قيم ومبادئ

دعاة لا قضاة (2 - 3)

1 يناير 1970 09:45 م

فقه الواقع
قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري «فافهم اذا أُدليَ إليك» وهذا مطلوب ومتأكد بحق الحاكم والقاضي والداعي ذلك ان الفهم مع صحة القصد من أعظم نعم الله تعالى على العبد، وبهما يختلف طريق المؤمنين عن طريق المغضوب عليهم والضالين، فالمغضوب عليهم علموا ولم يعملوا والضالون ضلت فهومهم وعملوا على جهل. وأما أهل الصراط المستقيم فهم الذين حسنت أفهامهم وصحت قصودهم وأمرنا بالدعاء في صلواتنا للهداية الى طريقهم وهذا الذي ندعو به في كل صلاة في سورة الفاتحة بقولنا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
 وبصحة الفهم يستنير قلب الحاكم ويستطيع التفرقة بين الحق والباطل ويتقوى بحسن القصد على مغالبة الهوى وحسم مادته فلا يعلق قلبه بالدنيا ولا يتشوق لثناء الناس ولا يخاف من ذمهم. وهذا مما ينقصنا اليوم خصوصاً في جيل الشباب والدعاة الى الله تعالى.

أركان الفهم السليم:
1 - فهم الواقع والفقه فيه واستبطان الحقائق لمعرفة ما وقع بالقرآن والدلائل والعلامات حتى يحيط بها علماً. ولعل مما أحدثه العلم اليوم من وسائل عديدة في اثبات الجريمة مما يستأنس به القاضي في قرائن الأحوال.
2 - فهم الواجب في الواقع، وهو بمعنى التكييف الشرعي للقضية أو النازلة اذا لم يرد فيها بالشرع شيء لبيان ايقاع الحكم عليها، وبغير هذين الطريقين تضيع حقوق الناس وانظروا هنا أيها الدعاة إلى دقيق فهم السلف رضي الله عنهم حيث أوجبوا لفهم الواقع المعرفة بالحال التي تحكم الواقع ثم ما هو الواجب في الشرع تجاه هذه الحالة، وهذا فيه رد على من يزعم ان الشريعة جامعة وأن العلماء الكبار لا يفقهون الواقع.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى حين أرسله لليمن: «اذا أُدليَ اليك» وقوله «فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له».
تقول أدلى فلان بحجته أي توصل بها الى مبتغاه، والكلام المعني هنا هو الكلام الذي تُوصل به الى القاضي الذي يحكم بناءً عليه بين الخصوم.
ثم بين الفاروق عمر رضي الله عنه أهمية انفاذ الحكم بعد فهمه وأنه لا ينفع التكلم به ان لم يكن به قوة تنفيذه وهذه من معاني القضاء في الاسلام أنه الزام ذي الولاية بحكم شرعي وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين الذين جمعوا بين القوة والبصيرة في الدين قال تعالى «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا ابْرَاهِيمَ وَاسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ» أي جمعوا بين القوة المادية والقوة المعنوية وهي الفقه والفهم والعمل والتنفيذ.
قوله (وآسِ بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك) وهذا من أعظم الدروس للدعاة الى الله تعالى السائرين على منهج النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَاذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ان اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
 وذلك ان المساواة في هذه الأمور عنوان العدل ولاسيما الحق وعلامة الصدق.
واذا طمع الشريف قوى قلبه وثبت جنانه وهو على الباطل، واذا يئس الفقير من العدل ضعف قلبه وانكسرت حجته وربما تهاون في حقه وترك الخصومة فيه.
والقاضي يلوذ به الجميع على اختلافهم وتنوع طباعهم لينالوا منه الحكم العدل فاذا قام القاضي بهذا الأدب حصل المقصود وهو عدم طمع الشريف وعدم يأس الفقير وهكذا ينبغي أن يكون خُلُق الداعي إلى الله تعالى.

[email protected]