خواطر تقرع الأجراس

الأم جذر الحياة

1 يناير 1970 11:06 ص

الأمة العربية... الأمة الإسلامية... الألمانية... الأميركية... المصرية... العراقية... السورية!
 تُرى لو كان في العصور البدائية آلات تسجيل (حجرية) ! كيف كنا سنسمع الطفل البدائي في العصر الحجري ينادي أُمَّه؟ وكيف كانت الأم تناغي طفلها؟ كيف نُطِقتْ كلمة أُم في اللغات الإنسانية؟
 الأُمة في لغتنا جذرها (أ م م). وأول ما يتبادر إلى ذهننا كلمة أُم. فالأم والأمة مشتركتان في جذر الانتماء الحميمي- الرَّحِمي. فالأمة: الوالدة. والجيل. اربطوا بين كلمة الأم كمفرد، وكلمة الجيل بمفهوم الجمع؛ لأن الأُم رحِم الأجيال فلا جيل يتوالد إلا من أُم. (اتركوا الأب الآن)! فمهته- بيولوجياً- سريعة، عابرة، رغم أهميتها البالغة. لكن الأُم: مهْد. رحِمٌ. أرض للغرس والتخلُّق يوماً يوماً حتى يأتي يوم العذاب الأكبر بالولادة- السعيدة رغم جحيم عذاب المخاض الذي لا يذوق الأب- الرجل منه شيئاً، ولا يتحمّله إطلاقاً. هكذا هي المرأة- الوَلود بثّ الله في تكوينها طاقة تحمُّل تنوء بحملها الجبال.
 ولو قُدِّر للرجل، وعليه، أن يحمل ويلد يوماً ما، تبعاً لاختراعاته العجيبة الغريبة الرهيبة وهويعبث بتكوين بني جنسه فزيولوجياً وبيولوجياً... فسيعرف عندها معنى الأم- وعذابات الحمل والولادة!
 لكنه قدَّس المرأة- الأم في أساطيره فكانت إلهة خصب ونماء وعطاء، وكانت الأرض الوَلود، والشمس والقمر.
 كل لغات العالم، بل لنقل معظمها بحسب علم اللغات، تشترك في نطق كلمة أُم بطرق مختلفة ومتشابهة مع الحفاظ على بنيتها الحرفية الصوتية تقديماً وتأخيراً وتبديلاً... ماعدا حرف الميم. ابحث في الشبكة عن جداول لفظ أم في لغات العالم المعاصرة تجد هذا التشابه الغريب، وبخاصة في حرف الميم، الشفرة السرية للفظة أُم ونطقها. وستجد حرف الميم في بدايتها. أليست هي بداية ولادة جديدة؟
هل سمعتم أغنية شادية: ماما حياتي يا ضَيّ عنيَّ. يا أول كلمة نطقها لساني؟ حقاً إن أول كلمة بشرية نطقها طفل في العصور البدائية منذ فجر الإنسانية هي: ماما بأول حرفها السري: الميم.
وقد نشأت اللغات محاكاة صوتية، ثم كتابة بدائية صوتية تصويرية، ثم كتابة تجريدية أبجدية. (بورك العقل البشري مخترع أعظم اكتشاف سيبقى حتى القيامة: الحرف)!
 وأم وأب بالتصويت: مَ. بَ. إمَّ. أبَّ إبَّ... ماما. بابا. أم. أب.
هذا التصويت التخريجي لمن قد يعترض بقوله إن كلمة أُم بلغتنا تبدأ بالهمزة.
والأمة في لغتنا: الرجل (افرحوا يا رجال)! وهو الرجل الجامع لكل خير «إن إبراهيم كان أُمةً...» سورة النحل 120. والأمة: الدين: «إنا وجدنا آباءنا على أُمةٍ» الزخرف الآية 22. والأمة: الطائفة من الناس، أو جماعة من غير الناس: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أُمم أمثالكم» سورة الأنعام 38.
والأُمة جماعة من الناس (أكثرهم!) من أصل واحد. لذلك علينا ألا نقع في فخ العنصرية والتعصب العرقي أو القومي أو الديني... ونمجّد أُمة من الأُمم على أنها صفوة البشر؛ كما فعل فلاسفة النازية، وحاخامات اليهود ومنظِّرو الصهاينة، والفرس: وأبي كسرى علا إيوانَه/‏ أين في الناس أب مثل أبي؟
 بوركتِ أيتها الأُم التي وضع الله جنته تحت قدميك!

* شاعر وناقد سوري