بين «الظاهرة» رونالدو... و«المسرحيّ» نيمار دا سيلفا

بحثٌ «مريب»... عن النجم المفقود

1 يناير 1970 03:50 م
  • «عودة البرازيل» لا تحصل بفوز «قيصري»  على كوستاريكا المتواضعة

لا يجيز لك الترويج لمنتج، أي منتج، أن تتحدث عنه كعاشق ذائب في وصف الحبيبة.
الإقناع لا يأتي بالكلمة، إن كان الأمر مرتبطا بسلعة، إلا إذا كان المشتري «غبياً».
لك الحق في الترويج لما هو حكرٌ لك لجهة تقديمه الى العامة، لكن لا تكذب ولا تلمّع، فقط كي تضيف الحماسة الى جو باهت، غير خفيّ عن المتابعين.
مذيع يقول بفخر: «عودة البرازيل (باللكنة البرتغالية) وانفجار نيمار»، ثم يتحدث بعاطفة عن دموع الأخير التي ذرفها بعد مباراة «راقصي السامبا» أمام كوستاريكا في مونديال 2018.
تشعر وكأن نيمار يقف على منصة التتويج وفي يمينه كأس العالم «السادسة» وفي يساره العلم البرازيلي.
لا، لم تكن هذه عودة البرازيل.
عودة البرازيل لا تحصل بفوز «قيصري» على كوستاريكا المتواضعة. عودة «السامبا» لا تتم بتمثيلية بطلها نيمار في المنطقة المحرّمة كي «يسرق» على إثرها ركلة جزاء، في إشارة واضحة الى عجزه المبين عن هز الشباك بالطرق «القانونية».
عودة البرازيل لا تأتي بالحديث عن ماضٍ غابر لمنتخب عريق فقد هويته منذ سنوات، ولمّا يجد لها سبيلاً مذ ذاك.
عودة الـ «سيليساو» لا تكون باحتفال مجنون لمدربه، وتعثر نتيجة «خطوات غير ثابتة».
لا نفهم إن كانت هذه هي البرازيل التي قيل إنها ولدت من رحم الهزيمة الكارثية التي منيت بها على ارضها وبين جماهيرها في «بيلو هوريزونتي» وبنتيجة فلكية 1-7 أمام ألمانيا في الدور نصف النهائي لمونديال 2014.
عجز وعقم أمام سويسرا في الجولة الأولى، ومن ثم عجز وعقم متجدد أمام كوستاريكا، الحلقة الاضعف في المجموعة الخامسة، وأخيراً انتصار بـ «العافية» في الوقت المحتسب بدل ضائع.
هذه هي البرازيل التي وعدونا بها؟ وهل تستحق تلك الأسماء «الباهتة» في منتخبها كأساً عالمية؟
لمَ خشي الحكم الهولندي بيورن كويبرز رفع الانذار في وجه نيمار بعد أن راجع تمثيليته عبر تقنية الفيديو (فار) للحصول على ركلة جزاء؟
نيمار ليس بيليه وليس الارجنتيني دييغو مارادونا. حتى وإن كان من يكن، على الحكم تطبيق القانون.
كان نيمار بمثابة «قاطع طرق» في المباراة. ضرب بالكوع، تمثيل، شتائم.
وفي ختام «المسرحية»، ركع وذرف الدمع. على ماذا؟ عن أي ضغوط يتحدث ذاك المعلق؟
نعود بالذاكرة الى «الظاهرة» البرازيلية رونالدو، الذي عانى ما عاناه من اصابات خطيرة هددت مشاركته في كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، قبل أن يتوج باللقب.
يقول رونالدو: «لم أكن أعتقد أبدا وحتى في أحلامي أن ذلك من الممكن أن يحدث. كان ذلك أمرا رائعا في حياتي. كانت سعادتي بلا قيود».
لم تكن الكأس المكسب الوحيد لرونالدو في البطولة، فقد توج أيضا بلقب الهداف برصيد ثمانية أهداف، منها هدفا المباراة النهائية التي تغلبت فيهما البرازيل على المانيا.
لم يصل أي لاعب إلى هذا العدد من الاهداف في بطولة واحدة لكأس العالم منذ الالماني غيرد موللر الذي أحرز عشرة أهداف في نسخة 1970 في المكسيك.
كما حل في المركز الثاني خلف الحارس الالماني أوليفر كان في قائمة أفضل لاعبي البطولة، لكن الاتحاد الدولي (فيفا) أنصفه في نهاية العام 2002 ومنحه جائزة أفضل لاعب في العالم.
يتذكر رونالدو جيداً خسارة نهائي كأس العالم 1998 امام فرنسا المضيفة، عندما أصيب بنوبة صرع في الليلة السابقة للمباراة، ألقت بظلالها على أدائه ففشل في هز شباك الحارس الفرنسي فابيان بارتيز.
منذ ذلك اليوم، شهد مستوى رونالدو تراجعا ملحوظا حتى تعرض للاصابة بتمزق جزئي في أربطة وأوتار الركبة اليمنى خلال مشاركته مع ناديه السابق انتر ميلان الايطالي في نوفمبر 1999.
بعدها بستة أشهر وفي الوقت الذي استعد فيه للعودة بقوة إلى الملاعب، عانده الحظ مجددا وأصيب بقطع كلي في الوتر ذاته ليغيب 20 شهرا شهدت عودته غير المنتظمة في عدد من المباريات.
ومع اقتراب كأس العالم 2002، ساورت الشكوك الشعب البرازيلي خوفا من غياب رونالدو عن البطولة، خصوصاً وأنه لم يخض مع انتر ميلان في العامين السابقين سوى 22 مباراة.
رونالدو تخطى الصعاب وقفز إلى القمة ولم يستطع أن يصف شعوره بالسعادة بعد الفوز بكأس العالم 2002، وقال: «كانت أفضل انتصاراتي العودة لممارسة كرة القدم وتسجيل الاهداف. كان الفوز بكأس العالم مكافأة مجموعة اللاعبين الذين تعاونت معهم لتحقيق الهدف، كما توج الانتصار مجهودي وصراعي للتعافي من الاصابة. أعتقد أنه حتى وإن خسرنا أمام ألمانيا في النهائي كنت سأحتفظ أيضا بانتصاري الشخصي».
وأضاف: «لم أكن أفكر في تحطيم أي رقم قياسي. كنت أريد فقط تسجيل الاهداف لنتمكن من الفوز بالمباريات. الرقم القياسي الوحيد الذي كنت أفكر فيه هو فوز البرازيل باللقب الخامس في كأس العالم».
كان رونالدو «رجلاً» في كل ما للكلمة من معنى. وعندما وعد بتحقيق كأس العالم والفوز بلقب الهداف قبل اشهر على انطلاق «العرس العالمي»، كان في وضع مشكوك به لجهة امكانية خوض البطولة في الاساس.
وعندما توج باللقب، لم يقم «الظاهرة» بـ «SHOW»، لم يمثّل، لم يذرف دمعاً.
حقق ما يصبو اليه بعد معاناة، وهو بالتأكيد يستحق كل ما حققه، إذ لم يتورط يوماً بمشاكل داخل الملعب أو يهاجم الخصوم بعبارات نابية.
النقيض لرونالدو هو نيمار. يبكي؟ لمَ يبكي؟ على فوز عابر على كوستاريكا؟ على عودته من الاصابة؟ أهو أول لاعب يعود من الاصابة؟ هل انتهت كأس العالم 2018 وضم الكأس الذهبية الى صدره غاسلاً إياها بدموع الانجاز؟
ما هذه المسرحية؟ يبدو أنها مظاهر ممتدة من مباريات مونديال 2014 حيث افتقد منتخب البرازيل الى الثقة، وما ظاهرة البكاء الا وليدة تلك الثقة الغائبة.
نيمار هو قلب منتخب البرازيل وقائده، وإن لم يحمل الشارة، فكيف يبكي بعد كل انتصار؟ لأن الضغط عليه؟ ألم يكن الضغط على روماريو وبيبيتو في مونديال 1994؟ ألم يكن الضغط أكبر على رونالدو في كأس العالم 2002؟ ألم يكن الضغط نفسه على مارادونا في مونديال 1986؟ ألم يكن الضغط على الفرنسي زين الدين زيدان في بطولة 1998؟ ألم تكن الضغوط، كل الضغوط، على الايطالي فابيو غروسو وهو يسدد ركلة الترجيح الأخيرة امام بارتيز في نهائي كأس العالم 2006؟ أيعتقد نيمار بأنه أفضل لاعب في التاريخ وأن عليه اجتراح المعجزات؟
رؤية نيمار في الملعب تتعاطى مع الخصوم من منطلق «حرب الشوارع» ومن ثم احتفاله كـ «قاطع رؤوس» بهدفه، ومن ثم بكائه غير المبرر، كلها عناوين ضعف وليست بوادر قوة.
وصل الى استاد سان بطرسبورغ لأداء المباراة أمام كوستاريكا وهو يغنّي، وما ان لمح كاميرا التصوير حتى رفع صوته، ليسمع الجميع بأنه متحمس ويعشق بلاده. هذه مسرحية لا يمكن أن يقوم بها «أباطرة» البرازيل السابقون.
الطامة الكبرى أن يأتي معلقون، ومقدمو برامج، ويضعون نيمار في مرتبة لا يستحقها، فقط لإعطاء الصورة بأن كأس العالم 2018 التي لم ينفجر منها من النجوم الا البرتغالي كريستيانو رونالدو حتى الساعة، هي بطولة عمالقة.
ليست الطريقة المثلى لـ «بيع» منتجك... أن تكذب علينا. وإذا انطلت كذبة نيمار عليك، فهي لا تنطلي علينا. وإذا اعتقدت بأن كلامك «التجاري» سينطلي علينا، فأنت مخطئ، ويتوجب عليك احترام عقولنا.

دموع... انتقادات... وقلق

قوبلت دموع النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا بعد فوز منتخبه على كوستاريكا، بانتقادات وقلق في بلاده حيث اعتبرت أكبر صحيفة يومية ان البكاء في الجولة الثانية أمر مبكر.
 وفازت البرازيل بشق النفس على كوستاريكا بهدفين لفيليبي كوتينيو ونيمار في الوقت بدل الضائع من المباراة التي أقيمت، الجمعة، في سان بطرسبورغ ضمن منافسات الجولة الثانية للمجموعة الخامسة، لتعوض بذلك خيبة التعادل في الجولة الأولى مع سويسرا (1-1).
 وكانت فرحة البرازيليين بالفوز جنونية، بدءا من المدرب تيتي، وصولا الى نيمار الذي جثا على أرض الملعب بعد صافرة النهاية وأجهش بالبكاء.
 وكتبت «أو غلوبو»، كبرى صحف البرازيل، انه «من غير الطبيعي البكاء في المباراة الثانية من كأس العالم» التي تمتد حتى 15 يوليو.
وأضافت: «صادقة كانت أم لا، دموع نيمار مقلقة (...) كانت إما دليلا على عدم استقرار مقلق، أو اعادة ظهور لنرجسية تمكن نيمار من السيطرة عليها خلال كامل المباراة تقريبا».
وأعادت هذه المشاهد تذكير البرازيليين بدموع قائد المنتخب تياغو سيلفا قبل الركلات الترجيحية ضد تشيلي في ثمن نهائي مونديال 2014 على أرضهم، والتي رفض بعدها المشاركة في تسديد الضربات.
وفي تغريدة بعد المباراة، حاول نيمار العائد منذ أسابيع بعد غياب مطول بسبب الاصابة، ان يخفف من وقع ما قام به، وقال: «الجميع يعلم ما مررت به لأصل الى هنا. كانت هذه دموع فرح (...) دموع قوة». وأضاف أغلى لاعب في العالم: «في حياتي لم تكن الأمور سهلة أبدا، ولا يزال الأمر كذلك هنا والآن. الحلم يتواصل. الحلم، كلا، الهدف!».
وغاب نيمار (26 عاما) عن الملاعب منذ تعرضه في نهاية فبراير لكسر في مشط القدم اليمنى خلال مباراة ضد مرسيليا في الدوري الفرنسي، خضع بعدها لعملية جراحية وأمضى فترة تعاف امتدت أكثر من ثلاثة أشهر.
وأثارت الاصابة قلق البرازيليين من عدم قدم اللاعب السابق لنادي برشلونة الاسباني، على خوض غمار المونديال.
وتصدرت دموع نيمار عناوين وسائل الاعلام البرازيلية.
واعتبر موقع «أول» الرياضي الالكتروني ان الدموع «هي إحدى أقوى الصور من كأس العالم: نيمار، وحيدا، ينهار وتسيل دموعه».
وأضاف: «كانت دموع لاعب كرة قدم، دموع شخص يعني له هذا الأمر الكثير».
 ولم يسلم نيمار من الانتقادات على خلفية سقوط المبالغ به على أرض الملعب في الشوط الثاني من المباراة عندما كان التعادل السلبي لا يزال سائدا، ما دفع الحكم لاحتساب ركلة جزاء لصالحه بداية، قبل ان يلغيها بعد الاحتكام الى تقنية المساعدة بالفيديو («في ايه آر»).
وقال معلق قناة «غلوبو تي في» إن «هذه الحركة الفنية كلفت البرازيل ركلة جزاء».