جودة الحياة

ألم الفراق

1 يناير 1970 01:50 ص

ماذا نفعل بتلك السيدة ؟ لقد مللنا منها.
قالتها صديقتي تشتكي من صديقة والدتها، والتي انفصلت عن زوجها منذ ما يقارب ثماني سنوات.
ورغم كل تلك السنوات لم تستطع أن تخرج من دائرة صدمة الانفصال، رغم أن زوجها قد تزوج بأخرى وأنجب منها ويعيش حياة مستقرة، أما هي فلم تكلف نفسها عناء الخروج من تبعات حالة الانفصال.
فهما يعيشان في المنزل نفسه، تملك هي نصف البيت وتعيش فيه مع أبنائها، وطليقها يملك النصف الثاني ويعيش فيه.
وهنا استوقفتها: وما شأنكِ أنتِ بها؟ أجابتني؛ كل يوم تأتي لوالدتي وتشتكي لها ما فعله طليقها بها وكيف أنه سعيد في حياته الآن بينما هي تعيش حياة بائسة.
وفي كل مرة ومنذ ثماني سنوات تنصحها والدتي بأن تنسى وتعيش حياتها، وتحاول جاهدةً أن تقنعها أن ذلك أصبح من الماضي، ولكن لا حياة لمن تنادي!
فقد سئمت والدتي منها، فهي لا تريد أن تستمع للنصيحة وتريد الاستمرار في الشكوى. ومنذ ثماني سنوات ونحن نعيش مراراً وتكراراً لنستمع للشكوى ذاتها، فأصبحنا نمل منها ونتهرب من لقائها أو الجلوس معها، فكل منا لديه ما يكفيه ويفيض به من الهموم.
نعم إنه ألم الفراق الذي لم تستطع تلك السيدة تجاوزه رغم مرور الأيام والسنوات.
ولكن مهلاً، الحياة ليست مفروشة بالورود وهي لحظات من الفرح الغامر لأحداث ومناسبات سعيدة تحدث في حياتنا ولحظات من الحزن تنتابنا وتطبق على أنفاسنا حيناً من الدهر، حتى يُخيّل إلينا أن الفرح لن يعرف طريقه إلى قلوبنا مرة أخرى.
ربما لم تعرف هذه السيدة كيف تواجه متاعب الحياة ومرارة الفقد والحرمان من العيش، في كنف أسرة وزوج وحياة مستقرة، ولم يدر بخلدها أبداً أنها يمكن أن تفقدها يوماً ما لأي سبب، فصعب عليها إدراك حقيقة أن الفراق بسبب الظروف الموضوعية التي يمكن تبرريها تظل منطقية ومفهومة، ويمكن أن تحدث في أي وقت كالطلاق مثلا. فالحياة ليست نزهة برية على شواطئ رملية مفتوحة على بحار ذات مياه زرقاء دافئة، إنما هي رحلة من الفرح والحزن والنصر والهزيمة والسقوط والانكسار ومعاودة النهوض بقوة الإرادة الكامنة في النفس البشرية والتي نفخها الله في روح الإنسان.
ثمة حالات تصادفنا في الحياة لا يكون حلها إلا بالفراق، ففي حالة تعسر الحياة الزوجية بين زوجين تحت سقف واحد لأي سبب لا بد من وضع نهاية للحياة بينهما، والفراق بإحسان أفضل من الاستمرار في حياة زوجية لا تحمل من معاني الحياة غير الاسم، ثمة ظروف أخرى تحتم الفراق كالسفر من أجل العلم أو البحث عن الرزق الحلال أو لأسباب قاهرة كالحروب والنزوح طلباً للأمن والأمان، إذاً تتعدد الأسباب وتظل النتيجة واحدة، ولكن هنالك ما يخفف آلام الفراق ويبعث الحياة في ظروف وسياقات جديدة وهو النسيان. فالنسيان نعمة من الله للبشر فلولاه لتمددت لحظات الحزن على كل فقد وفراق إلى مالا نهاية، لا سيما أن من آلام الفراق ما يسكن ويعمر في القلوب طويلاً كفراق الأم بالوفاة.
إذاً الفراق أصعب ما قد نواجهه في حياتنا الدنيا، فهو نهاية لعلاقة في حياتنا قد تكون بالموت أو السفر أو لأسباب أخرى مثل الطلاق. وأصعب أنواعه هو الفراق بلا سبب أو لأسباب نجهلها.
ولكن في نهاية المطاف عرفنا الأسباب أم لم نعرف، فالفراق هو جرح وألم في القلب لا يضاهيه ألم. وكثير منا لا يستطيعون تحمله والتعامل معه ما قد يؤثر على حياتهم بكل صورها وأشكالها.
فلا بد للحياة أن تستمر مهما حدث، فالله هو من يكتب الأقدار، لذا واجب علينا الخروج من هذا الألم وإلا أصبحنا أسرى لمشاعر الفقد والحرمان.
فما حدث قد حدث، علينا أن نتجاوز تلك المرحلة وألا نعيش في دائرتها طويلاً حتى نستطيع استكمال مسيرة حياتنا. فمعرفتنا حقيقة أن لا أحد يموت لفراق أحد، وأنه ألم موقت سيخف تدريجياً وسيزول مع مرور الوقت، فتلك أولى الخطوات للتعامل مع شعور الفقد وألم الفراق.
- ابتعد عن الجلوس بمفردك، وحاول الاختلاط بالأهل والمقربين والأصدقاء الحقيقيين من يأخذون بيدك لبر الأمان دون لوم وتجريح وانتقاد بلا جدوى.
- لا تسأل كثيراً لماذا حدث ما حدث؟ ولا تحاول تكرار الحديث بالموضوع قدر الإمكان.
- ابحث عن ذاتك جيداً.
- تعلم من ما مررت به حتى تستفيد منه كخبرة لاحقاً.
- طمئن نفسك واهتم بصحتك، لأن الغضب والبكاء والتفكير السلبي يؤدي إلى أمراض في القلب وألم في الصدور وضيق في التنفس وإحساس، وكأن حجراً يطبق على حياتنا فيقف عثرة في طريق استمراريتنا فيها.
تلك هي سنة الحياة فيها لقاء وفراق، هي دائرة تدور بنا، عليك أن تتعلم كيف تتعامل مع مفاجآتها وصدماتها. فهي أسهل مما نتوقع عندما نتقن فن التعامل معها. لا تصارعها وتتصارع معها، صادقها لتحيا سعيداً بها.

* كاتبة ومستشار جودة الحياة الكويتية
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
 [email protected]