في كل عام منذ 28 عاماً، يشتعل الجدال حول الغزو العراقي للكويت في جميع الاتجاهات.
في أولى مراحل الجدل العقيم تناولنا: الصامدون الأبطال، الهاربون الخونة، والحمد لله أنه لم يستمر طويلاً، لأننا نبقى كويتيين، مجتمع صغير مترابط، الداخل والخارج متقارب متصاهر.
في ثاني مراحل الجدل تناولنا: دول الضد ودول المع، وهي مصطلحات تعكس محدودية الفهم السياسي في عالم المصالح، حيث لا عدواً ولا صديقاً دائمين. وبعد أن تحوّل الصديق عدواً والعدو صديقاً دخلنا في مرحلة جديدة من النقاش البيزنطي حول الغزو البربري: صدامي أم عراقي، وعراقي أم صدامي؟
يعيدنا هذا النقاش الدائر حول العراق في عهد ما بعد صدام إلى عهد ما قبل صدام، هل هو غزو وعدوان واجتياح، أم ثورة آب المجيدة؟... طال النقاش الدائر وامتد وتشعّب وبلغ العرب ذروة إنجازاتهم في إصلاح ذات البين بين البلدين العربيين الشقيقين الجارين المسلمين، بتغيير المسمى إلى الحالة بين الكويت والعراق.
في ذلك الوقت الذي غيّر فيه العرب كلامهم، غيّرت الولايات المتحدة أفعالها، من التهديد والوعيد إلى اتخاذ قرار الحرب لتغيير النظام في العراق، وتركت العرب في حالهم بعد اعتمادهم مسمى حالة.
وكان أجدى بالنظام العراقي أن يغيّر حالته بدلاً من أن ينشغل بإعطاء جرائمه مسميات لطيفة، فالاسم لا يغير من الفعل شيئاً.
وبالمناسبة، صدام حسين لا يستحق أن نخلده بإطلاق اسمه على غزو وكأنه إنجاز حقيقي له، والمفترض أننا نحن والعراقيين نريد أن نتجاوز حتى ذكره.
في كل عام منذ 28 عاماً، يشتعل الجدال حول الغزو العراقي للكويت في جميع الاتجاهات ماعدا اتجاهاً واحداً: الدروس المستفادة.
من أهم الدروس التي تعلمناها من الغزو العراقي على الكويت: الطغاة نهايتهم معروفة، ولا يزال البعض يحترف الطغيان في إلغاء الآخر وتهميشه والفجور في خصوماته.
وبعد 28 عاماً انشغلنا فيها بالاختلاف، لم نلتفت إلى الذين ولدوا خلال الـ 28 عاماً، كيف ينظرون إلى خلافاتنا واختلافاتنا حول حدث لم يعايشوه، وكيف يروون تاريخهم كما رويناه لهم لأنهم لم يشاهدوه؟ نحن بحاجة إلى التوقف عن الجدل العقيم والبدء في نقاش حقيقي بين جيلين: جيل «تحت الـ 28» وجيل «فوق الـ 28».
reemalmee@