رأي قلمي

غداً ستموت أمي...!

1 يناير 1970 01:35 ص

في كل سبتمبر منذ 13 عاماً إلى يومي هذا؛ تتفتق أحزاني وتتشقق أشجاني، وذلك لأني فقدت نصفي الأول في العاشر من سبتمبر عام 2005؛ وفقدت نصفي الآخر في الثلاثين من سبتمبر لعام 2010؛ وبقيت جسداً بلا روح؛ قلباً بلا مشاعر؛ وعروقاً وشرايين بلا دم؛ جمجمة بلا عقل، ذهناً بلا تفكير.
إنها أعوام الأسى والحزن افتقدت فيها نبع الحكمة والهيبة والصدق والإخلاص والشمائل الرفيعة؛ افتقدت فيها بسمة الصباح؛ وقبلة المساء؛ افتقدت رموزاً ذات حنكة وتجربة؛ وعقولا تحتضن القيم والمبادئ والقناعات المؤصلة شرعاً؛ نعم افتقدت فيها مرافئ الحنان؛ وممالك العطاء؛ وآراء سديدة؛ ورموزا حصيفة؛ وشموخاً أصيلاً.
حياة بأحداثها ومواقفها وتاريخها نظّموها ومنْهَجوها بمنظومة صغيرة لأسرة تتكون من خمسة أفراد، وكان أساسها وقوامها قيماً وقواعد وقناعات لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها؛ كل هذا افتقدته بين ليلة وضحاها؛ علموني معنى السعادة الحقيقية؛ وهي الرضا بالمقسوم؛ وهذه من سنن الله في الحياة حينما قال جل علاه «نحن قسمنا بينهم معيشتهم»... فالراحة والطمأنينة والاسترواح في الرضا والقناعة بما قسم الله لنا؛ ففي المعيشة قسمة؛ وفي التعب قسمة؛ وفي الضيق قسمة وفي السعة قسمة.
فكانت السعادة منهجاً وأسلوب حياة لنا داخل وخارج المنزل بمفهومها الحقيقي وهو القبول والرضا والقناعة بقسمة الله لنا؛ كانوا كتلاً من المشاعر والأحاسيس تمشي على الأرض، كانوا لنا نجوما وكواكب تنير لنا الطريق الذي يحمينا ويحصننا من الإعوجاج والزيغ خلف مغريات الحياة؛ علموني كيف أكون صلبة جلدة في تجسيد تعاليم الدين وإسقاطها على الواقع لتكون أسلوباً وطريقاً للخُلق والفكر السوي لكل قول وفعل وعمل، علموني كيف أكون عطوفة حنونة في تجسيد التعاليم الإنسانية من خلال تعاملي مع الناس.
فقد كانا نصفين أحدهما يكمل الآخر، كل له دوره ومهامه ومسؤولياته لا يتعدى أحدهما على الآخر، كانا وجهين لعملة واحدة، ما افتقده الأول يكمله الطرف الثاني، وما نقص عند الثاني يتممه الطرف الأول، إنهما السبيل لنا للاستقواء على مواجهة صروف الحياة، كانا يزوداننا بالطاقة والقدرة والاستطاعة لنمضي مضي العازمين المصرين الواثقين على تخطي الصعاب لتحقيق أهدافنا وطموحاتنا في الحياة من دون انزلاق أو تردد أو تراجع.
إنهما والدايّ فقدت أمي في صباح يوم السبت من شهر سبتمبر، وبعدها بخمسة أعوام وعشرين يوما فقدت أبي فجر يوم الخميس من الشهر نفسه. غداً ستموت أمي، وفي هذا اليوم أطلق رجاءً لسبتمبر بأن يترفق بي ويحن علي بعد ما تجرعت جرعات المرارة والحسرة بفقدهما، وأصبحتُ خيالاً من دون ظل، وأصبح قوتَ يومي الألم والتوجع على فراق حبيبين لا يعوضني عنهما ملك الدنيا، وسأظل أذرف الدمع عليهما إلى أن ألحق بهما. لقد مضى على فراقك يا أمي 13 عاما وكأنها 13 ساعة، ومضى على فراقك يا أبي 8 أعوام وكأنها 8 ساعات، إن القلب ليحزن والعين لتدمع على فراقكما يا والداي، اللهم بلغهما مني السلام واجمعني بهما في أعلى الجنان.

[email protected]
mona_alwohaib@