واقعيا، صرت «خالة» منذ ما يفوق الخمسة عشر عاماً، و«حجية» منذ نحو سبع سنوات، أما لقب «أستاذة» فحصلت عليه لدى مغادرتي شارع الصحافة، منذ نحو عشر سنوات تكريماً أو مواساة، كي لا يصبح لقبي «الصحافية سابقاً»، ومع ذلك أتساءل - وأنا الحاصلة على ذلك اللقب الذي يسعي إليه كثيرون غيري - عن مشاعر الشخص الذي يمنحني هذا اللقب ويخاطبني به، وهل من الممكن أن تتغير لو خاطبني بـ«ريم» عوضاً عن «أستاذة ريم»؟ فمن يكنّ لك كل تقدير واحترام فسيحافظ عليهما، ولو نطق اسمك مجرداً، فالذي يكثر الألقاب ربما يكثر من نفاقه معك!
أما أنا فلا أشعر بزيادة ولا نقصان سواء أضيف لاسمي لقباً أم لم يضف، حسب قول الشاعر طلال الرشيد: «ما يكبرني لقب».
وهنا يتحدث الشاعر عن مكانة لا عمر، وفي مجال آخر عبّر عنه الزميل فهد البسام بمقال ختمه بجملة غريبة: «أنا عمي يا شقول»، وكأنه يسمعها للمرة الأولى على افتراض أنه فعلياً يفترض أن يقال له «عمي» من زمان، وهو إذ يرفض هذا اللقب لاعتبارات الصبا والشباب، فقد يسعى له «هو أو غيره» لاعتبارات المكانة الاجتماعية، عندما ينادى فلان من الناس بلقب «العم» في مجتمع يمارس نقصه باختراع ألقاب تزيد أو تحط من قيمة أشخاص هم بحد ذاتهم قيمة.
فالنظرة إلى «بوجسوم» تختلف عن النظرة إلى «حمّود» وإن استوطنا جسداً واحداً يتسكع في المباركية، ويلعب الكوت في إحدى الديوانيات التي تغص بـ«بو»، حتى لينسى المرء اسمه أو يعتاد على اسم غيره، فإذا اعتاد الناس على تسميته بوخالد وهو بوأحمد مثلاً، وخجل من التصحيح، قد يجد الناس يتساءلون بعد ذلك أين خالد يا بوخالد؟ ثمة من نسي اسمه فعلا لكثرة ألقابه، وهي معاناة لا يدركها الساعون للقلب، اذ حدثني طبيب عن اشتياقه لسماع اسمه بعدما صار الكل يناديه دكتور! والتسمية نفسها تحدد الرضا والزعل من الشخص نفسه، ومدى الحب والتقدير أو حالة «ما أبلعها بعيشة الله»، اذ تتمثل الأولى بتسميتي «ريوم» والثانية «ريموه»، وأنا بين التسميتين اسم واحد ريم، لا يتغير لا زاده هذا ولا أنقصه ذاك.
نأتي إلى لقب «حجية» و«حجي» والذي يفترض أنه يعبر عن مكانة دينية، متمثلة بأداء مناسك الحج وقد توازي «الشيخ»، صاحب المكانة الدينية، فقد شاهدت سيدة ترتدي النقاب غاضبة من بائعة في أحد المحلات لأنها نادتها بـ«يا حاجة»، فاضطرت للاعتذار بالقول «متأسفة يا مدام»، وكأنها كلمة السر، التي أعادت إليها الجمال والرشاقة والأناقة التي افتقدتها عندما قيل لها «يا حاجة».
و«مدام» نفسه لقب محرج لارتباطه بالحالة الاجتماعية، مثل «آنسة»، فمن الذوق والإنسانية تجنبهما لحساسيتهما.
أما اللقب الأكثر حساسية - اللقب الأكثر انتشارا - «خالتي» وهو المرادف النسائي لعمي مع الفرق السيكولوجي، والذي ارتبط كثيرا بالرد النسائي الشهير «تخلخلت ضلوعك، من كثير من الخالات»، مثلما ارتبط عمي بـ«عمى بعينك، من كثير من العمام»، ما يجعلنا نطالب بإلغاء الألقاب نهائيا من القاموس الكويتي، درءاً للشبهات، خصوصاً أنني شخصياً عانيت ما عانيت لدى ندائي - في مرحلة عمرية سابقة - نساء لسن أخوات أمي!
ومع أنني خالة فلا أقبله من غير بنات أختي، لا يستفزني، ولكن باختصار «أنا مش خالتك ولا حتى أعرف أمك»!
ليس في الأمر تكبيراً أو تصغير عمر، أو مكانة اجتماعية، لكن الأمر يرتبط بافتعال حواجز ومساحات لا ترضي الطرفين، فحارة أمان الجميع هي الاكتفاء بـ«لو سمحتَ» أو «لو سمحتِ» للحديث والنداء... خاطبوا الناس بأسمائهم فأصل المناداة بالاسم.
العدالة والمساواة الاجتماعية في انعدام الألقاب، دليل رقي وحضارة يفتقدهما الكثير من المجتمعات، التي يسعى بعض أفرادها إلى وضع ألف ونقطة قبل أسمائهم، ومن دون تفسير لسر النقطة اللي «تنقط» - على رأي إخواننا المصريين - والتي لا تعكس إلا الميل الفطري لتلقي النفاق! نحن بحاجة فعلية ماسة لحملة توعية فكرية وسلوكية تسقط إمبراطورية الألقاب، المرتبطة بالنفاق الاجتماعي، بدءاً من «استاذة» مرورا بـ«حجية» وانتهاء بـ«خالة»... وإلا «خالة شكو»؟