تَتسارع في بيروت مَظاهر تَشقُّق الاستقرار السياسي إثر صدمات سلبية متتالية مُني بها المناخ الإيجابي الذي أعقب إجراء الانتخابات النيابية في 6 مايو الماضي وتكليف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة بـ «نعم» كبيرة من البرلمان، الأمر الذي باتت معه البلاد وكأنها أمام مرحلة بالغة الصعوبة «أول الغيث» فيها دخول عملية تأليف الحكومة بازاراً تصاعُدياً من الشروط المتبادلة في الداخل يُخشى أن يطيل أمَد المراوحة ودخول الوهج الاقليمي للمتغيرات المطردة في المنطقة على خط رسْم التوازنات الجديدة في لبنان.
وآخر مَظاهر «التفلت» السياسي في بيروت هو انكشاف فصول جديدة اعتُبرت في سياق استرهان «حزب الله» للدولة ومؤسساتها في حدَثين منفصلين، ولكن في توقيت واحد، أحْدثا صخباً من المرجّح ان يتفاعل في الأيام المقبلة، أوّلهما القرار المثير للجدل بإعفاء الإيرانيين من ختم جوازات سفرهم دخولاً وخروجاً من لبنان، والثاني اتهام مجلة أميركية للخارجية اللبنانية بالعمل لمصلحة «حزب الله» عبر إعاقة تسليم متهَم بتبييض أموال مخدرات ومرتبط بالحزب في الباراغواي الى السلطات الأميركية.
وما جعل هذين التطورين يكتسبان أبعاداً بالغة الحساسية استدعت توضيحات، زادت الالتباس من كلّ من «الأمن العام» اللبناني ووزارة الخارجية، أنهما جاءا في اللحظة التي لم يجفّ بعد الكلام النافر لقائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال قاسم سليماني عن «النصر الانتخابي» لـ «حزب الله» عبر كتلة الـ 74 نائباً وعن «الحكومة المقاوِمة»، كما انكشفا في عزّ المعركة التي أطلقتْها الخارجية اللبنانية بوجه المجتمع الدولي على خلفية ملف النازحين السوريين، وأيضاً «على وهج» فضيحة مرسوم تجنيس نحو 400 شخص غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين وبينهم مجموعة من الأثرياء و«الأذرع» الاقتصادية والمالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وعبّرت أوساط سياسية عبر «الراي» عن خشيتها البالغة من تعاظُم الإشارات التي تُظهِر لبنان وكأنّه بات «في الجيْب» الإيراني وذلك في عزّ «العين الحمراء» الأميركية - الخليجية على «حزب الله» والتي تبرز مخاوف من أن يؤدي الإمعان في التماهي بين المؤسسات اللبنانية والحزب إلى تمدُّدها في اتجاه الدولة وتالياً إفقاد البلاد «مظلة الأمان» التي يحتاج إليها والتي شكّلت حتى الساعة «بوليصة التأمين» بإزاء الوقائع اللاهبة في المنطقة.
واستغربت هذه الأوساط أن يكون قرار بمستوى إعفاء الإيرانيين من ختم جوازات السفر اتُخذ عبر السفارة في إيران والأمن العام من دون أي قرار على مستوى وزاري أو رسمي عالٍ بذلك، لافتة الى ان توضيح الخارجية جعلها مجرّد «صندوق بريد» في مسألة بالغة الحساسية، ومشيرة الى أن ثمة مَن «يلعب بالنار» في لبنان وفي علاقاته مع المجتمعين العربي والدولي في توقيتٍ «ملغوم» تحتاج فيه البلاد الى تشكيل شبكة أمان قوية وتشكيل حكومة تكون بمثابة «مانعة صواعق» بإزاء الآتي في المنطقة وتوجّه رسالة بأن لبنان لم يسقط في الحضن الإيراني بالكامل.
وحجب الضجيج الكثيف حيال ملفيْ جوازات الإيرانيين ومبيّض الأموال لمصلحة «حزب الله» في الباراغوي الأنظار عن مسار تأليف الحكومة، الذي يترنّح بين توقعات بأن يبقى عالقاً لفترة غير قصيرة في شِباك التعقيدات الداخلية والخارجية، وبين أن يكون المناخ المتفجّر الذي ساد البلاد في الأيام الأخيرة على «جبهات عدة» على طريقة «اشتدي أزمة تنفرجي»، وسط إشاراتٍ تهْدوية على «محور» علاقة زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وفريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع إعلان «هدنة» بعد «حربٍ كلامية» شعواء انطلقت على خلفية الخلاف حول ملف النازحين السوريين وحصة تكتل جنبلاط في الحكومة الجديدة، فيما برزت ملامح مرونة حيال عقدة حصة حزب «القوات اللبنانية». ويُتوقّع أن تشكّل عودة الرئيس الحريري الى بيروت بعد عطلة العيد في المملكة العربية السعودية اختباراً فعلياً لاتجاهات الريح حيال الملف الحكومي، علماً ان زعيم «المستقبل» لعب دور «الإطفائي» على خط العلاقة بين جنبلاط وفريق عون.
لتعطيل «رادار» التعقبات الدولية أم للتغطية على «شبهة» زيارة بيروت؟
إرباك لبناني في تبرير «القرار المفاجئ» بإعفاء الإيرانيين من ختْم جوازاتهم
| بيروت - «الراي» |
تكشّفتْ في بيروت تباعاً الفصول المثيرة للقرار المباغت الذي اتّخذه لبنان بعدم ختْم جوازات الإيرانيين لدى دخولهم أو خروجهم من مطار رفيق الحريري الدولي وسائر المعابر الحدودية، وهو التطوّر الذي أحْدثَ ضجة كبيرة في البلاد نظراً إلى دلالاته السياسية والأمنية وتداعياته المحتملة على صورة لبنان في الخارج وعلاقاته الدولية ولا سيما في ظل العقوبات على طهران وكياناتٍ فيها وعلى أذرعها في المنطقة كـ «حزب الله». وفيما طغى في بيروت «تفسيرٌ» سياسي لهذه الخطوة، التي أربكتْ رسميين لبنانيين واستدعتْ نأي وزارة الخارجية بنفسها عنها، وَضَعها في سياق التسهيلات الأمنية للإيرانيين وتعطيل «رادار» التعقّبات الدولية ضد أي مواطن أو مسؤول إيراني مُلاحَق دولياً، اقتصر التعليق الرسمي على هذا التطور البارز على 3 قنوات صدرت عنها إشارات متناقضة في جوهرها وإن تلاقت عند تأكيد أن الإجراء يعفي من وضْع الأختام على جوازات السفر ويستبدلها بوسْمها على بطاقاتٍ منفصلة. وهذه القنوات هي:
• المديرية العامة للأمن العام التي أكدت في بيان «النفي والتأكيد» الآتي: «تناول بعض المواقع الالكترونية خبراً عن إلغاء ختم الدخول والخروج للمسافرين الإيرانيين الوافدين إلى لبنان. ان هذا الخبر عار من الصحة، وتؤكد المديرية أنها تعتمد إجراء متاحاً أمام رعايا عدد من الدول الوافدين إلى لبنان وللراغبين منهم بتوشيح أختام الدخول والخروج على بطاقات مستقلّة ترفق بجوازات سفرهم».
• وزارة الخارجية اللبنانية التي أعلنت انه «إزاء المعلومات المتداولة عن السماح للرعايا الإيرانيين من دخول لبنان من دون ختم جوازات سفرهم على المعابر الحدودية، يهمّ الوزارة أن توضح للرأي العام أن هذا الإجراء هو من صلاحيات الأمن العام اللبناني وهو مَن اتّخذ قرار ختْم بطاقة الدخول بدل الجواز، وينحصر دور (الخارجية) بالابلاغ عنه فقط لا غير».
• تأكيد السفير اللبناني في طهران حسن عباس أن السفارة هي التي اقترحتْ على «الأمن العام» أن يُطبّق على الايرانيين الذين يرغبون في ذلك أن يحصلوا على ختم دخولهم الأراضي اللبنانية على بطاقة منفصلة من دون أن يكون هذا الختم على جواز سفرهم، موضحاً أن هذا التدبير يُطبّق على من يملكون جواز سفر «سلطة فلسطينية» لأن جوازات هؤلاء تحمل ختم السلطات الاسرائيلية.
وإذ كشف عباس (لموقع IMLEBANON) أن السفارة اللبنانية تبلّغت قبل يومين موافقة الأمن العام «مشكوراً وسنبلغ الموافقة للخارجية الايرانية بعد عيد الفطر»، عزا حيثيات الخطوة إلى أسباب «سياحية»، موضحاً «أن بعض الايرانيين ممن يريدون زيارة لبنان يتجنبون وضع ختم لبناني على جواز سفرهم الايراني خصوصاً إذا كان يرغبون لاحقاً في زيارة أميركا أو أوروبا، ومن هنا، أعطيت لهم امتيازات الحصول على ختم الأمن العام على (بطاقة منفصلة) غير جواز السفر»، ومضيفاً: «السفارة اللبنانية في إيران تتلقى مراجعات عديدة من ايرانيين يملكون جوازات سفر الى أوروبا وأميركا ويريدون زيارة لبنان لكن دخولهم قد يسبب لهم مشاكل مع هذه البلدان، وهم يخافون من هذا الأمر لأسباب معروفة للجميع، لذلك، وتشجيعاً للسياحة تم اقتراح هذا الاجراء».
وفيما رَبَط الكاتب والمحلل السياسي الإيراني المعارض أمير طاهري هذا الإجراء بما قاله قبل أيام الجنرال قاسم سليماني من «أنّ لبنان أصبح دولة مقاومة»، مقابل اعتبار المحلل السياسي الإيراني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط رامان غفامي «ان هذا الإجراء يسهل على عناصر الحرس الثوري الإيراني والقادة العسكريين تجنب العقوبات الأميركية»، رأت صحيفة «واشنطن تايمز» أنّ «حزب الله» حوّل مطار بيروت «مركزا لتهريب المخدرات والسلاح والمقاتلين، بما يخدم إيران وهو يستغل نفوذه لتسهيل سفر المسلحين الإيرانيين من مناطق الصراع، مثل سورية إلى إيران والعكس».
الوزارة اكتفتْ بأن التقرير عن «مبيّض الأموال» في الباراغواي... «غير دقيق»
«فورين بوليسي» تتّهم «الخارجية» اللبنانية بالتواطؤ مع «حزب الله»
| بيروت - «الراي» |
تردّد في بيروت الصدى السلبي الذي ترَكه تقريرٌ لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية اتّهم وزارة الخارجية اللبنانية بإعطاء الأولوية للدفاع عن مصالح «حزب الله» انطلاقاً من محاولة القائم بالأعمال بالسفارة في الباراغواي الحؤول دون تسليم لبناني متهَم بغسل الأموال لمصلحة الحزب إلى السلطات الأميركية.
وأشار التقرير الذي جرى تداوُله في بيروت الى أن السفارة اللبنانية في الباراغواي تحاول منع تسليم نادر محمد فرحات المتهَم بتمويل «حزب الله»، كاشفاً أن «الباراغواي تضمّ على أراضيها عملية كبيرة ومتنامية تابعة لـ«حزب الله»لتبييض الأموال، عند منطقة الحدود الثلاثية حيث تتقاطع الباراغواي مع الأرجنتين والبرازيل، ويتورّط عناصر الحزب في البلاد، بصورة متزايدة، في الطفرة المحلية التي تشهدها تجارة الكوكايين»، ولافتاً الى ان التحقيقات الفيديرالية تكشف الآن النقاب عن مخططات إجرامية بقيمة مليارات الدولارات يُديرها «حزب الله».
وأضاف التقرير: «لم يكن مفاجئاً أن يعمد الحزب إلى الرد من طريق تعزيز نفوذه المحلي، إلا أنه لم يكن متوقّعاً أن يفعل ذلك من خلال السفارة اللبنانية التي تُعتبَر، من الناحية التقنية، ذراعاً من أذرع مؤسسات الدولة التي تسعى واشنطن إلى تعزيزها بغية التصدّي لـ(حزب الله)». ففي 17 مايو الماضي، في حين كانت وزارة الخزانة الأميركية تعلن عن عقوبات جديدة على«حزب الله»، دهمت السلطات في الباراغواي مركز صرف العملات Unique SA في مدينة سويداد ديل إستي في جهة الحدود الثلاثية الواقعة داخل أراضي الباراغواي، وقامت بتوقيف فرحات، مالك مركز الصيرفة، على خلفية دوره في مخطط مزعوم لتبييض 1.3 مليون دولار من أموال المخدرات. وفرحات متّهم بالانتماء إلى أحد فروع«منظمة الأمن الخارجي»التابعة لـ«حزب الله»ومهمّته إدارة التمويل غير الشرعي في الخارج وعمليات تجارة المخدرات.
وأورد التقرير ان السلطات الأميركية تطالب بتسليمها فرحات «في مؤشر واضح جداً عن أن أنشطته في مجال تبييض الأموال طالت المنظومة المالية الأميركية. غير أن الحكومة اللبنانية تسعى إلى منع ترحيله. ففي 28 مايو، وجّه القائم بالأعمال اللبناني في العاصمة أسونسيون، حسن حجازي، رسالة إلى النائبة العامة في الباراغواي يلمّح فيها إلى أنه يجدر بها رفض الطلب الأميركي بترحيل فرحات». واعتبر التقرير «أن التدخل في العملية القانونية في البلد المضيف هو خرق للبروتوكول الديبلوماسي، ومؤشر واضح الى أن الخارجية اللبنانية تُقدّم مصالح«حزب الله»على مصالح لبنان»، مضيفاً: «على«أسونسيون»إعلان أن حجازي غير مرغوب فيه، وأن تعيده من دون مراسم إلى لبنان». خطوة كهذه تبعث رسالة واضحة إلى رئيس حجازي، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل: يمكنك أن تحصل على دعم من الولايات المتحدة، أو أن تزايد على«حزب الله». ولكن لا يمكنك أن تفعل الأمرين معاً في الوقت نفسه وتفلت من العقاب. وعلى الولايات المتحدة أن تقدم تطمينات إلى الباراغواي بأن معاقبة الديبلوماسي وتسليم الجاني هما المسار الصحيح للعمل.
وردّت الخارجية اللبنانية في بيان لها بأن «المقال... غير دقيق، حيث ان من واجبات الديبلوماسي متابعة الشؤون القنصلية لأبناء الجالية، كما أن مضمون المقال لجهة ربط تدخل القائم بالأعمال بالوكالة في هذه القضية ووزير الخارجية غير صحيح ولا يمت إلى الواقع».