رؤى

رحلة إلى حديقة الحيوان

1 يناير 1970 01:32 ص

في طريقي إلى حديقة الحيوان رأيت حمارا، فقلت: «ليت عندي مثل صبرك يا أبا صابر، فقد ظلموك عندما قالوا ليس عندك مشاعر بسبب صبرك وتغافلك»! وهكذا يرى البشر بعضهم بعضا عندما يُصبر على أذاهم.
دخلت الحديقة بعدها ورأيت حيوانات من مختلف الأنواع. فرأيت الزرافة الطويلة تداعب أحد الأطفال بلحس أذنه، وأحدهم يهتف «كل طويل هبيل»! فما زال الناس يرون الطيب غبيا وأهبل عندما يداعبهم أو يتسامح معهم، حتى يقول بعضهم «هذا من أهل الله»، أي: مغفل.
ورأيت القرود وفيهم شبه كبير بالبشر، وتذكرت نقلا عن أحد العلماء... قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (428/‏15-429): (قال أبو بكر عبد العزيز من أصحابنا وغيره: خلق للملائكة عقول بلا شهوة، وخلق للبهائم شهوة بلا عقل، وخلق للإنسان عقل وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فالبهائم خير منه).
ورأيت الفيل طيبا متسامحا وهو يداعب الأطفال بخرطومه، وقد تذكرت ألا نغتر بمظهر الشخص وألا نحكم عليه من أول مرة. فالفيل عملاق ولكن قلبه قلب طير. وهكذا هم بعض البشر، قد يكون ظاهرهم مخالفا لباطنهم، كما قالوا: «من برا هالله هالله ومن داخل يعلم الله».
ثم رأيت الثعلب يروغ مفكرا بحيلة للخروج من القفص الذي هو فيه، وقد ذكرني بالمثل «من عاش بالحيلة مات بالفقر»، وكذلك «الجزاء من جنس العمل».
ورأيت الضبع يتمسكن ويبدو لطيفا بكثرة روغانه، ولكن سرعان ما مد أحدهم يده إليه فأراد أن يعضها! وهكذا هم بعض البشر «يتمسكنون حتى يتمكنوا».
وسمعت سؤالا يتكرر بين الدقيقة والأخرى من قبل كثير من الناس: «أين الأسد»؟ ولما رأيته وجدته يزأر على الناس، وعندما جاءت اللبؤة زأرت عليه، وظل صامتا بعدها. فتيقنت أن مهما بلغ المرء من قوة أو بلغ من المنصب مبلغا فلا بد أن تكون له نقطة ضعف. وتذكرت قول الشاعر: أسدٌ علي وفي الحروب نعامة.
ثم رأيت الثعبان، فتذكرت الثعابين الذين يعيشون بيننا وتيقنت أن «ابن الحنش تُعبان» و«الحب يطلع على بذره».
ورأيت العقرب بجانب الأفعى، ورغم سمه إلا أن الناس تقترب منه، والحمد لله أنه مغطّى، وقد قالوا في الأمثال: «مكان العقرب لا تقرب».
ورأيت الإوزة مع أبنائها يسبحون، فتذكرت البشر الذين اعتنوا بأبنائهم وربوهم على قيام أمورهم بأنفسهم، فـ «ابن الوز عوّام».
وأنا أسير في الطريق، طأطأت رأسي فرأيت النمل تمشي مسرعة ولا أعلم ما تصنع، ولكن مع صغر حجمها إلا أنها تستطيع فعل أشياء كبيرة. وهكذا هم بعض البشر، تجده صغيرا أو ضعيف البنية أو الصحة ومع ذلك يفعل الأفاعيل، سواء كان في الخير أو الشر... قالوا: «أدّ النملة وتعمل عملة»!
ولا أعلم لماذا لم يضعوا الكلاب... هل لكثرتها في الشوارع أم لاحتقارها؟ إن كان لكثرتها فهل يعني ذلك أن نتوقف نحن البشر عن المعاملة والاعتبار من بعضنا بعضا؟ وإن كان لاحتقارها، فقد ألّف ابن المرزبان كتابا بعنوان «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب». وتقول الناس في الأمثال عن الناس السيئين: «كلاب لابسين ثياب». قال تعالى عن الكفار: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).
في كل شيء آية فلنعتبر، ولنحاول أن ننظر إلى المخلوقات بنظرة مختلفة، بل لننظر في أنفسنا وأحوالنا! قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).