«شريطة التعامل مع الأمر بانضباط»

«الشال»: الاستفادة من التجربة الصينية... أمر طيب

1 يناير 1970 08:12 ص

120 مليار دولار حجم الاقتصاد المحلي يعادل 1 في المئة من نظيره الصيني

منذ تأسيس هيئة تشجيع الاستثمار والتدفقات الأجنبية المباشرة تتراجع


أشار مركز الشال للاستشارات الاقتصادية، إلى أن استفادة الكويت من التجربة الصينية تعد أمراً طيباً، ولكن على الطريقة الصينية، أي التعامل مع واقع الأمور بصدق وانضباط.
ولفت «الشال» في تقريره الأسبوعي، إلى أنه في زيارة سمو الأمير الأسبوع الفائت إلى الصين، وقعت الكويت معها برتوكولات تعاون تمثل بداية الخطوات العملية لمشروع «كويت جديدة»، موضحاً أن أولى تلك الخطوات كان ما أعلن حول مشروع مدينة الحرير شمال الكويت، ومشروع تطوير الجزر، وتحديداً «فيلكا» و«بوبيان».
وأفاد التقرير أن الشراكة مع الصين توجه صحيح، لأنها نفذت مشروعاً تنموياً جباراً وغير مسبوق بدءاً من عام 1980، فهي كانت الأكبر سكاناً والأفقر موارد والأكثر تخلفاً، واليوم هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبفارق كبير عن الثالث، مع معدل نمو حقيقي بنحو 3 أضعاف معدل نمو الاقتصاد الأميركي أكبر اقتصادات العالم.
وذكر أن هذا الأمر يعني رياضياً أنها ستأخذ مكان الاقتصاد الأميركي خلال عقد من الزمن، منوهاً إلى أنه في عام 1980 كانت الكويت أكثر تقدماً من الصين، وكان حجم الاقتصاد الصيني الاسمي نحو 305.3 مليار دولار، بينما كان حجم الاقتصاد الكويتي يومها 28.7 مليار دولار، أو نحو 9.4 في المئة من حجم الاقتصاد الصيني.
وأفاد أنه في عام 2017، بلغ حجم الاقتصاد الصيني نحو 12 تريليون دولار، أي تضاعف نحو 40 مرة، وبلغ حجم الاقتصاد الكويتي نحو 120.4 مليار دولار، معظمه نفط خام ومضاعفاته، أي تضاعف نحو 4 مرات، وبلغ حجمه 1 في المئة من حجم الاقتصاد الصيني.
ولفت إلى أن ما صنع ذلك الفارق لصالح الصين، ليس حجم الموارد الطبيعية لأنها انخفضت لديها، وإنما ذكاء الإدارة وصلابة الإرادة، بينما الكويت تخلفت في إجماع مؤشرات التنمية وسلامة بيئة الأعمال، وتخلفت في موقعها التنافسي في هدفيها المعلنين في عام 2001 حول تحولها إلى مركز مالي ومركز تجاري متفوق.
وأكد التقرير أن الشراكة مع الصين صحيحة ليس فقط لما حققته في الماضي القريب، وإنما لما لديها من أهداف واضحة للمستقبل، فإلى جانب إصرارها على التفوق اقتصادياً، بحيث يقدّر صندوق النقد الدولي أن يضيف اقتصادها أكثر من 7 تريليونات دولار بحلول عام 2022، فلها خطط تفصيلية للتفوق فضائياً وسياحياً ورياضياً وثقافياً.
ورأى أن ما يفترض طرحه في الكويت، ليس أرقاماً فلكية وإنجازات وهمية سريعة لا سند لها، مثل ما يتداول حالياً، وإنما استعراض تفصيلي لما يمكن أن يتحقق، مثل رقم وماهية فرص العمل المواطنة الناتجة عن الشراكة، وهي الأهم بدلاً من ذكر رقم إجمالي بنحو 200 أو 300 ألف فرصة عمل لا يعتقد بصحته.
واعتبر أن ما يفترض نقاشه هو ذلك الأثر البيئي الناتج عن المشروع، وتحديداً في جزيرتي بوبيان وفيلكا وهما كل ما تبقى بيئياً، بعد العجز البائس عن حماية جون الكويت ثاني أفضل حاضنة أحياء مائية في العالم.
وأفاد التقرير أن ما يفترض أن يناقش هو ضرورة أن يشمل المشروع، والإفادة من التجربة الصينية في مواجهة الفساد، وإعادة بناء بيئة أعمال سليمة، والتعليم المتفوق وقيم العمل والانتاج، وتحسين تكلفة وأداء البنى التحتية.
وشدّد على أن العجز الحالي في الكويت عن إدارة شركة طيران، ومطار، وميناء، أمثلة على الفروق الشاسعة في الإدارة والإرادة ما بين الكويت والصين.
واعتبر أن ما هو مطلوب ليس أكثر من بداية صحيحة وصارمة، مشيراً إلى أنه لدى الصين مشروعات مماثلة حول العالم، وتحديداً في الدول التي لديها مخزونات المواد الأولية، ضمن إستراتيجية طويلة المدى لضمان تفوق صيني في المستقبل، فهم لا يوزعون صدقات وليس لديهم فائض عواطف، وإنما مصالح، وهو أمر مشروع لا بدّ من فهمه للتعامل معه.

حكومة الظل
وأفاد «الشال» أنه 2014 و2015، تم تناول حكومة الظل، أو ظاهرة إسهال تأسيس وديمومة هيئات ومؤسسات ولجان وأجهزة عامة موازية لوزارات الدولة، وأُحصي أخيراً نحو 42 مؤسسة من دون احتساب بعض الهيئات العامة مثل لجنة المناقصات المركزية، والهيئة العامة للاستثمار وغيرهما، ويظل ذلك ليس حصراً دقيقاً.
ولفت التقرير إلى أن عدداً مماثلاً من تأسيس الشركات الكويتية المقفلة، كان حصيلة اجتهاد خطر للقطاع الخاص في حقبة المناخ، وإلى أنه يبدو أن القطاع العام هذه المرة يستنسخ تجربة فاشلة عمرها نحو 36 سنة.
وذكر أن بعض هذه الهيئات مستحق ويؤدي دوره، ومعظمها لم يكن هناك في الأصل حاجة له، وأصبح عبئاً كبيراً على المالية العامة في ظروف البلد الحالية، ولبعضها دوره سلبي لأنه يزيد من حجم البيروقراطية العقيمة، ويعمق مشاكل الدورة المستندية، بما يعيق مشروعات التنمية وجهود الإصلاح إن وجدا.
وأكد أن هذا التمدد البيروقراطي الضخم، يجعل من الكويت أكبر حكومة توظيف ليس في الحاضر وحسب، وإنما على مدى التاريخ المقروء، فهي توظف كويتياً مقابل كل كويتي بالغ، وتدعم ما عداهم، منوهاً بأنه في ظروف سوق النفط الحالية هو واقع غير مستدام، ومخاطره عالية حين يعرف أن هناك نحو 400 ألف مواطنة ومواطن قادمون إلى سوق العمل في 15 سنة مقبلة.
وشدّد على أن كل خطب النصح الحكومية، نصت على وقف الجديد وحل أو دمج غالبية تلك الهيئات القائمة، ولكنها تمددت في واقع الحال مع استثناء واحد، ولعل آخرها ما تم تداوله في مجلس الأمة في آخر جلساته حول إنشاء هيئة تعنى بشؤون المنشطات.
وأفاد التقرير أنه ما دامت الحكومة عاجزة عن تبني سياسات إصلاح اقتصادي، هدفها خلق فرص عمل حقيقية لمواطنيها، وما دام النفط عاجزاً عن تغطية عجزها، فوجود تلك المؤسسات سيختصر الزمن حتى تتسع قاعدة البطالة السافرة، مع احتمال أن تتحول البطالة المقنعة إلى سافرة.
وأضاف التقرير أنه ما لا يمكن استدامته لابدّ من مواجهته، فمعظم تلك المؤسسات أنشئت في زمن الوفرة النفطية، إما لمواجهة الطلب على الوظائف العادية بخلق وظائف وهمية، أو لشراء ولاءات نافذين ونواب في تعيينات براشوتية في الوظائف القيادية لتلك الهيئات.
وشدد على أن معظمها ليس لها إستراتيجيات وأهدافاً، وعليه لا تخضع للمراجعة والتقييم من أجل محاسبتها وتقرير جدوى استمرارها من عدمها.
وأشار إلى أنه بجانب لجان حماية الأموال العامة، برلمانية أو أهلية، هناك ديوان محاسبة، وجهاز مراقبين ماليين وهيئة مكافحة فساد، وكلها مؤسسات مستحقة، ولكن كثافتها لم تحد من استشراء الفساد.
ورأى أن ذلك يعني أن العيب كامن في مواقع تتعدى سلطات تلك الهيئات، وأنه لا بدّ من تغيير جوهري في إستراتيجية مواجهة الفساد، بالانتقال من مراحل التشخيص إلى مرحلة المواجهة.
وأفاد أن ذلك أيضاً ينطبق على هيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو جهاز مستحق أيضاً، فمنذ تأسيسها في عام 2013 وحتى 2017، ومسار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل في انخفاض.
وتابع أن قيمة الاستثمارات الداخلة بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق في عام 2017، وزادت مصروفات الهيئة بنحو 76 في المئة، مبيناً أنه لا يُعرف ماهية أسس تقييم نجاح أو عدم نجاح عمل تلك المؤسسات.

الحرب التجارية
وتوقف «الشال» عند تقرير وحدة المعلومات لمجلة «إيكونومست» حول نظرتها التشاؤمية لمستقبل نمو الاقتصاد العالمي الناتجة عن ارتفاع كبير في مستوى المخاطر.
وذكر التقرير أن الرئيس الأميركي وضع حربه التجارية مع كل شركائه التجاريين موضع التنفيذ، ففرض رسوم الـ 25 في المئة على وارداته من الصلب والألمنيوم الخاصة بشركائه في «النافتا»، أي كندا والمكسيك، وقاما بالرد بالمثل، وبدأ في 15 يونيو ضرائب الـ 25 في المئة على ما قيمته 34 مليار دولار، من البضائع الصينية مع وضع شريحة أخرى بـ 16 مليار دولار على قائمة الانتظار، وقائمة طويلة أخرى ضمن احتمالات المستقبل.
ولف إلى أن الصين ردت بالمثل، في حين لم يسلم الاتحاد الأوروبي من نفس المعاملة على صادراته لأميركا من الصلب والألمنيوم، ولاحقاً ربما السيارات وقطع غيارها، وردت أيضاً بالمثل.
وتوقع أن تدمر الإجراءات الحمائية نحو 4 في المئة من تجارة العالم الدولية، وأن يكون أثرها السلبي على نمو الاقتصاد العالمي وخيماً، مبيناً أن حرباً تجارية تشتعل على كل الجبهات لا يمكن أن تكون حصيلتها سوى كارثية.
وأشار التقرير إلى أنه ما لم يؤخذ في الاعتبار في تلك الحرب، هو أن ما يفترض أن يحسب هو المؤشرات الكلية للأداء الاقتصادي، وليس عجز أحد الموازين الخارجية فقط، وهي مؤشرات النمو الاقتصادي ومستويات البطالة والتضخم، والتي بالكاد استطاع العالم استعادة صحتها بعد أزمته المالية الكبرى في عام 2008.
وأفاد أن السبب الرئيس في اجتياز العالم لتلك الأزمة، هو التعاون غير المسبوق بين أقطاب العالم في السياسة والاقتصاد، فالعالم قبلها احتاج 17 سنة وحرباً عالمية مدمرة ثانية لتجاوز أزمة مماثلة حدثت في عام 1929، وكان سبب فشل مواجهتها تباين وصراع الأنظمة السياسية في ذلك الزمن، بلاشفة روسيا وفاشيو إيطاليا وعسكريو اليابان ولاحقاً نازيو ألمانيا.
وشدد «الشال» على أن مخاطر حرب الرئيس الأميركي التجارية على الإقليم أخطر وتختلف، فالإقليم إما بسبب نزاعات دوله، أو بسبب تركيبتها الضعيفة، لا تملك من أوراق الرد شيئا أسوة ببقية خصوم الرئيس الأميركي التجاريين، فهو بالعلن يأمرها ولا يتفاوض معها، وما يطلبه هو إتاوة حماية عسكرية أميركية بدونها.
وأوضح التقرير أن خلاصة مطالب ترامب هو أن يملك هو قرار تحديد أسعار النفط التي يريدها منخفضة، في وقت يريد فيه صادرات إيران منه صفراً، وهو تناقض لن يحقق الهدف، كما يريد حكم كمية إنتاجه وكيفية استغلال حصيلته، أي عقود أسلحة وغيرها لتتصدى دول الإقليم لبعضها البعض، ولاحقاً وبعد عنف مدمر، الإفادة من أموال إعادة بناء ما سببه ذلك العنف من دمار.
ولفت إلى أن تجربة الكوريتين لمواجهة سيناريو قريب، كانت غاية في الذكاء والحكمة، وبدأت من الرياضة، ولعل دول مجلس التعاون الخليجي تبدأ المصالحة في ما بينها على الأقل بشيء متواضع، فتقوية الموقف التفاوضي لا يمنح أمام تلك الهجمة، وإنما يكتسب بالعقل والحكمة.