نعيش في أيامنا هذه بما يسمى عصر تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات، حيث نتعامل مع قدر كبير من العلوم والمعرفة والمقدرة على التواصل مع الآخرين، إلا أن كل هذا الكم الكبير من المعلومات ليس سوى نذر يسير من الكم الهائل الذي لا نستطيع الوصول إليه، كجبل الجليد الذي حطم سفينة التيتانيك والذي لا نرى منه إلا القليل فوق سطح الماء، لكن ما يغيب عن أعيننا هو القدر الأعظم من تلك المعلومات.
وعليه فقد كثر اللغط والحديث عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد لهذه الظواهر ومعارض لها، حيث يرى المعارضون في وسائل التواصل والاتصالات إضاعة للوقت بأمور لا تفيد الأفراد والمجتمع، إن لم تكن سبباً لجلب الأضرار والمشاكل لهذه المجتمعات، وفيها إبعاد للشباب وإشغالهم عن ما يفيدهم، وفيها هدر لطاقاتهم وانحرافهم عن الأهداف السامية التي يسعى المجتمع لترسيخها. في حين يراها البعض الآخر وسيلة مثلى للتواصل وتبادل الأفكار، فقد جعلت من العالم قرية صغيرة يتواصل فيها الجميع بكل يسر وسهولة، فضلاً عن إمكانية الوصول إلى كل ما نحتاجه من معلومات دون مشقة وبكل يسر وسهولة.
فأي الرأيين هو الصواب؟ وأي من الفكرين نتبنى؟
لا شك إن تطور المجتمعات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطور العلمي والثروة الصناعية التي حدثت في هذه المجتمعات. بحيث يرافق كل اكتشاف أو تطبيق علمي إيجابيات وسلبيات، فعلى سبيل المثال فإن للطاقة النووية الكثير من التطبيقات الإيجابية والإسهامات العظيمة في تطوير حياتنا، وبذات الوقت يمكن استخدامها لتدمير الحضارة الإنسانية إذا ما أسيء استخدامها.
وهذا بدوره ينطبق على تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات التي مكنتنا من الوصول إلى الأبحاث ومصادر المعرفة بثوانٍ معدودة، بعد إن كنا نتكبد مشاق البحث عن تلك المصادر، وأحياناً نضطر إلى السفر للوصول إلى تلك المعلومات والأبحاث. وأصبحت هذه التكنولوجيا معين لا ينضب وينبوع للعلم والمعرفة.
أما إذا ما أسيء استخدامها وخاصة من قبل الشباب والمراهقين، فقد تصبح آلة عبث وتدمير للمبادئ والقيم.
ونحن بدورنا لدينا حرية الاختيار وفقاً لمصالحنا وأهدافنا، فهل نختار ما ينمي ذاتنا ويصقل أرواحنا ويساعدنا على تحقيق أهدافنا، أم نختار الدرب الآخر الذي لا فائدة ترجى منه ولا خير فيه لنا ولمجتمعنا.
إن تلافي سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي ومصادر المعلوماتية، والحرص على أفراد المجتمع وخاصة الشباب لا يكون بحجب هذه المواقع ومنع الوصول إليها، فضلاً عن أن ذلك من المستحيلات فهو لن يفضي إلى أي نتيجة، بل إن الحل الحقيقي يكون في التوعية وخصوصاً للشباب وتوجيههم ومساعدتهم في الاستفادة من هذه المواقع في مجالات التعلم وتطوير الذات والمجتمع. بالإضافة إلى ضرورة متابعة الأبناء بطريقة غير مباشرة من حيث اهتماماتهم على هذه المواقع والمعلومات التي تقدمها لهم.
والأخطر من ذلك كله، هو حالة الإدمان التي يمكن أن تصيب المرء على هذه الأدوات والمواقع، لما يسببه هذا الإدمان من أضرار نفسية وصحية. وعليه، بادرت بعض الدول إلى معالجة الإدمان على هذه الأدوات كما تعالج الإدمان على المخدرات وغيرها من الأمراض.
وختاماً، وطالما أن من المستحيل أن نحول بين هذه المواقع وبين أفراد المجتمع، على اختلاف أعمارهم وميولهم، فمن الأفضل اعتماد التوعية والإرشاد وتنظيم أوقاتهم وتعزيز الرقابة الذاتية لديهم وتوجيههم لما يصب في مصلحتهم منذ نعومة أظفارهم.
إن في التعامل الصائب مع هذه الأدوات كمن يتجرع لقاحاً يقيه من الأمراض التي قد تصيبه مستقبلاً وحتى لا يتحول الأمر إلى إدمان يصعب تفاديه والتحكم به.
* مستشار جودة الحياة
Twitter : t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]