نادين البدير / فقراء بلاد البترول... بيوتهم بلا أسقف

1 يناير 1970 01:14 م
| نادين البدير |
حوالي 100 مليون فرد من أصل قرابة 338 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر...
مئات الآلاف من السكان في الخليج لا يجدون ثمن المسكن.
جميلة مدننا وعواصمنا الرئيسية ... فأناقتها شرهة. أهم ما بها الشارع الرئيسي الذي يربط شمال المدينة بجنوبها أو شرقها بغربها... يقودك من المطار إلى فندق السبع نجوم أو يوصلك إلى الحي الراقي الذي تقطن به... يبهرك الشارع. مبانيه وأبراجه تتنافس، وأهم مباني نيويورك وطوكيو... لوحاته الإعلانية تحمل أهم الأسماء التجارية العالمية.
انحرف قليلاً عن الشارع الذي يبدو وكأنه رصف بماء الذهب وليس بمنتج نفطي، انحرف عن طريق النجوم وادخل في العمق...
تجمعات بشرية فقيرة، مناطق عشوائية، لا تصلها المياه أو الكهرباء، شوارع بلا اسفلت. شوارع ترابية، روائح كريهة، قاذورات، أطفال سارحون بلا أحذية في ساعات الدوام المدرسي، شابات صغيرات عائدات من مهامهن الليلية منهكات الروح، رجال بقمصان بالية ، نساء غير مهندمات حاملات الطعام لأسرهن، لم يدفعن ثمنه في السوبر ماركت كبقية الأمهات إنما جمعنه من حاويات النفايات بأحياء الأثرياء...
هذا ما يحدث خلف الأضواء البراقة والشوارع الرئيسية العريضة المليئة بصخب الحياة وروحها وحيويتها.
الأزمة الاقتصادية التي قصمت ظهر العالم. هناك أفراد لم يشعروا بها. لم تقلقهم. محظوظون؟
مستوى معيشتهم تحت خط الفقر...
دخلهم اليومي بين دولار إلى دولارين...
أزمتهم الاقتصادية أبدية...
هؤلاء لا يحلمون بارتفاع أسعار أسهم البورصة، كل حلمهم قرار حكومي بخفض سعر القمح...
هاجسهم الوحيد الغذاء...
لا يسمعون ولا يهمهم الاستماع لأقوال مفكر ليبرالي أو فتاوى شيخ إسلامي... لا يعيرون معارك السلفية و الوسطية والعلمانية أي انتباه كان، فلتتنافس النخب المثقفة على أي الطرق الفكرية هي الأصلح... لا شيء سيصل إلى القاع الكبير بحجمه ومأساته... وهل سيسد جوعه حين يتغذى على أفكار الحرية أو الرجعية.
في الخليج ينتمون لجنسية أغنى دول العالم ، لكن سعر البترول لن يغير شيئاً من رفاهيتهم المنعدمة في الأصل... فلتعقد اجتماعات أوبك ولتتفق دول الأوبك على خفض أو رفع الأسعار والإنتاج... سيبقى الغذاء شاغلا المساحة الأكبر من أدمغتهم، والوجود كله يحوم حول العشش التي يقطنونها...
شاب (أو شابة) في الثلاثين تحت خط الفقر، يرث أماً وسبعة إخوة وأباً متوفياً... مات مخلفاً وراءه مسؤولية الأم و(كوم لحم)... الوريث يدفع خطيئة الوالدين... الشاب يعاني البطالة، من ينفق على التركة البشرية؟ وزارة الخدمة الاجتماعية مثلاً ؟؟
أم تكون الجمعيات الخيرية ؟؟
حكوماتنا لم تتنبه لمسألة ازدياد عدد السكان بين الأسر الفقيرة... بعض الدول الخليجية تحلم بارتفاع عدد المواطنين لتحقيق التوازن مع الموجودات البشرية الأجنبية... لكن فئة كبيرة من العدد القليل من المواطنين لا تتمتع بمستويات حياتية طبيعية... منهم أناس يعيشون في منازل دون سقف يغطيها... إن صحت تسميتها بالمنازل...
صعب تحقيق التوازن بين مصالح الدولة (رغبتها في زيادة عدد السكان ) ومصالح الفئات الفقيرة ( تحديد النسل خاصة في الأسر التي لا تستطيع إعالة أكثر من ابن أو ابنة)...
يتصاعد مستوى الفقر ويتزايد عدد المواليد، ومع انتشار الجهل لا يتوانى من لا يجد لقمة العيش عن إنجاب هذا الكم من الأبناء...
هل لديه وقت بعد البحث عن الخبز لتعليم أبنائه معنى الكرامة، الشرف، المبدأ؟
وماذا سيتعلم أبناؤها منها تلك المشغولة بالحمل والإنجاب، متى تدرب بناتها على مواجهة الحياة؟
الفقر والجهل لم يعودا محصورين على المناطق المعزولة، أصبحا موجودين في كل زاوية بالمدينة...
وفي ما يلي نموذج غير نادر...
قبل سنوات عدة أجريت تحقيقا صحافيا عن المطلقات والفقر في دولة خليجية. أكثر من تعاطفت معها مطلقة جامعية (كونها متعلمة) لديها خمسة أطفال وتعيش بلا عمل... بعد أسبوع من نشر التحقيق هاتفتني إحدى الشركات تريد المساهمة في توظيفها. فرحت وأخبرتها، قالت، شاركت في التحقيق ظنا مني أن رجلا ثرياً سيلتفت لمعاناتي ويصبح مسؤولاً عني وأبنائي، لم يكن هدفي الوظيفة...
صدمتني. لم تعوضها سنوات الجامعة عن سنوات الإهمال التربوي في صغرها.
كم نسبة ما تشكله مثل تلك المطلقة في التفكير العربي الفقير؟ كم نسبة من فضلت أن تقبع بمستوى يدنو عن الفقر منتظرة أن يأتي فرج الرجال، كم نسبة من اعتادت بيع كرامتها وفضلت الدعارة الليلة عن العمل الصباحي ؟؟
لم يكن في حياتها مائدة تلتف حولها الأسرة ويحدثها الأب عن معنى الكرامة وهدف العمل.
أمر خطير أن يؤدي الفقر بالإنسان لإلغاء مصطلحات كالتربية والتنشئة القويمة من حياته، أن يكون الفقر سببا رئيسياً بإخراج جيل (بأعداد ليست سهلة) ثقافته مستمدة من الشارع؟
يبدو أن وزارات التربية والتعليم العربية مخصصة لمواطنين معينين، يبدو أيضا أن مفكري الصحوة (الذين تبلغ ثروتهم الملايين) غافلون عن هذا الانهيار الأخلاقي، فجل ما يعنيهم عباءة نساء المدن وحسب...
----------
حكوماتنا أهملت العدالة الاجتماعية... اهتمت بالمركز، بالشارع الرئيسي. بالحي الراقي. بالجامعة ومبنى البرلمان... لكنها أهملت الفرع والقاع كما أهملت القرى الصغيرة والأرياف...
في دول أخرى، حين تضيق بك المدينة وتخنقك المدنية، فإن القرية والريف بديل فعال... هواء نقي ، بيوت أنيقة. روح طيبة...
القرى هنا ليست البديل مطلقاً. هي مرتبطة بفقر مدقع وأجواء غير صحية.
لا أحد يهتم بما وراء الكواليس... والأمر ليس مقتصرا على الدولة...
ففي الوقت الذي تطير به أنجلينا جولي أو اغليسياس متجهين نحو المناطق المنكوبة بإفريقيا لدعم الفقراء بملايين الدولارات وتصور الحالة عن قرب. لا نشاهد أحدا من الفنانين المشهورين يخصص جزءاً من ثروته أو حتى وقته لإحدى المقابر الحية في بلاده... الوعي بمعاناة الإنسان نتاج حضاري. لكن الإنسان أرخص ما يملك العرب.
-----------
مع زيادة السكان وتناقص الدخل وارتفاع البطالة بشكل مخيف. هل سيستمر القابعون في الحضيض بالصمت إزاء المساحة الحضارية الواسعة التي تفصلهم عن أفراد يعيشون على بعد عدة كيلومترات فقط؟
أم أن الانفجار الاجتماعي، التمرد، العصيان والمشاركة في الإرهاب ستكون محصلة النتيجة.
التحرك لإخماد نار الثورة قبل أن يوقدها أهلها، أفضل من محاولة الحل المتأخر... خاصة وأن من نشأ في مثل تلك الظروف البيئية سواء الاجتماعية أو الصحية لا يعرف في الغالب غير العنف وسيلة للتعبير عن حقه.

كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]