مصطفى أحمد: لم اعتزل الغناء... و لكنني توقفت لأسباب خارج إرادتي

1 يناير 1970 04:44 ص
| حاوره - أشرف السعيد |














نوال

ما أحلى الوفاء لمن قدم وأعطى وأثرى مجاله سواء فن أو صحافة أو سياسة أو ثقافة أو في أي مجال آخر، خصوصا بعد أن أصبح الوفاء عملة نادرة، بل قد يتهكم البعض على من يتحلى بهذه الصفة والشيمة الطيبة لأنهم لا يستطيعون القيام  بذلك أو لا يملكونها فضلا عن أنهم ليس لديهم ثوابت للقيم الأخلاقية في شخصياتهم.

والفنان مصطفى أحمد... أحد رموز الطرب الاصيل في الكويت والخليج والذي بدأ مشواره منذ مطلع الستينات مع رفيق دربه الملحن عبدالرحمن البعيجان، وقدم ما يفوق عن ثلاثمئة أغنية في الألوان العاطفية والوطني والديني والمناسبات.

وكاد ينسحب من الساحة الفنية نظرا للمعوقات التي واجهته - رغم امكانية استمرارية عطائه الفني - والمتمثلة في إلغاء فرقة الموسيقي الإذاعية بعد التحرير فضلا عن ارتفاع أجور التسجيلات بالاستديوهات الخاصة والفرقة الموسيقية ايضا، فآثر التوقف مع عدد من زملاء جيله في الزمن الجميل للغناء، حتى الآن لم يعلن اعتزاله الفني، وكانت لفتة طيبة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ان يتم تكريمه كأحد رموز جيله في الطرب الاصيل في الكويت في ختام مهرجان القرين الثقافي في 12 ديسمبر المقبل بمسرح متحف الكويت الوطني وقد التقته «الراي» في مقر جمعية الفنانين في حوار شامل حول الساحة الفنية قديماً وحديثا، ومنظوره لما يجري عليها، كما تطرق الحوار إلى عدد من القضايا الفنية، وإليكم نص الحوار:

• في مستهل الحوار ما ملامح بدايتك الفنية مع الأغنية؟

- كانت تربطني صداقة بالمرحوم الملحن عبدالرحمن البعيجان، وكان يكبرني سناً، وقد شجعني على الغناء ودخول هذا المجال، وفي هذا الوقت كان هناك برنامج في إذاعة الكويت بعنوان «ركن الهواة»، وكان يشترك به كويتيون وعرب من كل الجنسيات، وشاركت بهذا البرنامج، وقد قدمت أغنية مشهورة للفنان شادي الخليج بعنوان «حبيبي راح» وكانت ذائعة الصيت في الفترة بين عامي 61، 1962، وقد تفوقت على الزملاء المشاركين بالبرنامج وتقدمت عليهم، وبناء عليه طلب مني المسؤولون في الإذاعة أن أتعاون مع أحد الملحنين لتقديم أول أغنية لي في الإذاعة.

• ماذا عن قصة أول أغنية  لك في الإذاعة؟

- كانت أول أغنية قدمتها للإذاعة تعاونت فيها مع الملحن الراحل عبدالرحمن البعيجان وكانت من كلماته وألحانه وفي هذا الوقت، لم يكن معتمداً في الإذاعة بعد كملحن، وأصررت على أن تكون أول أغنية أقدمها للإذاعة لصديقي عبدالرحمن البعيجان، واقترح علي المسؤولون في الإذاعة التعاون مع أحد الملحنين المعتمدين ولكنني رفضت وأصررت على عبدالرحمن البعيجان وفاءً له ولصداقته فضلا عن تميزه واجادته للتلحين، وبالفعل استمعوا للحن فأعجبوا به، وكانت الاغنية بعنوان «ليش تنسى الايام»، وكانت بدايتي مع البعيجان، وصار بعد ذلك من كبار الملحنين الخليجيين والعرب، وقد توفي قبل خمس سنوات تقريباً.

• ما أول أجر تقاضيته عن أول أغنية في الإذاعة؟ وماذا عن آخر أجر لك؟

- أول أجر حصلت عليه تقريبا عشرة دنانير وآخر أجر عن الأغنية الواحدة ثلاثمئة دينار.

• من أبناء جيلك من المطربين والملحنين والمؤلفين؟

- سبقنا في الساحة الفنية فيصل الراشد، محمود الكويتي، عبدالله الفضالة، وصالح الحريبي، عبدالمحسن المهنا، وبدأوا تقريبا عام 1960، وجئت من بعدهم ومعي يحيى احمد، حسين جاسم، أحمد عبدالكريم، عبدالكريم عبدالقادر، وبدأنا جميعا بين عامي 63/1964، وبعضهم توقف وواصل المشوار آخرون.

• ما الذي تميز به جيلك من المطربين؟

- جيلي كان مختلفا عن الجيل الذي سبقنا ومنهم سعود الراشد، عبداللطيف الكويتي، محمود الكويتي، وكان أهم ما تميز به جيلي هو الاغنية الخفيفة حيث خرجنا من عباء ة اللون السامري والذي كان منتشرا قبلنا، وأيضا لون الصوت ويمكن القول اننا خرجنا من نطاق المحلية والخليجية إلى الساحة العربية وتحديدا إلى اللون المصري الغنائي، والآن الجيل الحالي يقدمون أغاني أخف مما قدمها جيلي، فتحولت الاغنية إلى رقص، بعد اعتمادها على الايقاعات.

• وماذا عن الزمن الجميل للأغنية؟

- اعتقد ان الفترة من 1968 - 1976 كانت العصر الذهبي للأغنية الكويتية والخليجية، والآن صار «لخبطة» حيث اختلطت الأمور بعد دخول الايقاعات والموسيقى الصاخبة للأغنية فضاعت هويتها بصراحة، وذلك بسبب التطور الحادث في استخدام الإيقاعات والآلات الموسيقية، فضلا عن هبوط مستوى الكلمة، وأيضا كان للأغنية السعودية لونها وهويتها وكنت أستطيع التفرقة ما بين الأغنية الكويتية والبحرينية، والحين ضاعت هوية الأغنية، وهناك استثناء للاغنية الاماراتية حاليا.

• لماذا استثنيت الاغنية الاماراتية دون بقية دول الخليج؟

- الحقيقة ان الاغنية بالامارات مميزة وصار لها لون معروف وتحس ببيئتها الاماراتية، وهناك عدد من المطربين الاماراتيين يتولون مقاليد الامور في الامارات وفي مقدمهم حسين الجسمي، وهو الوحيد كصوت مميز ويختار أغانيه بعناية، وهناك مطرب اماراتي ممتاز اسمه ميحد حمد ويقدم أغاني جيدة مكتملة سواء في الألحان أو الكلمات الراقية، لكنه لم ينل حظه الوافر من الشهرة الاعلامية خليجيا وعربيا، وشهرته داخل الامارات وهو معروف هناك واقدم من الجسمي في الغناء كما يلحن لنفسه وللآخرين، ولكن لم ينل حظه من الشهرة والحظ الاوفر التي يتمتع بها الجسمي خليجيا وعربيا، وهناك أيضا الفنان عبدالله بالخير وهو يقدم ألوانا أخرى، وكان في الامارات مطرب معروف أيضا بالامارات وهو المرحوم جابر جاسم، وكان يقدم الأغنية العربية وليس الاماراتية فقط، ويقدم اللحن الشرقي الاصيل ويختار كلماته بدقة.

• هل خرجت الأغنية الكويتية من نطاق المحلية إلى آفاق أرحب وأوسع للخليج والوطن العربي في جيلك من المطربين؟

- بالنسبة لي تعاونت مع عدد من الملحنين الخليجيين والعرب ومنهم خالد الشيخ في أغنية «محبة القلب» ومن كلمات علي الشرقاوي، وايضا للاستاذ المرحوم محمد الموجي حيث لحن لي وكان صديقا وعرض علي أكثر من مرة الغناء بمصر فقلت له لا استطيع ان اتخلى عن هويتي الكويتية والخليجية، واللون الغنائي المصري له مطربينه «الفطاحل» مثل عبدالحليم وغيره. وأصر اصرارا شديدا على تلحين أغنية لي فقدمت له كلمات كويتية وكان عنوان الأغنية «هويتك وأنت يا عمري في عمر الورود» وهو لون عربي، وكانت تربطني به علاقة قوية وسمعت منه على أوتار عوده ألحانا لكبار المطربين قبل ان تطرح في الاذاعة والتلفزيون والحفلات المقامة لكبار المطربين الذين تعاون معهم، وايضا لحن لي من السعودية الفنان سراج عمر «سرى ليلي» ومن كلمات الشاعر الأمير بندر بن عبدالمحسن ونجحت نجاحا كبيرا في السعودية، وايضا الملحن د. عبدالرب ادريس غنيت له من الامارات ومن كلمات ابراهيم جمعة أي انني تنوعت ألحاني.

• كم يبلغ عدد أغنياتك طيلة مشوارك الغنائي حتى الآن؟

- تفوق الثلاثمئة أغنية وتضم الالوان العاطفية والوطنية والدينية والمناسبات، لكن في الفترة الأخيرة قللت الانتاج.

• لماذا قررت اعتزال الغناء؟

- لم أعتزل الغناء بعد حتى الآن، ولكن بعد التحرير تم الغاء الفرقة الموسيقية بالاذاعة وأصبحت الشركات لا تنتج، والوضع تغير وصار كسلاً فمثلا يصير تكليف وزارة الإعلام بتسجيل أغان فليس مثل قبل بل كهواة ولسنا محترفين، ولكن عبدالله الرويشد، نبيل شعيل ونوال محترفون.

• كم تبلغ عدد ألبوماتك التي صدرت لك؟

- 10 ألبومات من انتاج شركات خاصة مثل رومكو، النظائر، الصوت والصورة، شركة «سهر» وشاركت فيها الاستاذ أحمد باقر وانتجت فيها شريطين، ولحن لي الاساتذة أحمد باقر، يوسف المهنا، سليمان الملا، غنام الديكان، وكانت آخر أعمال الملحن سليمان الملا معي أغنية «ولهان» ومجموعة ملحنين آخرين، والمرحوم خالد الزايد والمؤلفين يوسف ناصر، ومبارك العتيبي.

• هل أنت راض عن كل أغانيك التي قدمتها حتى الآن؟

- في بداية حياتي جاملت كثيرا سواء ملحنون ومؤلفون، وهذا الموضوع يتم مع كل فنان في بداية حياته الفنية، وهذه المجاملات كانت لظروف معينة أو شخصية كبيرة أو صاحب مركز يريد ان يخرج العمل للنور سواء كلمات او لحن فلا نستطيع ان نقول له لا، والحقيقة ان هذه المجاملات أخطر شيء بالفن وتضر بالفنان كثيرا، ولست راضيا عن حوالي 5 أغان أو أكثر قدمتها في بداية حياتي الفنية، والمجاملة كانت لمؤلفين وملحنين.

• في منظورك... هل الفن حاليا للمادة فقط وليس للفن؟

- بالفعل الفن حاليا أصبح للحصول على مكاسب مادية، وبالحفلات التي كنا نقدمها كانت مجانية، وكنا نحرص من أبناء جيلي على ان يتعرف علينا الجمهور مع مزيد من الانتشار والشهرة، وفي الاعياد الوطنية تمنحنا وزارة الاعلام مكافآت عما نقدمه من أغاني، والآ ن المطربون الشبان يحصلون على مبالغ عالية.

• ما السر في عزوف كبار المطربين الكويتيين عن  الغناء حاليا؟

- هناك أسباب عديدة أولها إلغاء الفرقة الموسيقية بالاذاعة وذلك بعد التحريرو وثانيهما اثار الفتور والكسل لدى جيلي من المطربين لانه كان من المفروض ان توجد فرقة موسيقية يداوم اعضاؤها يوميا بالاذاعة، ولكن حاليا عندما يكون هناك تسجيل لعدة اعمال يتم تكليف احدى الفرق الموسيقية من الخارج.

• من يعجبك من مطربي الكويت والخليج؟

- لا استطيع التحديد ولكن هناك مطربين جيدين ومنهم صوت جميل بالكويت وهو محمد المسباح وللأسف انه يقدم عملا او عملين ثم يتوقف لمدة عام او عامين وهو مطرب اصيل ومثقف وموسيقيا ويتمتع بخامة صوت طربي واداء مميز ويستطيع الغناء بكافة الألوان الكويتية المختلفة ولو استمر نشاطه الفني لتصدر الساحة الكويتية والخليجية.

• في مساء ليلة 12 ديسمبر المقبل سيتم تكريمك في ختام فعاليات مهرجان القرين الثقافي بدورته الرابعة عشر، فما الانطباعات والأحاسيس التي تولدت لديك عند سماعك خبر تكريمك؟ وماذا  عن القيمة الإنسانية والفنية لتكريم الفنان في حياته؟

- لقد سررت للغاية لهذه اللفتة الكريمة من قيادات المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، واشكرهم جميعا من خلال جريدة «الراي» وهذا ليس تقديرا لي فقط بل لجميع الاخوة الفنانين، وكان من قبل وعندما يتوفى الفنان كان يتم تكريمه، أما الآن فتكريمه وهو على قيد الحياة هو رد اعتبار له وامتنان وتقدير وعرفان له لما قدمه لوطنه من فن، ولكن التكريم في حياة الفنان مختلف المشاعر والأحاسيس وخاصة ان ابنائي سعدوا بذلك التكريم واقاربي واصدقائي.

• ما الذي ستقدمه في امسيتك الفنية على مسرح متحف الكويت الوطني بمصاحبة الفرقة الوطنية الكويتية للموسيقى؟

- سأقدم اغنية من اللون السامري بعنوان «ترى الليل عودني» من كلمات محمود سلطان وألحان يوسف المهنا، وكانت اغنية ناجحة وهو لون قديم، أما بقية برنامج الأمسية فسيغني بعض الاصوات الشابة عددا من الأغاني التي قدمتها وهم فواز المرزوق، حمد المانع

• ماذا عن نصائحكم للجيل الجديد من شباب المغنيين والمطربين في الكويت والخليج؟

- لا استطيع نصحهم ولكن كل ما اقوله لهم هو من يدخل هذا المجال لابد ان يكون له شخصيته، ويختار لونه الغنائي فضلا عن الكلمة الجيدة واللحن الممتاز ولا يستعجل الشهرة فهي قادمة بلا محالة، بالاضافة إلى الكلمات الجيدة والالحان والاداء المميز وقبلهم جميعا الاخلاق.

• ما تأثير الفضائيات الغنائية على مستوى الغناء؟

- تقدم عُريا وليس غناء أو طربا أصيلا.

• اخيرا، هل كان هناك دور لجمعية الفنانين الكويتية تجاه فناني الجيل القديم؟

- كان لها اثر كبير في حياتنا الفنية، وكنا نجتمع بالستينات والسبعينات وكنت تجد الملحن والمؤلف والمطرب موجودين بمقر الجمعية، وحاليا تجدها خاوية على عروشها، ولا يجتمع فيها مطرب او ملحن او مؤلف مثلما كان يحدث من قبل، ولكن يفتحون شركات خاصة للانتاج مع بعضهم البعض ويعتبرونها كديوانية يجتمعون فيها، والاعضاء في الجمعية لا يجتمعون سوى اثناء اجتماعات الجمعية العمومية.