المسلمون الذين يشكلون 10 في المئة من سكان الجزيرة يمارسون طقوسهم بحرّية... رغم كونهم أقلية

بصمة خير أهل الكويت في قلوب مسلمي سريلانكا

1 يناير 1970 01:12 ص
  • مسلمو جزيرة سريلانكا ارتبطوا بمجموعة من العادات والتقاليد خاصة في رمضان 
  • عدد المساجد في البلاد يزيد  على ألفين وأشهرها  مسجد بيرولا 
  • تعايش جميل بين الطوائف الدينية المختلفة وحرية جميلة يتحلى بها مسلمو سريلانكا 
  • جمعية النجاة الخيرية لها دور كبير وفعال في العمل والدعوة  بأرجاء الجزيرة

في رحلة جمعت متعة تأمل الطبيعة الربانية التي صنعها الخالق عز وجل بجزيرة سريلانكا الساحرة الخلابة باهرة الجمال في زوايا مختلفة، وبحضور العزيمة الكويتية المتحمسة لغرس الخير ودعم الإنسانية في كل بقعة على وجه الأرض، كانت الرحلة التي تحمل في كفها الأيمن معاني الحب والخير والعطاء الإنساني، وعشق الانغماس في العمل الخيري. من هذه البوابة الجميلة جاءت رحلتي الرابعة لجزيرة سريلانكا، وكانت غيوم الحب تحيط بي،  والشعور بالولاء للعقيدة  يلّفني بذبذبات الايمان، مع معانقة السلام والتعايش الجميل الذي يعم سكان الجزيرة  بكل أطيافهم الدينية والثقافية.
وهكذا انطلقت الرحلة الإنسانية الممتعة بكل تفاصيلها، وكانت غيوم الحب تظلل خطواتها وتحفُّنا في كل مدينة نتجول فيها بين أرجاء الجزيرة، فالشعب السريلانكي عامةً يتحلى بحسن الاستقبال وكرم الضيافة، وبشاشة الوجوه، فتشعر بأنك محاط بابتسامات جميلة مفعمة بالحيوية ، ترتسم على شفاه الشعب الذي يدرك تماماً قيمة زائر الجزيرة. وتُعد جمهورية سريلانكا دولة جزرية، وتقع قرب ساحل شبه قارة الهند، يسكنها مايزيد على 20 مليون نسمة تقريباً، وقد عُرفت قديما بأسماء من مثل: سينجالا، وبتابروباني بلغة الاغريق، أما العرب فقد أطلقوا عليها اسم سيرينديب، ثم أصبحت تحمل اسم جزيرة سيلون فترة الانتداب البرتغالي لها ، واستمر هذا  الاسم حتى بعد استقلالها عام 1948، إلى أن تمّ تسميتها باسمها الحالي سريلانكا وذلك في عام 1972، وتعني باللغة السيريلانكية الجزيرة العظيمة. والملاحظ أن سكانها ارتبطوا بالهنود القدماء، ويتميز سكان جزيرة سريلانكا بالتنوع الثقافي والعرقي والديني، ممّا أدّى إلى النشاط التجاري الكبير فيها، وقد طمع الكثير في احتلالها والاستفادة من خيراتها، هذا وتشير الإحصائيات بأن 70 في المئة من سكان سريلانكا يعتنقون الديانة البوذية، فهم الغالبية العظمي في الجزيرة، مع أقليات تعتنق الديانات الأخرى: الإسلام والمسيحية والهندوسية. والسكان بها يتنوعون بين السنهاليين الذين يعتنقون العقيدة البوذية، والتامليين الذين يعتنقون العقيدة الهندوسية، والمورو المُعتنقين للدين الإسلامي.
هذا ونعرف بأن العرب قديمًا قد تواجدوا في جزيرة  سريلانكا عن طريق الرحلات التجارية. وقد انتشر الإسلام فيها بحلول القرن الثامن بعدما سيطر العرب على غالبية الحركات التجارية في المحيط الهندي، ومن بينها جزيرة سريلانكا، كما وقد شجع استيطان العديد من التجار المسلمين في الجزيرة على انتشار الإسلام فيها بشكل كبير وواسع المدى. هذا ويقدر عدد المسلمين في جزيرة سريلانكا بحوالي مليوني مسلم على الوجه التقريبي، وهي نسبة كبيرة ولايستهان بها، إلا أنهم يمثلون أقلية مقارنة بالأغلبية من أصحاب الديانة البوذية من سكان الجزيرة.
ويعتني المسلمون بممارسة طقوسهم الدينية بكل تفاصيلها وبكل حرية، وتتعلق قلوبهم بكتاب الله عز وجل، هذا وتتوفر لديهم المصاحف المترجمة إلى اللغتين السنهالية والتاميل بالإضافة للعربية التي يجيدها بعض المسلمين المنخرطين في علوم الشريعة، ونجد تلك المصاحف في المساجد والمراكز والجمعيات الإسلامية التي تعتني باحتياجات المسلمين في الجزيرة، ومما لاشك فيه أن هذه الجمعيات تعتمد في مصادرها على التبرعات التي تأتي من دول الخليج عامة، ومن كويت الحب والإنسانية بصفة خاصة. وكما نعرف أن يد الخير الكويتية امتدت إلى بلدان العالم، ومن بينها جزيرة سريلانكا، فكان لأهل الكويت بصمات كبيرة في جزيرة سريلانكا، حيث أسهمت في بناء المساجد ودور الأيتام، وحفر الآبار اليدوية والارتوازية  في القرى النائية، وافتتاح المدارس الإسلامية، ومساعدة المرضى، ودعم المحتاجين بمساعدات عينية ومادية، وكذلك إجراء العمليات الجراحية ، وطباعة المصاحف، وعقد حلقات التحفيظ القرآنية، وتوزيع المعونات الغذائية. وقد كانت لنا جولة جميلة عمتها الروح الإسلامية في مدينة نيقومبو الساحلية الشهيرة بإطلاتها البحرية ، والتي يتواجد في أطرافها بعض المسلمين، كما وتتوفر فيها بعض المساجد الصغيرة، مع وجود مسجد كبير في هذه المدينة الجميلة.
وحين انطلقت الرحلة لمدينة نيقمبو وفي أحد الأحياء الفقيرة تحديدا، لمسنا بحب توافد المسلمين علينا بمجرد وصولنا للحي المتواضع بأهله البسطاء جدا، فكنا محاطين بحفاوة الترحيب، وبتلك الابتسامات العفوية الصادقة ، وتضاعفت حرارة الاستقبال حين عرفوا أننا من كويت الحب والعطاء، واقترب الرجال والنساء بصحبة أطفالهم لإلقاء التحية بحرارة من قلب مسلم فرح باستقبال الكويتيين، فيما تحدث إلينا البعض بلغة عربية ركيكة، عبروا لنا فيها عن خلجات قلوبهم ومشاعرهم الإيجابية بزيارتنا لحيهم المتواضع، وتنافسوا فيما بينهم في استضافتنا لمنازلهم لتناول الشاي الذي تشتهر به جزيرة سريلانكا وبعض الحلويات المحلية المصنوعة في المنزل.
وبالعودة لحياة المسلمين في سريلانكا نقول إنه في السنوات القليلة الأخيرة، شهدت أوضاع المسلمين تحسنًا ملحوظا، وبصفة خاصة بعد هزيمة «نمور التاميل» وهي حركة انفصالية نشطت في سريلانكا في فترات سابقة وتم القضاء عليها. وبدأت تظهر ملامح الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي  والحريات والحقوق في حياة المسلمين في المدن السيرلانكية كافة. وحين نتحدث عن المسلمين فإننا نشير هنا إلى أن مسلمي سريلانكا الذين يشكلون 10 في المئة من سكان الجزيرة، ينقسمون من ناحية العرق إلى ثلاث فئات : مسلمو «مورو»، وهم من البرتغاليين الذين احتلوا الجزيرة في القرن السادس عشر، ويمثلون الأغلبية من المسلمين في الجزيرة.
وهناك مسلمو «ملايو» فهم من الجنود الإندونيسيين في الجيش البريطاني وقت احتلال سريلانكا. وتبقى الفئة الثالثة وهم مسلمو الهند الذين قدموا من الهند للتجارة ، ثم انتهى المطاف بهم إلى الاستقرار في الجزيرة، وأصبحوا مع السنوات جزءا من تركيبتها السكانية. وقد لاحظنا أن مسلمي جزيرة سريلانكا يشعرون بقوة انتمائهم الديني رغم الاختلاف العرقي والإثني فيما بينهم، وقلة عددهم  مقابل غالبية طائفة البوذيين. ويدرس أبناء المسلمين في جزيرة سريلانكا ضمن منهجية إسلامية تنتهج الكتاب والسنة والتعاليم الإسلامية، ويندرج هذا النظام في مدارس خاصة بهم تشرف عليها الحكومة، وهناك بعض المدارس التي تسمح باستضافة المنهجية التعليمية الإسلامية لأبناء المسلمين أيام الأحد من كل أسبوع، وقد أسهمت فيها بعض الجمعيات الإسلامية لتعليمهم مبادئ وقواعد الدين الإسلامي، وتنظيم حلقات حفظ القرآن وتدبر معانيه.
وفي العاصمة كولومبو بعض المعاهد الإسلامية التي تشرف عليها بعض الرموز الإسلامية السريلانكية، ويتوفر بالعاصمة مكتبة كبيرة تحتوي على مئات الكتب الإسلامية المتخصصة التي ينهل منها بعض المسلمين معارفهم، كما وتوجد محكمة حكومية تتبع المنهجية الإسلامية في أحكامها وتشريعاتها وقوانينها. ويتميز المسلمون في سريلانكا باعتبارهم الفئة الأكثر تعليمًا، وقد أشارت بعض الاحصائيات  إلى ارتفاع عدد الطلاب المسلمين الملتحقين بالمدارس والكليات المختلفة في العاصمة كولمبو، والذين تخصصوا في مسارات علمية متقدمة وتفوقوا فيها من مثل الطب والهندسة والعلوم والمختبرات الطبية والمحاسبة والإدارة المالية وغيرها من التخصصات المهمة والفعالة في المجتمع. وقد التحق الكثير من المسلمين بالكليات والجامعات كأعضاء هيئة تدريسية وكان من أبرزهم البروفيسور «شريف الدين» أستاذ الجراحة في جامعة كولومبو، الذي تم اختياره فيما بعد ليكون رئيساً لقسم الجراحين في الجامعة.
ويزيد عدد المساجد في جزيرة سريلانكا على ألفي مسجد، وأشهرها مسجد بيرولا، ومسجد كولمبو الواقع وسط حدائق القرفة والأزهار ، وبالطبع هناك العديد من المساجد الصغيرة المتناثرة في المدن الصغيرة والقرى في أرجاء الجزيرة. وكما أشرنا سابقا أن أوضاع المسلمين في جزيرة سريلانكا تمر بانفتاح كبير ومطمئن في مجال الحريات والحقوق والممارسات الدينية بكل تفاصيلها، وهناك حرية للمرأة السريلانكية المسلمة في ارتداء زيها الإسلامي الشرعي، ولم يعد مستهجنا ولا مستقبحاً أبدًا ولا مخيفًا لها أن تتنقل وهي بحجابها وملابسها المحتشمة والطويلة، كما ويُسمح للمسلمين إعلاميا ببث وإذاعة البرامج الدينية بكل حرية دون قيود وشروط، وهكذا حافظ المسلمون السريلانكيون على هويتهم الإسلامية في مجتمع يؤمن في السنوات الأخيرة بالانفتاح والتعايش الجميل بين الطوائف الدينية المختلفة.
وقد ارتبط  المسلمون في جزيرة سريلانكا بمجموعة من العادات والتقاليد خاصة بشهر رمضان، فهم يهتمون بنظافة المساجد فيقومون بتنظيفها وتجميلها بحملات يقوم بها الشباب والصغار، وذلك بغرض إقامة الصلوات الخمس وصلاة التراويح التي تقام في شهر رمضان، ويهتم المسلمون كذلك بإنارة الشوارع وتزيينها، ومن طقوسهم الدينية المهمة في شهر رمضان إغلاق المقاهي والمطاعم فى النهار احترامًا وتقديرا للصائمين، هذا ويجتمع الصائمون من الرجال والأطفال في المساجد لتناول وجبة الإفطار الجماعي التي تعدها لهم الجمعيات الخيرية بدعم من دول الخليج ومن بينها الكويت.
 وهكذا رصدنا في جولتنا للجزيرة الساحرة سريلانكا هذا التعايش الجميل بين الطوائف الدينية المختلفة، ورصدنا تلك الحرية الجميلة التي يتحلى بها مسلمو سريلانكا، كما أننا لمسنا هذا الحب الكبير الذي يسكن قلوب مسلمي جزيرة سريلانكا لأهل الكويت، فهم يعرفون تماما ذاك الدور العظيم الذي تقوم به الجمعيات الخيرية الكويتية وبصفة خاصة جمعية النجاة الخيرية التي لها دور كبير وفعال في أرجاء الجزيرة، وسعدنا برفع النساء والرجال والأطفال أعلام الكويت تقديرا منهم لتلك الأخوة الإسلامية المنبعثة من قلوب الكويتيين، ولم يكن للجمعيات فقط هذا الدور الخيري الإنساني الجميل، وإنما كذلك الكويتيون بصورة فردية في زياراتهم المتكررة للجزيرة، فهم يقدمون المساعدات العينية والمادية لفقراء المسلمين في المدن والقرى المتفرقة، وهكذا يعرف مسلمو جزيرة سريلانكا هذا الحماس الكويتي وهذا القلب المعطاء الذي يتفقد أوضاع أخوانهم المسلمين، وتقديم العون للمحتاجين منهم، وخاصة المرضى والأيتام والمعوزين في كافة المدن السريلانكية في أرجاء الجزيرة التي تفوح منها رائحة التوابل والشاي والقرفة، والتي تتزين فيها أرواح أهلها بعطر الحب والابتسامة الذي يستقبلون به زائرهم.