في أواخر رمضان الماضي أنهك المرض صحة أمي، وأدخلت المستشفى بحالة حرجة، ولكم أن تتخيلوا أن يقال لي ان وضعها الصحي غير مطمئن وقد يؤدي أي تدخل جراحي الى الوفاة، كلمات عندما سمعتها وقفت عقارب الساعة وتجمدت الدماء في عروقي، وفجأة تصبح أمي القوية وصاحبة الإرادة والعزم طريحة الفراش وبحالة حرجة، فجأة تصبح يدي وايدي اخوتي هي من توقفها وتمسك بيدها كالطفلة الصغيرة في أولى خطواتها ونخاف عليها أن تتعثر، وفجأة تصبح كلمات أمي غير مفهومة... صعبة... تتمتم بكلمات خالطها ألم وآهات لا نفهم ماذا تقول.
فجأه يصبح العالم كله في نظري أمي، لم أعد أرى في هذا الكون سوى سلامة أمي وما دون ذلك غير مهم، تلخصت كل أمنياتي بأمنية واحدة وكل دعواتي لله سبحانه وتعالى في دعوة واحدة، وهي شفاؤها وأن أسمع صوتها من غير تنهيدات وأن أرى ضحكتها عن وجهها وأراها واقفة أمامي ثابتة الخطوات.
عندما مرضت أمي أصبحت أنا الأم لها وهي طفلتي الصغيرة، نعم! أنام معها على سرير المستشفى واحتضنها في الليل لكي أبعد عن قلبها الخوف ووحشة غرفتها واحكي لها حكايات وقصصا، تماما مثلما كانت تفعله معنا عندما كنا صغارا وكنت أهمس في أذنها وغافية على صدري بأنها ابنتي وطفلتي واني أنا أمها كما كانت تقول لي دائما باني أشبه بالصفات والشكل والدتها. والله مهما عملنا معها فنحن مقصرون في حقها.
عندما مرضت أمي تعلمت أن الأبناء هم العون والسند بعد الله سبحانه، فوقفت أخوتي وأخواتي مع أمي في مرضها كانت تشعرها بالأمن والراحة، وهذا ما أراه في عينها عندما نجتمع جمعنا حول سريرها وهي راقده في المستشفى.
أم صلاح يا أمي قومي واجمعي قوتك فأنت قوية لا تستسلمين للمرض، فكما كنت ترفضين أن نمد يدنا لك كي تقفي وتقولين اتركوني اعتمد على نفسي.
ها أنا اليوم أقول لك قومي انفضي عنك هذا المرض وابعدي عنك هذا الألم.
يا أمي يا صاحبة القلب الكبير قومي فان حلقة النور وحلقة القرآن في بيتك تنتظرك. ولك أخوات وصحبة اجتمعت على حب الله وحب كتابه تدعو لك بالشفاء كل يوم وتنتظرك، ولك أبناء وأحفاد أنت لهم الحياة ينتظرون عودتك الى البيت.
اللهم اشف والدتي وجميع مرضى المسلمين شفاء من عندك شفاءّ لا يغادره سقما.
حقيقة اكتشفتها خلال مرض أمي وهي أن وقت الشدائد والضيق تنبت لك الأيام صحبة وأصدقاء لم تكن تتوقع وجودهم في حياتك، وهناك صحبة عمر وسنين قد أساؤوا الظن فيّ واعتقدوا أن غيابي وعدم اتصالي بهم بسبب مشاغل الحياة وبسبب عدم احترامي لصداقتهم، ولم يكلفوا أنفسم الاتصال للاستفسارعن أسباب الغياب عنهم وقلة تواصلي معهم، والحمد لله ان شدائد الحياة كما فيها من ضيق وألم إلا ان فيها دروسا تكشف معادن صداقات كانت مخبئة ورأها المصالح لولا الشدائد لما اكتشفتها.
شكرا لكل من اتصل ليطمئن على صحة أمي، وشكرا لكل من أرسل ليطمئن عليها. فمازالت أمي في المستشفى وبانتظار آخر الفحوصات ولله الحمد والفضل والشكر على كل ما نحن عليه.
[email protected]