تعد الثقافة في إيران - بلاد فارس - من أعرق وأقدم الثقافات الإنسانية، بفضل ما تتمتع به من تنوع وحضور، ليس على مستوى الأدب - خصوصا الشعر الذي تألق بشكل كبير في الساحة الإيرانية قديما وحديثا - بل من خلال مختلف الجوانب العلمية والفنية، تلك التي سيتطلب الحديث عنها مقالات عدة، إلا أننا سنركز في حديثنا عن بعض الجوانب الأدبية والفنية في التجربة الإيرانية، تلك التي حققت انتشارا واسعا على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وصولا إلى مستويات عالمية مرموقة.
إنه تاريخ طويل من التطور والازدهار قطعته الثقافة في إيران «بلاد فارس قديما»... كي تشكل عنصرا مهما في تاريخ الإنسانية، من خلال ما تضمنته من تطورات مرّت بمراحل عديدة من الانتصارات والانكسارات، وهذا ليس بمجالنا في هذه المساحة... لأننا- كما أسلفنا- سنركز على عنصر مهم وهو التاريخ الثقافي خصوصا الأدبي والفني منه، هذا التاريخ الذي ازدهر في الوقت الذي دخل فيه الإسلام بلاد فارس.
وبامتزاج الحضارتين الفارسية والعربية بلغتيهما وعاداتهما وثقافاتهما، تشكل لدى المبدع «الشاعر والفنان» في بلاد فارس ملكة إبداعية، نتج عنها قصائد وملاحم شعرية، وفنون بصرية «خطوط عربية وتشكيل ومنمنمات وزخارف»، هذا الامتزاج كان من ثمراته نبوغ مجموعة كبيرة من الشعراء والفنانين والخطاطين الكبار، هؤلاء الذين يعدون مفخرة للأمة الإيرانية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام.
وبداية يتعين علينا التأكيد على ما توصل إليه الإيرانيون خلال حقب زمنية مختلفة من التطور في مجال الموسيقى التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين منذ عهد حضارة عيلام ومرورًا ببقية الحضارات التي مرت بها أرض فارس.
بالإضافة إلى الفنون الجميلة خصوصا الخطوط العربية التي برع فيها الفنان الإيراني، لتبقى أعماله خالدة بفضل ما تتضمنه من إتقان وعلم بكل خبايا الحروف العربية، وموهبة ضاربة بجذورها في تاريخ الفنون الإيرانية، إلى جانب العمارة التي شهدت تألقا واضحا في إيران.
ومن الأسماء التي سطعت في سماء الإبداع فريد الدين العطار وجلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي، وعمر الخيام... إنها أسماء كثيرة وفي الوقت مؤثرة ليس فقط على الساحة الإيرانية والعربية، ولكنها انتقلت كذلك إلى الساحة العالمية، لنجد أن هؤلاء الشعراء أصبحوا أيقونة أدبية مهمة في تاريخ الإنسانية، مما نتج عنه أعمالا خالدة خلود التاريخ.
ولم تتوقف الثقافة الإيرانية عند هذا الحد التاريخي ولكنها تواصلت مع الواقع وتضامنت معه، في كل ما يتعلق بالحداثة والتطور، كي تظهر لنا أسماء في عالم الشعر والقصة القصيرة والرواية، والفنون الجميلة، أعطت للإبداع الإنساني أجمل المنتجات المتعلقة بمختلف المجالات الثقافية مثل الشاعرة فروغ فرخزاد (1935 ـ 1967) التي تعد ملمحا مهما في تاريخ الإبداع النسوي، إلى جانب الشاعرات ناهيد يوسفي وفاطمة راكعي وفرشته ساري وسودابه أميني.
كما تعد تجربة الشاعر سهراب سبهري (1928 ـ 1980) من أجمل التجارب الشعرية في مرحلة الثمانينات، خصوصا في ما يتعلق بالقصيدة الحديثة.
وبدأت القصة القصيرة في إيران قبل الرواية - كما في البلدان العربية - وتضمنت هذه الأعمال النثرية أسماء متميزة لها حضورها على الساحة القصصية والروائية في المنطقة، وكانت المواضيع التي غلب على معظم هذه الكتابات البحث عن الحرية، والانتصار للخير، والدعوة إلى السلام وغيرها.
وسنتناول - لاحقا خلال هذه المساحة - بعضا من عناصر الثقافة الإيرانية من خلال أشخاصها الذين أبدعوا لنا الأجمل، في مجالات الشعر والنثر معا.
* كاتب وأكاديمي كويتي