجمهورية حتى أتأكد من وصول كلامي إليه. ولكن لاريجاني قال لي حينها: دعك من نجاد، لقاؤه ليس مهماً. تمسكت بطلبي والتقيت بنجاد، الذي قال لي: نعم أخبرني لاريجاني بتفاصيل اللقاء. في ذلك الوقت استغربت وتوقعت أن لاريجاني كان يكذب عليّ حين حاول التقليل من نجاد وتهميشه. في الرحلة التي بعدها طلبت أن ألتقي بالمرشد علي خامنئي، والسبب أنه في المرات السابقة لم يتحقق أي شيء، والتقيت به فعلا، وهو يجيد اللغة العربية، والدليل أنه كان يصحح للمترجم بالفصحى، وقلت له يا سماحة الإمام دعنا نتحدث من دون مترجم، العجيب أنني خرجت من ذلك الاجتماع بانطباع إيجابي فهو رجلٌ متنور وقارئ، وكان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الراحل التقى به في باكستان حين كان خامنئي رئيساً للجمهورية.
وعندما ذهب الفيصل إلى مقر سكن خامنئي برفقة علي أكبر ولايتي، وجدناه قد وضع عمامته جانباً ويقرأ للمتنبي. هذه المرة في طهران عام 2007، كان حازماً صارماً من دون تعابير وجه، وقبل توديعه لي وشكري للاريجاني على تعاونه ودعوته للسعودية إن أراد. قال لي خامنئي: لماذا لا تجلس يوماً إضافياً؟ فقلت له: لدي موعد مع الشيطان الأكبر. فقال: من الشيطان الأكبر؟ وأجبته: الولايات المتحدة الأميركية، لدي موعد مع الرئيس.
وكسر خامنئي حدة تعابير وجهه بضحكة، وقال: «كيف تصفهم بذلك؟ أليسوا أصدقاء لكم؟ فقلت: نعم وأصدقاء استراتيجيين كذلك، لكن خشيت أن أقول لك سأذهب إلى أميركا فتسألني أميركا الجنوبية أو الشمالية؟ فاستخدمت المسمى الذي تستخدمونه».

لقاء الصدفة مع سليماني
مصادفة غريبة حدثت للأمير بندر لدى إحدى زياراته لإيران. كان اسم قاسم سليماني يتردد في كل الأحداث التي ترد إلى الأجهزة السعودية، لكن الصورة مغيبة ومخفية، أو بشكل أدق لم يكن لدى السلطات السعودية أي وصف تقريبي لقاسم سليماني.
ويتابع الأمير بندر: «(...) قبل الرحلة الأخيرة قلت للملك عبدالله، إذا أمرتني بأن أعود لإيران فأنا في تصرفك، وإن أردت أن نخاطبهم لإيفاد أحد، لكن لدي تعليق وهو أن من نلتقي بهم ودودون ومرنون، لكن لا أمر بيدهم ولا قرار، ومن يملكون الحل والربط لا يريدون اللقاء بنا، والدليل أنه خلال لقائنا الأخير بلاريجاني - كان اللقاء لاحتواء التوتر في بيروت في ما يعرف بحصار السرايا عام 2007، وذكر طرف من الوفد السعودي حضر الاجتماع مع الإيرانيين أنهم عرّفوا بقاسم سليماني، بالمستشار قاسمي - دخل علينا شخص خلال الاجتماع لم نره من قبل في جميع الزيارات الأربع لإيران، دخل ونحن في منتصف الاجتماع، وجلس في آخر مقعد، وكان معي الأمير سلمان بن سلطان ومساعدي رحاب مسعود.
كان الأمير سلمان يضع هاتفه الجوال على وضعية (الهزاز) حتى لا يخرج نغمة، وعند تلقيه اتصالاً أخرج جواله للرد، وفجأة خرج الشخص الذي كان يجلس في زاوية القاعة بسرعة، ودخل آخر وتوجه نحو لاريجاني وهمس في أذنه. بعد ذلك طلب لاريجاني الانفرد بي وذهبنا إلى المكتب، فقال: ما حدث غير أخلاقي ومعيب، كيف تقومون بتصوير قاسم سليماني من جوال أحد أفراد وفدكم؟ فاستغربت وقلت: نصور سليماني! قال: نعم، الأمير سلمان التقط له صورة ولهذا خرج. فضحكت وأجبت: شكراً لك لأنك أخبرتنا كيف هو شكل قاسم سليماني، دائماً أسمع عنه وعن تحركاته ونتائجها السيئة، شكراً لك لأنك عرّفتنا على ملامح وجهه وسنعود الآن لملفاتنا ونتفحصها أكثر.
في ذلك الوقت، أعطيت الملك عبدالله هذا المثال، وها أنا أذكره الآن، لأبيّن شكّ الإيرانيين وثقتهم المعدومة بالطرف الآخر».

بندر ولاريجاني
لكن تجاهل الطلبات ليس هو الحدث الأبرز في لقاءات المسؤولين السعوديين بنظرائهم الإيرانيين، بل تمتد إلى المشادة اللفظية والكلامية. يقول الأمير بندر عن لقاء تحول إلى مشادة كلامية بينه وبين علي لاريجاني: «في أحد اللقاءات أيضاً مع المسؤولين الإيرانيين، ومع لاريجاني مجدداً، حدث احتكاك كلامي، وكان عن حزب الله، حيث قلنا بأننا نملك دليلاً على سلوك الحزب وتدريب إيران له وعن عماد مغنية ودوره في استهداف المصالح الخليجية والسعودية، وأن مساعديه والمحيطين به هم من الحرس الثوري، وأنه وراء تفجير موكب أمير الكويت، وخطف الطائرة الكويتية وتفجير الخبر في العام 1996.
ومع اشتداد الاحتكاك قال لي أثناء الشد والجذب: يجب عليكم أن تحرصوا وتنتبهوا، أو سنثوّر العالم على السعودية. فقلت له: أنت ستثور العالم علينا؟ لا مشكلة لدينا، وأنا أقول لك نيابة عن السعودية تفضل ثوّر العالم وهيجه علينا، لكن سأقول لك شيئاً كي لا تدّعي بأنني لم أكن صريحا معك... مصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا وماليزيا ومسلمو الصين والدول العربية المغاربية، كل هؤلاء سنتصل بهم ونقوم بعقد اجتماع مؤتمر لوزراء الخارجية ثم رؤساء الاستخبارات، وبعدها مؤتمر لرؤساء الأركان، وسنرى بعدها ما يحدث... فرد لاريجاني: هذا تهديد؟
وقلت له: أنت تقول بأنك ستثوّر العالم علينا».
ينهي الأمير بندر حديثه عن الإيرانيين بقوله: «من يستطيع أن يجلب إيران للجلوس على طاولة واحدة مع السعوديين فهو يرى أن لدى السعوديين القابلية، ولكن: المهم أن يحضروا أشخاصاً لهم رأي ويستطيعون تنفيذ ما يعدون به. هذا هو المختصر للعلاقات. وأعتقد أن السعودية مقصرة في مسألة إيضاح هذه التفاصيل، وبأننا بادرنا لتصحيح العلاقات من دون قبول لهذا من الجانب الإيراني».

حافظ وبشار!
وعن سبب حساسية رئيس النظام السوري بشار الأسد المفرطة من اسم بندر بن سلطان، يرد الأمير الديبلوماسي: «عرفت بشار من قبل أن يصبح شيئاً، وأخاه باسل الذي توفي بحادث سيارة. وأعتقد أن رئيس النظام السوري لديه عقدة هي باسل حافظ الأسد، ولا تزال موجودة حتى بعد وفاته. الفرق بين حافظ الأسد وبشار الأسد كالفرق بين السماء والأرض، الأب كان رجلاً، وهذا ولد حتى الآن، الأب كان صادقاً حتى في الخلاف معه، الولد يكذب أكثر مما يصدق. الأب كان محاطاً برجال يعتمد عليهم، الولد محاط بأناس مثله. حافظ الأسد كان عنيداً وله قدرة على الصبر ولكن يعرف الحدود، بشار عنيد، ولكن لو غرزته شوكة لبكى.
الأب يعرف متى يجازف ويتراجع، الولد بشار لا يعرف متى يجازف ولا متى يتراجع، ومثال على ذلك الانسحاب المذل للقوات السورية من لبنان عام 2005، رغم أن السعودية عرضت عليه قبل ذلك بأسبوع خطة توافق عليها الحكومة اللبنانية بضمانتنا، ينسحب من خلالها الجيش السوري تدريجياً إلى البقاع، ويكون هناك تجمع لهم وبعدها بشهر يصدر طلب من رئيس الجمهورية، وشكر للرئيس السوري ويخرجون بوداعٍ رسمي وبشكل لا يكون فيه ذلة للجيش السوري، ولكن بشار رفض الخطة، وحدث ما حدث».
ويواصل الأمير مستطرداً: «هناك مثل شعبي يقول: من (عرفك صغير حقرك كبير). أول مرة سمعت بشيء اسمه بشار الأسد، كان عن طريق صديق سوري لي يريدني أن أتوسط لدى الحكومة البريطانية في الثمانينات، لأن هناك طبيب عيون هو ابن الرئيس حافظ الأسد يريد الحصول على دورة تخصصية في لندن، وقتها كنت أعرف حافظ الأسد، لكن لم أشاهد بشار معه إطلاقاً... تحدثت فعلاً مع المسؤولين البريطانيين في موضوع طبيب العيون، وقلت لهم إن منحه الموافقة لن يضرهم، بل نصحتهم أن يتعرفوا عليه، فقد يصبح يوماً من الأيام شيئاً، من يعرف. تمت الموافقة وجاء إلى لندن، هذا الموقف قبل أن يكون شيئاً إطلاقاً».

الانطباع الأول
ويتابع الأمير بندر: «في آخر أيام حافظ الأسد بدأت حالته المرضية تسوء، وذهب إلى جنيف للقاء الرئيس الأميركي بيل كلينتون ثم عاد إلى دمشق، وتردت حالته الصحية. في جميع الاجتماعات مع حافظ الأسد لا أتذكر أنني التقيته أقل من 3 ساعات وأكثر من 7 ساعات، و 75 في المئة من الوقت هو يتحدث وأنت تستمع، لماذا؟ لأنه في كل لقاء يبدأ الحديث من تاريخ الأمويين حتى يصل إلى التاريخ الحديث، ثم يبدأ موضوعك معه، وكان عاشقاً لتاريخ الأمويين ومتباهياً به. لكن في كل لقاء كان يسعد بالحديث عن الطيران، فأنا طيار سابق، وكان هو قائد لسلاح الجو حين حدث الانقلاب في سورية وأصبح هو الرئيس.
في حدود عام 1998، زرته، ولم يكن يركز بشكل جيد، وكنت مضطراً لتكرار الحديث وإعادة ما قلته له، وانتهينا من موضوع زيارتي له، وفجأة قال لي: لم يؤلمني أكثر من رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، وكان اغتيل وقتها. قلت له: كيف آلمك يا حافظ؟ توقعتك ستكون سعيداً. قال: لا، أنا عادة أرى الفرصة وأنتظر حتى يحين الوقت المناسب وألتقطها، هذه المرة، سبقني رابين على اقتناص الفرصة، وأنا لا أستطيع مسامحة نفسي. قلت له: كيف؟ رابين قرر أن يغيّر المعادلة، وأعطى خطاباً لوزير الخارجية الأميركي موجهاً للرئيس الأميركي يقول فيه أبلغ الأسد أنني موافق على الانسحاب من الجولان، إذا تعهد لكم أنتم لا نحن، بإعادة العلاقات وغيرها، وأحد الطلبات سحب الأسلحة الثقيلة إلى الحدود التركية، يقول حافظ الأسد: أرفض تسلم الخطاب لأنه موجه لكلينتون وليس لي. رد عليه وزير الخارجية الأميركي: فكر بالموضوع، هذا أفضل عرض قد يأتيك، رابين له شعبيته، ويستطيع تمريرها في الكنيست، والرئيس مستعد أن يأتي بنفسه ويكون الوسيط. وقال حافظ: عاندت ورفضت، وقلت إذا كان الخطاب موجهاً لي يكتبه لي لا للرئيس، قال وارن كريستوفر بغضب: لا، لن أعود إلى تل أبيب بل إلى واشنطن. ويقول الأسد إنه لو استغل تلك الفرصة (لكان الجولان لنا، ولفتحنا سفارة لا نجعل أحدا يعمل فيها لكن الفرصة ضاعت».
ويقول:«بعد أن أنهينا الحديث عن رابين، قال، لديك وقت تبقى عندنا الليلة في سورية؟ قلت، حاضر بمَ تأمرني؟ قال، أريدك أن تلتقي ابني بشار. الأمل فيه لكنه بحاجة لتوسيع فكره ومداركه ومعرفة العالم. تذكرت فجأة موضوع الوساطة للدراسة التخصصية في بريطانيا فسألت حافظ: أوليس هو طبيب العيون؟ قال: نعم. وسأطلب من فاروق الشرع أن يحضر لقاءك ببشار».

توبيخ حافظ لبشار
وعن اللقاء الأول، يقول بندر: «بعد الخروج من عند حافظ الأسد، ذهبت إلى الفندق، ثم جاءني وزير الخارجية فاروق الشرع وذهبنا إلى فيلا في طرف دمشق واستقبلني بشار. شاب كانت ممارسة الرياضة واضحة عليه ولم يتحدث كثيراً، قلت له: سعيد أنني التقيت بك. قال لي: الرئيس بلغني. استغربت استعماله لكلمة (بلغني). وتساءلت كيف لم يستعمل كلمة أمرني، فقلت سأختبره، وكررتها بصيغة سؤال... الرئيس أمرك تشوفني؟ لم يفهمها، والتقطها الشرع وقال: نعم، الرئيس أمرني أن آتي معك لرؤية الرفيق بشار. قال بشار تفضل. وضعت الخرائط على الطاولة وفتحناها، وأخبرته بالتفاصيل التي دارت بيني وبين والده. لم أشعر أثناء اللقاء أن الشرع يعير بشار أي أهمية، أثناء شرحي لبشار تفاصيل الخرائط، ضرب - وهو ليس رئيساً بعد - على الطاولة وقال: (شو هالحكي 10 متر هون و10 متر هون، خلصونا). فقلت له: نخلصك من ايش؟ قال فيه حل أحسن من هيك؟ اللي عنده حل أحسن من هيك يجيبه. قلت نعم... قال من؟ قلت، أبوك».
قاطعنا الشرع: «رفيق بشار نحكي بالموضوع بعدين، فطرده بشار: اطلع. وبالفعل خرج الشرع. عندها قلت له عندي لك اقتراح يا بشار، يقولون لي إنك تحب الكمبيوتر والإلكترونيات، ما رأيك أن تأتي إلى الولايات المتحدة وأستقبلك في أي مكان تحب في الساحل الغربي، وآخذك إلى شركة البوينغ ووادي السيليكون وغيرها، وبعدها نذهب إلى آسبن لدي مزرعة هناك ترتاح وتقضي يومين أو ثلاثة أيام فيها، ثم نعود إلى واشنطن، وأنسق مع البيت الأبيض، إما نذهب سوياً إلى هناك، أو أدعو أحداً من البيت الأبيض ليجتمع بك في منزلي».
وكان رد بشار حسب وصف الأمير، غريباً، حيث قال له باللهجة العامية: «ليه كل هالهيصة؟ بدّن يحكوا نحكي»... رد الأمير بندر عليه: «لم استشر والدك بالمناسبة، وأفضل أن تستشيره. وإذا كنت ترى نفسك قادراً على الذهاب إلى واشنطن مباشرة سأرتب ذلك، حتى لو أردت أن أطلب منهم توجيه دعوة لك. وعدني بالرد، وخرجت بانطباع إيجابي بأنه ذكي ولماح ومباشر، وصلت الفندق وإذ بي أتلقى اتصالاً من عبدالحليم خدام نائب الرئيس وقتها، قال لي تناولت العشاء؟ قلت له لا ليس بعد، لكنني سأنزل وأتناول العشاء في بهو فندق الشيراتون، ألحّ عليّ أن آتي إلى منزله وأتناول العشاء معه، وقال لي وقتها: لا تأخذ كلام الولد هذا، قلت، أي ولد؟ قال الولد بشار… قلت له تتجسس علينا أو عليه؟ قال لا، الرئيس وبّخه بعد الكلام الذي قاله لك، قلت له اذا كان الرئيس قد استمع إلى كل شيء لا مشكلة، لأنني في نهاية حديثي قلت له إسأل الرئيس، إذا وافق نحن فسنقوم بما تريد».

بشار رئيساً
كل شيء تغير بعد وفاة حافظ الأسد، صعد بشار وأصبح رئيساً، وغير الدستور ليعمل لصالحه. ويقول بندر: «في العام 2000، كنت في واشنطن، وجاءنا خبر وفاة حافظ الأسد، وأُخبِرت بأن الملك عبدالله سيحضر، ورتبت نفسي لأصل إلى دمشق في توقيت متزامن أو قبل وصول الملك بساعة، وأجلس في الطائرة حتى تصل طائرة الملك، (وكان ولياً للعهد)، التي تأخرت».
ويضيف: «وأنا جالس في الطائرة، قالوا لي إن العماد مناف طلاس عند الباب يريد رؤيتك، قلت له: تفضل، فردَّ: أهلاً بندر - وكنت قد التقيته مرة واحدة، في السيارة حيث كان بشار يقودها وهو معنا، تلبية لدعوة بشار على العشاء، وكان يريد أن يطلعني أن الوضع آمن ولا توجد حراسات، لكن أين ما تلتفت تجد حراسة سرية ورشاش الكلاشنيكوف في الخلف، وحين دخلنا المطعم وقف الجميع، واستغربت وقتها بكل هذا للباس المدني والرشاشات خلف ظهورهم، وكان لدى بشار فيلا ينام فيها تقع في منعطف على اليمين قبل الوصول للقصر الرئاسي - جاء مناف وقال الرئيس، قلت الرئيس! قال نعم الرئيس بشار. وخلال وقت سفري - مسافة الطائرة - من واشنطن إلى دمشق، اجتمع حزب البعث العربي وغير البنود والدستور وصوتوا عليه، وكان عمر الرئيس أقل من 40 عاماً، وأصبح بشار هو الرئيس، ووقف معه العميد مناف طلاس، وعبدالحليم خدام نائب الرئيس وقتها، واللواء غازي كنعان».
تفاجأ الأمير بندر كيف تم كل هذا في ساعات، ووسط المفاجأة قال له مناف: «الرئيس يريد رؤيتك». يقول الأمير بندر: أخبرته أنني أنتظر الملك، فقال «هو يريد رؤيتك قبل رؤية الملك».
ويستطرد الأمير بندر قائلاً: «وكما يقال اذكروا محاسن موتاكم، وأثناء ذكري لمحاسن الرئيس الراحل حافظ الأسد، قاطعني بشار وقال بلهجته، ايه ايه خير... المهم، كيف سنبدأ العمل مع الأميركيين، هل من الممكن أن تنقل لهم رسالة بأننا جاهزون... نظرت إليه وقلت له لم تدفنوا والدك حتى هذه اللحظة. أخ بشار، الملك مشغول عليك جداً، أنت متأكد؟ قال متأكد من ماذا؟ قلت له من نفسك، قال أها، تقصد الملك خائف علي، لا لا تخف... في الشهرين الماضيين، لم يعد والدي يذهب إلى المكتب فصارت تأتيني المعاملات إلى البيت، وأنا آخذها له ونوقع ما يحتاج توقيع وبعدها أعطيه للمرافق، وأذهب أنا إلى النادي للتمرين ثم أذهب للعمل».
ويكمل الأمير سرد التفاصيل عن الساعات الأولى لتولي بشار الرئاسة وقبل وصول الملك عبدالله للقائه: «أجبته: طيب؟» قال: صباح أمس جئت بالأوراق و«سلّمت على ماما وأختي بشرى، وقالت أبوك متعب قليلاً، فدخلت وكان بالكاد يفتح عينه وجسست النبض واختفى النبض - أقسم الأمير فجأة أن هذا الكلام حرفياً حدث - وقلت للوالدة إنه نام، أغلقت الباب، ذهبت إلى النادي وتمرّنت، وأخبرت ماهر الأسد ومناف طلاس بخطة لضبط الأمن، وطلبت منهم أن يغلقوا منافذ دمشق بالدبابات، وجاءت مجموعات أمنية، وأتوا بـ10 عمادات مع قادة المناطق ودخلت عليهم وقاموا بإلقاء التحية وبعضهم يترحم، وقلت لهم: اششش... أنت ستغادر غداً، وأنت هذه السنة الأخيرة لك، أنت ستبقى، ما سمعته على لسانك عني أعجبني، أنت سأقطع لسانك. أنت أخذت كم مليون دولار حنحاسبك وأنت كذا وكذا... وبدأ بشار بتوزيع الـ(أنت) وبعدها ما سيفعله بكل عماد والعماد هو أعلى رتبة عسكرية، ومن هول الصدمة من سرد بشار لكل هذه التفاصيل وهو لم يدفن والده بعد سألته مرة أخرى:هل تضمن بأن القوات المسلحة معك؟ قال نعم، من هي القوات المسلحة، هذه كل القوات المسلحة، القيادات التي أتيت بها، استغربت وقلت في نفسي بالعامية (عز الله الجولان لن يتحرر ما دامت هذه قيادات الجيش)».
ويقول الأمير إنه كان بمفرده مع بشار، ومناف ينتظر في الخارج. وقال له بشار: «بندر الناس تتوقع يدي مخملية، هي مخملية وتحتها حديد».
وتابع بشار، حسب قول الأمير بندر: «تعرف؟ الملك عبدالله مثل والدي وأحياناً لا أستطيع أن أعبّر عن شعوري أمامه أو أن أناقشه بشيء. أود منك أن تعطيه موجزاً وتطمئنه بأن الأمور تسير بشكل جيد والوضع مطمئن. عدت إلى الطائرة، انتظرت طائرة الملك،، وإذ ببشار الأسد في المطار يستقبله، لم تتسنّ لي فرصة التحدّث إلى الملك وإخباره بما حدث. دخل الملك عبدالله مع بشار الأسد المجلس. وبعد قليل قال الملك عبدالله لبشار دعنا نتحدث على انفراد، وأسرع الملك باتجاهٍ معين ظن أنه باب يؤدي إلى مكتب، وحين فتحه وجدها غرفة نوم الضيف، فقال ألا يوجد مكتب هنا؟ قال بشار: كيف لا يا جلالة الملك، المكتب من الجهة الثانية. قال الملك تعال أنت مثل ولدي ودخلا، وأجلَس الملك بشار على كرسي أمامه وبدأ الحديث وبنكتة من هنا وهنا، وامتد الحديث إلى نحو 45 دقيقة. أخبرت الأمراء مقرن وسعود الفيصل وكذلك غازي القصيبي بما حدث، قال القصيبي لم لم تخبر الملك؟ قلت له شاهدتم ما حدث. ثم التفت إلي الأمير سعود الفيصل وقال أخبرهم».
يقول بندر بن سلطان: «انتظرنا حتى خرج الملك، وأصر بشار على توديعه، خرج الملك، وأسرعت إليه وقلت له إنني تحدثت معه قبل وصولكم، ولم تسنح الفرصة لإخبارك. قال الملك: هذا غليّم ما يعرف يحكي، أقول لك هذا ما يعرف يحكي سألته من عندك من الرجال والمستشارين، ما يعرف يحكي، سورية تهمنا، ما نبغاها تسقط».