وليد المحب / حقّ التعبير في خدمة السلام
1 يناير 1970
03:36 م
كلمات كثيرة تدخل في صياغة شعارات برّاقة، وسرعان ما يقع زخم معاني تلك الكلمات ضحية توظيف مخادع لتلك الشعارات، فتفقد الكلمات قدراً مما كانت تكتنزه من دلالات فعالة. وتنسحب الخسارة الواقعة في إطار مضمون الكلمات على واقع المجتمع، فتصيب بأضرارها تلك القيم التي كان لا بد من التعبير عنها بالكلمة أولاً لتصبح بعد ذلك واقعاً مُعاشاً.
حق التعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر هما أكثر الأمثلة تعبيراً عن تلك الظاهرة. إلا أننا رغم ذلك نحاول أن نسبح بعكس التيار، من خلال تناول حق التعبير كقيمة قائمة بحد ذاتها، بأسلوب علميّ بعيداً عن التوظيف الرخيص. فالهدف من هذه المقالة ليس إلا إبراز الأثر الطيب لشيوع وإجلال حق التعبير على صعيد تعزيز الأمن وتوفير السلام.
يتوق الإنسان بفطرته إلى القيم، وغياب القيم في الدولة أو اضمحلالها يساهم في تغذية التطرف، فالقيم - ومنها حرية الرأي - تشكّل قوة تماسك داخلية حقيقية. لذلك، يجب تحويل حرية الرأي وإبدائه إلى فضيلة وطنية، بغية تقريب الحكومة وسائر السلطات من الشعب أكثر فأكثر. فمن شأن ذلك توفير قدر أعلى من السلام، إذ لا يختلف عاقلان على أن المشاركة السياسية تصبّ بنهاية المطاف في مصلحة تعزيز الأمن.
ورد في حديث نبوي ما معناه «تكلموا تعرفوا فإن المرءَ مخبوءٌ تحت لسانه»، فعندما يتكلم الإنسان يساهم في تذليل الأفكار المسبقة عنه. ولما كان الناس يستسلمون للخرافات مادام الخوف والإحباط ينتابهم، نجد في مثل هذه الأجواء - التي يعج بها العالم الثالث - أن الأفكار المسبقة عن الآخر تتراكم بشكل سلبي وتتكدس على نحو ينذر بشرور مستطيرة، وهنا تبرز أهمية إشاعة حق التعبير باعتباره أداة وقاية من العنف.
أجمع علماء النفس على أن الإحباط هو أهم العوامل المؤدية إلى العنف، والإحباط الناتج عن القمع وسياسة كمّ الأفواه غالبا ما يسوق عامة الناس إلى الخروج عن طورهم، فيختل الأداء المدني في الحياة الاجتماعية. أضف إلى ذلك ان من شأن ممارسة حقّ التعبير وشيوعه أن يصار إلى طرح تساؤلات عن أمور غامضة، وما هو غامض اليوم قد يكون محوراً للاشكالات في المستقبل، ذلك أن الغموض على أي موضوع يغذي احتمال التصادم، والمسكوت عنه هو في الحقيقة قنبلة، إن لم يكن وقت انفجارها معلوماً فلا شكّ بحتمية انفجارها في لحظة ما.
إن المجتمع الذي لا يُجَلّ فيه حق التعبير هو مجتمع لا يشهد حواراً حقيقياً مهما كثرت الزيارات بين الأفرقاء المتنازعين، في حين أن الحوار المؤسّس على قناعة تامة بقدسيّة حق التعبير، والمراقب من قبل جمهور يعيش حالة تعبير دائم. هذا النوع من الحوار يمكنه أن يلعب دوراً حيوياً في إزالة دوافع العنف كلها.
تتحول نقمة النزاع إلى نعمة إذا شاع حق التعبير، لأن النزاع في حقيقته هو عنصر بنيوي لكل علاقة مع الآخر، إلا أن نجاح حق التعبير في ذلك مرهون بشروط ثلاثة: نظافة أكف طرفي النزاع، قدرتهما على التفكير الصحيح، وتحليهما بفضيلة الاعتراف بالخطأ.
ختاماً، طالما أن العدالة هي أهمّ مرتكزات الأمن، يُصبح من البدهي القول إن شيوع حقّ التعبير واعتماده كأداة متاحة أمام من يشعر بالإجحاف، يساهم في إشباع أهمّ حاجات المجتمع، خصوصاً السياسية منها كالمشاركة وسيادة القانون والمساءلة.
وليد المحب