رؤية ورأي

معركة هلال العيد

1 يناير 1970 05:07 م

خلال زيارتي لأحدى ديوانيات الرميثية خلال شهر رمضان الأخير، تساءل أحد الحضور - وهو دكتور أكاديمي - عن الحكم الشرعي لأكل عدد من الكائنات البحرية. وخلال دقائق قليلة، انتقل السائل إلى انتقاد قصور مكتب المرجع السيستاني - حفظه الله - في توعية مقلّديه بالأحكام الشرعية، وتقاعس المكتب عن توفير فتاواه الشرعية على شبكة الانترنت، في صورة أسئلة شرعية مذيلة بأجوبتها، في صفحات يسهل الوصول إليها، عوضا عن اضطرار مقلّديه للرجوع إلى قراءة العديد من صفحات كتاب فتاواه الشرعية «منهاج الصالحين» لعشرات الدقائق، من أجل معرفة رأيه الشرعي في مسألة ما.
ولأنني أعلم أن مكتب سماحة السيد يدير موقعا إلكترونيا متكاملا، يحدّث بشكل مستمر، يحتوي على الآلاف من الاستفتاءات الشرعية المرتبة في صفحات مبوبة حسب موضوع الاستفتاء، بادرت بالبحث في الإنترنت عبر هاتفي النقال عن رأي سماحته في تناول المأكولات البحرية، وخلال أقل من نصف دقيقة وصلت إلى صفحته المخصصة للاستفتاءات حول الأسماك. فأبلغت الحضور بوجود الصفحة، إلى جانب صفحات مشابهة لمواضيع أخرى. وقرأت لهم سؤالين يتضمنان تساؤلات الأكاديمي، وأتبعت كل منهما بإجابته. ثم أبلغت الأكاديمي عن استغرابي من نهجه غير الأكاديمي في طرحه، فكيف يعيب على جهة قصورها، قبل أن يتحقق من وجود القصور؟
هذا الموقف تذكرته، عندما بدأت حملات معركة هلال شوّال قبل أسبوع، حين أعلن مكتب المرجع السيستاني عدم ثبوت رؤية الهلال في مدينة النجف الأشرف والمناطق المشتركة معها في الأفق، وتباعا إعلانه يوم السبت أول أيام العيد. فالعديد من الاشكالات التي تم طرحها في الحملات، ما زالت معروضة مع إجاباتها في موقع مكتب سماحته على الإنترنت، وبالأخص صفحة الاستفتاءات الخاصة برؤية الهلال، التي أدعو مقلدي سماحته على الاطلاع عليها لاكتساب المناعة أمام حملات التضليل المتكررة.
نسبة كبيرة من رسائل تشويه إعلان عدم ثبوت الرؤية تشير إلى أن أصحابها ومروجيها ومستقبليها لا يعرفون أن لدى مكتب سماحته 25 مركزا ومؤسسة، من بينها 7 مراكز معلوماتية في مدن متعددة، ومركزا لبحوث ودراسات فلكية في مدينة قم المقدسة. كما تؤكد أيضا أن هؤلاء لم يطلعوا على الإمكانيات المتنوعة المتوفرة في المركز الفلكي من أجهزة متطوّرة ومكتبة نجومية مختصة وإمكانات تحقيقية مختلفة وهيئة علمية مقتدرة. وأنهم لا يعلمون أن المركز عقد سلسلة من الدروس التخصّصية في علم الفلك الإسلامي والهندسة الفلكية والفيزياء الفلكية ومنهج البحث العلمي في علوم الفلك، بإشراف عدد من أساتذة جامعات وحوزات علمية معروفين.
وأن المعترضين لم يطلعوا على الكتيب الخاص بمواقيت الأهلة، المتاح في الموقع الإلكتروني التابع لمكتب سماحته، الذي جاء فيه أن الهلال في أفق مدينة النجف الأشرف في مساء الخميس الموافق 29 رمضان سوف يكون عند غروب الشمس في الساعة (7:10) بعمر 20 ساعة و24 دقيقة وبدرجة ارتفاع عن الأفق 6 درجات و49 دقيقة ونسبة القسم المنار منه (1،12 في المئة) ويبقى لمدة 37 دقيقة بعد الغروب، وأن «في هذه الحالة لا يتوقع التمكن من رؤية الهلال بالعين المجردة». وأفق الكويت والمنطقة المحيطة يلحق في حكم الهلال وفق رأي السيد بأفق النجف الأشرف.
من التوجهات الغريبة في الحملات المعادية لممارسة سماحة السيد واجبه كمرجع ديني، أن هناك مطالبات بتغيير مبانيه الفقهية الخاصة بثبوت الرؤية، ليتمكن أفراد الأسرة الواحدة - المتعددة في مرجعياتها - من المشاركة في احتفالات العيد في اليوم نفسه. والأغرب من ذلك، أن بعض الحلول والمباني التي سوّق لها في الحملات الأخيرة وسابقاتها: أن ملزوم بعض الحلول المطروحة، يقتضي ويعني أن النبي والأئمة عليهم السلام وقعوا في الخطأ، وأنهم كانوا يصومون - في الواقع - يوم العيد.
وإذا كان التعدي على المرجعية الشيعية التقليدية، التي يمثل اليوم السيد السيستاني رأسها الأعلى، مسبوقا ومرتقبا من بعض الأحزاب الدينية، فإن المستجد الخطير الذي لوحظ في معركة هلال العيد، دخول أشخاص من خارج تلك الجبهة، يعرف بعضهم بأنه يعكس توجهات ورغبات حكومية.
فإذا صحت هذه القراءة، فهو خطأ استراتيجي جسيم. لأن المرجعية التقليدية اشتهرت بأنها ترسخ في نفوس مقلّديها قيم الانتماء والولاء لأوطانهم، وتخلو من الطموحات والتطلعات السياسية، وهي بذلك تساهم في تحقيق الاستقرار الوطني والإقليمي... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

[email protected]