كنت وما زلت مقتنعا بأن نماذج ونظريات القيادة لا يمكن تطبيقها على قيادات حكومية لأنها بطبيعتها «مسيسة»... لا أريد القول إنها مفسدة كما يذهب بعض المختصين في الوصف، واخترت التعبير هذا بقصد التلطيف لا أكثر.
وعلى الرغم من قناعتي بما جاء أعلاه? تبقى هناك أبجديات المنظومة الإدارية هي من تحدد وفق سلوكيات القيادي وقراراته إن كان القيادي مؤثر «جيد/صالح» أو لا... وقد أسهب الباحثون في علم القيادة والإدارة في جوانب الأطر الأخلاقية للقيادي لكن المحصلة تدور حول السمات القيادية المفروض «ملزم توافرها» في أي شخص مرشح لتولي منصب قيادي وهي: المعرفة بمجال العمل? رشيد? مستوى ذكاء أعلى نسبيا من التابعين? محقق للنتائج? ونزيه أمين، وأضيف إليها الحس الأخلاقي بعد الأزمة المالية عام 2008.
ولأن الشيء بالشيء يذكر? فقد استوقفتني إجابة الدكتور فالح العزب وزير العدل وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة السابق عن سؤال نصه: «لماذا لا تفتح مكتب محاماة? استشارات»؟ حيث رد بالتالي: «بما إني وزير سابق? أعتبرها تتعارض مع المبادئ والقيم والأخلاقيات? واستغلالاً لمنصب وعلاقات اكتسبتها أثناء تولي الوزارة? وتعارض مصالح واستخدام نفوذ وفي طياته فساد مبطن»... وختمها بهاشتاق «حقيقة»!
أعتقد أن ما جاء في سياق رد الوزير السابق بهذه الشفافية «مختصر مفيد» إنما هو انعكاس للأطر الأخلاقية للقيادي التي ذكرنا سماتها في المقدمة، حيث يستوجب على القيادي المؤثر التمييز بين العمل الحر الذي لا تشوبه شائبة وبين عمل حر مبني على أسس هي من الناحية النظرية وحسب العرف المتبع من قبل كثير من أحبتنا تعتبر «عادية» إلا أنها مجافية للحقيقة المفروض الأخذ بها والشواهد كثيرة في هذا الصدد.
كنت قد أشرت إلى إنجازات العزب إضافة إلى اهتمامه بالأيتام، وكيف أنه يتخذ سياسة الباب المفتوح ويستمع ويتابع الحالات التي تطرق بابه باحثة عن حل بحكم طبيعة منصب الوزير الإشرافية، وهو نموذج يختلف عن غيره ممن يتدخل في عمل الجهاز التنفيذي الذي تقع مسؤوليته تحت الوكيل والوكلاء المساعدين ومن في مستواهم... والوزير إن وجد خللاً جسيماً يعالجه عبر طلب السؤال/الاستفسار أو تشكيل لجنة تحقيق التي في ضوئها يتخذ القرار المناسب، وهذا ما كنت أطالب به، حيث إن الوزير في الغالب يتم تدويره أو استبعاده من التشكيلة بينما يبقى الخلل في الجهاز التنفيذي... عارف كيف؟
المشكلة التي نعاني منها في الكويت، أننا لا نفرق بين القيادي المؤثر/الأخلاقي وبين من «ترك القرعة ترعى». وما جاء في هذا المقال مبني على مشاهدات ومتابعة لأداء الوزير وخلفه لا نقصد منها كيل المديح أو «المجاملة»... إننا نعكس الأطر الأخلاقية ونقارن مضمون ما احتوته النماذج والنظريات القيادية مع واقع سلوكيات وقرارات الوزير على اعتبار أننا حكومة تدعي أنها تحارب الفساد وتطبق القانون.
الزبدة:
نطالب أصحاب القرار بأن يتابعوا أعمال القياديين من وزير ووكيل ووكيل مساعد وعمل تدقيق داخلي وخارجي على أعمالهم وعلاقاتهم وحساباتهم وممتلكاتهم داخل الكويت وخارجها، فهوى النفس ومكتسبات المنصب القيادي لا يجب أن تستثمر بشكل أو آخر، وهذا بالضبط ما دفعنا للكتابة عن العزب، وخروجه من الوزارة هو ومن يتمتع بذات السلوك المحصن أخلاقيا بمثابة خسارة.
نحتاج تطبيق الأطر الأخلاقية للقيادي وضرورة الأخذ بالسمات القيادية عند تعيين أي قيادي، فهي المدخل لصناعة التاريخ التي تمكننا من صياغة رؤية متضمنة إستراتيجيات عمل تنتشل البلد ومؤسساته من مستنقع الفساد الذي قبع فيه.
نقول للوزير العزب ومن هم على شاكلته: «شكراً»... الله المستعان.
[email protected]
Twitter: @Terki_ALazmi