الغضب انفعال عارم قد يتسبب في أضرار فادحة على المستويين النفسي والجسدي، وقد يؤدي إلى نتائج سلبية في حياة بعض الناس ممن يتملّكهم الغضب، ويتحكّم في أفعالهم وسلوكياتهم وعلاقاتهم بالآخرين، وكما نعرف فإن الغضب هو حالة تعبيرية يعكس فيها الانسان مشاعره تجاه مواقف معيّنة قد تستثيره وتدفعه للقيام بردّة فعلٍ معيّنة قد تتصف بالشدّة والعنف، وأسباب الغضب متعددة وكثيرة، فالإنسان قد يغضب بسبب اعتداء أحد من النّاس عليه بالشتم أو الضرب أو الإيذاء النفسي، فهي أحياناً ردة فعل طبيعية، ولكنها قد تتجاوز أسوار المعقول وتنفلت من زمام السيطرة، وتقود لنتائج سلبية غير محمودة. ولعلنا نتساءل هنا ما طرق التّخلص من مشاعر الغضب؟ والجواب ببساطة هو التحلي بأخلاق وتعاليم الإسلام، والامتثال للأحاديث النّبويّة.
جاء مرّة رجلٌ إلى النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وقال له: أوصني يا رسول الله فقال له: «لا تغضب» وكرّرها ثلاثًا، وهنا هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي نصحنا بالتّخلص من الغضب أو تقليل آثاره، في قوله عليه الصلاة والسلام عند رؤية رجلٍ تملّكه الغضب «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما فيه من غضب، وهي قوله أعوذ بالله من الشّيطان الرجيم»، وكما أرشدنا عليه الصلاة والسلام إلى اللجوء للوضوء كعلاج فعّال لحالة الغضب، إذ إنّ الغضب من الشّيطان، والشّيطان خُلق من نار، والنّار لا يطفئها إلا الماء، وهناك إرشادات نبويّة في ضرورة جلوس الغاضب إذا كان واقفًا، ويضطجع إذا كان جالسًا حيث تؤثّر تلك الحركات على حالته الانفعالية والنفسية، وتجعله أكثر سكوناً وارتياحاً وتساعده في التخلص من مشاعر الغضب السّلبيّة التي تعود عليه بالضرر الصحي.
ونذكر هنا الأجر العظيم الذي يحصل عليه كاظم الغيظ من الله عز وجل، فقد وصف تبارك وتعالى المتقّين بأنّهم يغفرون إذا غضبوا بقوله تعالى: «وإذا ماغضبوا هم يغفرون». ولعلنا ندرك جميعاً أن الغضب يورث الندم في مقابل التأني والتريث بردود الأفعال وكظم الغيظ بالصبر، حيث يشعر الانسان بعمق صلته بالله عز وجل، وبلاشك أن مشاعر الغضب تؤثر سلباً وبشكل خطير على كفاءة القلب، حيث يجهد هذا الانفعال الشديد عضلة القلب وقد يؤدي إلى تصلب الشرايين، ويتسبب في كوارث وأزمات صحية خطيرة. والسؤال المهم الذي أثرناه سابقاً كيف للإنسان أن يتخلص من الغضب فيتحكم بأعصابه، فلا يصل لمرحلة الانفعال الشديد الذي يتسبب في إتلاف صحته، وهنا نورد بعض النقاط المهمة التي تتوسع في تفصيل القضية، فنقول بشيء من الدقة نبدأها بالاستعاذة بالله من الشيطان، فعن سليمان بن صرد قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبّان، فأحدهما احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه (عروق من العنق) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد»، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله، سكن غضبه»، ونأتي للسكوت، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم فليسكت». فالانسان الغاضب يخرج عن زمام السيطرة على شعوره وذلك بقول قبيح القول كاللعن والشتائم وغيرها من الأمور المشينة والمستقبحة. وهكذا يكون الصمت حلاً جميلاً يقينا شر الوقوع في بذيء القول ومتاهات التهور الكلامي.
وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع». وقد رواه أبو ذر رضي الله عنه، حدثت له في ذلك قصة: فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا، فجاء الرجل، فأورد عليه الحوض فدقّه أي كسره أو حطّمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض، وأبو ذر كان قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له: يا أبا ذر لمَ جلست ثم اضطجعت؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... وذكر الحديث بقصته. والحكمة النبوية هنا إن الإنسان إذا كان واقفاً وفي حالة ثورة وغضب فإنه قد يتصرف بشكل متهور ولايمكن إدراك مخاطر تهوره، فإذا جلس كان أكثر هدوءًا واتزاناً، وإذا اضطجع فإنه بلاشك يصبح بعيداً عن السلوكيات المتهورة والأفعال الضارة التي يؤذي فيها نفسه وغيره.
ومما ورد من الأجر العظيم في كظم الغضب والتحكم فيه قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم «ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة»، وقد رواه الطبراني. ولنا أن نعرف تلك المكانة الرفيعة لمن ملك نفسه، فقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». وكلما انفعل الإنسان، واشتد الأمر عنده بتعاظم الانفعال كلما كان كظم الغيظ أعلى في المكانة.
وقال عليه الصلاة والسلام: «الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه، ويقشعر شعره فيصرع غضبه». وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعون، فقال: ماهذا ؟ قالوا: فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال: أفلا أدلكم على من هو أشد منه، رجلٌ ظلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه، وعن أنس رضي الله عنه أيضاً قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم (ما بين العنق والكتف) وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك»، ولعله من الجدير بالذكر هنا أن نقول: يكون غضب الإنسان منطقياً في ما يغضب الله عز وجل من مثل انتهاك محارم الله، وهنا نتحدث عن الغضب المحمود، فقد غضب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت، وقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها، وغير ذلك من الأمور التي يكون فيها الغضب محموداً. فكان غضبه صلى الله عليه وسلم في الله تبارك وتعالى، والغضب أمر من طبيعة النفس يتباين فيه الناس، وقد يكون من الصعب على الإنسان ألا يغضب.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأذن له، فقال: والله ما تعطينا الجزل (العطاء الكثير )، يا ابن الخطاب احكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همّ أن يوقع به، فقال الحر بن قيس، وكان من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه، صلى الله عليه وسلم: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وإن هذا من الجاهلين»، فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل.
ومن المهم جداً أن نعي جيداً مخاطر الغضب وآثاره السلبية، ونورد هنا قصة مهمة فيها العظة الكبيرة، فعن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدّثه فقال: «إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة (حبل مضفور) فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقتلته ؟ قال: نعم قتلته. قال: كيف قتلته ؟ قال: كنت أنا وهو نختبط (نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف) من شجرة، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه (جانب الرأس) فقتلته... إلى آخر القصة»،رواه مسلم في صحيحه. وهكذا ندرك خطورة هذا الانفعال العارم المتمثل في الغضب الذي يورث الشرور والآفات في حياة الإنسان وفي علاقاته مع الآخرين.اللهم إنا نسألك تباركت وتعاليت أن تقينا شرور أنفسنا.