في 26 أغسطس 2014 ? كتبت مقالا بعنوان (الكتابة «بقلم رصاص»!) حرصت فيه على الحيادية في النقد وركزت على التعليم كمدخل للإصلاح.
واليوم أنتقل إلى عرض فلسفي يتناول عملية الإصلاح: هل تبدأ من الحكومة أم الشعب؟
الكثير يعلم أن عملية الإصلاح أساسها نمو ثقافة المجتمع «الشعب»، والتي في أولها إصلاح الفرد ثم تنتقل إلى المجاميع والكتل عبر نقد مباح فيه المصداقية والمواطنة عنوانين لإستراتيجية الإصلاح اجتماعيا ومؤسساتياً.
الشاهد أننا قبل عقد من الزمان كنا نظن أننا نكتب بقلم من رصاص، ويأتي المتمصلحون ليمحوا ما كتبناه، لكنه يبقى في سجل التاريخ شاهداً على ما كتبه الصالحون من أبناء هذا الوطن المعطاء... وظلت كرة الثلج «الفساد» تتدحرج إلى أن غطت معظم مؤسساتنا ووقف الأفراد وقفة المتفرج، والكتابة على ألواح من الجليد في زمن أصبح فيه الفاسد المتحصن بسلاح الواسطة والنفوذ والمحسوبية يشاهد في مقدم الصفوف.
في الدول التي تعاني من تساقط الثلوج? في الغالب تستعمل الملح لإذابة الثلج من الطرق، لتصبح بعدها حركة المرور سالكة والحياة أسهل رغم الظروف القاسية.
لهذا السبب? علينا أن نتخيل أن كل فرد صالح أمسك بيديه كيسا من الملح، وتجمعوا ليرموا بها على الطرق التي غطتها ثلوج الفساد... ماذا سيحصل؟
ستذوب معها عناصر الفساد ونستطيع على أثرها العبور إلى دروب سالكة توصل إلى التنمية المستدامة، ولنا في سنغافورة واليابان وماليزيا وفنلندا وغيرها من البلدان، خير مثال حيث تمت محاسبة الفاسدين وفسح المجال أمام الكفاءات لتنهض بشعوبها، ما جعلها في مصاف الدول المتقدمة في التعليم? الصحة والخدمات بما فيها الطرق.
في لقاء تلفزيوني سألت عن ما ذكرته في مقال «إن سبب تدهور الأوضاع لدينا يعود لتفشي الواسطة والمحسوبية» عند تعيين القياديين، وكيف لنا بالقضاء عليها وهي أضحت جزءاً مترسخاً في الثقافة الكويتية؟
لذلك? ذكرت مثال «رش الملح» الذي إن لم يكن من خلال عمل جماعي، يبدأ من الأفراد سواء عبر الكتابة عن صور الفساد أو الحديث عنها بموضوعية، فلن يتحقق مرادنا في مكافحة الفساد، خصوصاً ونحن نرى أن العالم بات مكشوفاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
إن أكثر ما يؤلمني هو حديث البعض عن مكافحة الفساد، وهو قابع بالفساد حتى أخمص قدميه، وأصبح الأمر متجاوزاً عنق الزجاجة، ولم يعد هناك مجال لحجبه بعد حادثة الأمطار الأخيرة، وقس عليها التعليم المتدهور والصحة المتردية خدماتها وغيرها من مؤسسات تولى قيادتها أشخاص هبطوا عبر البراشوت.
الزبدة:
نتحدث بشفافية... ولا ينقصنا عن تلك البلدان التي حققت الازدهار لشعوبها اجتماعياً ومؤسساتياً أي شيء? بل نحن نتميز عنهم بالآتي:
ـ كثرة الخبرات والكفاءات غير المستغلة.
ـ وفرة مالية ضخمة.
ـ مساحة جغرافية صغيرة جداً.
ـ تعداد سكاني أقل بكثير من تلك الدول.
لكن مشكلتنا هي ذاتها لم تتغير? فكل يبحث عن الكسب بأنواعه المعنوي والمادي المشروع وغير المشروع، وإن كان غير المشروع تجاوز حدوده... وما زلنا نجمع «أكياس الملح» منتظرين من يقول لنا هاتوا ما عندكم لإذابة جليد الفساد؟
وإن وصلنا إلى حالة نطالع فيها بعض الأفراد الصالحون، وهم يرمون بأكياس الملح، لكنها تبقى محاولات لم تذيب سوى قطعا بسيطة من الجليد وما زالت الطرق أمام الإصلاح مسدودة.
إن العملية الإصلاحية تحتاج إلى وقفة جادة تبدأ من الدواوين? الملتقيات? جمعيات النفع العام والمجاميع التطوعية وتنتهي بإقناع أصحاب القرار في ضرورة إزالة جليد الفساد، مروراً بتوعية من الجهات المعنية حول خطورة الفساد على مستقبل الجيل الحاضر وجيل المستقبل.
إنها عملية وقت... وبعدها ستنتهي آلة الواسطة والمحسوبية من تجميد النواحي التنموية، من سوء تعليم وهبوط في مستوى الخدمات الصحية والطرق وغيره من نواحي الحياة وعوامل التنمية الحقيقية.
إنها القيادة الأخلاقية التي تبدأ من إعلان عن شواغر للمناصب القيادية تتقدم عليها الكفاءات، ويكون الاختيار للأفضل، وذلك عبر هيئة خاصة بتعيين وتدريب القياديين تتولى عملها جهات محايدة تعمل باحترافية فيها المعايير القيادية واضحة، وغير هذا التوجه «لا تدور ولا تتعب نفسك»... الله المستعان.
[email protected]
Twitter: @Terki_ALazmi