هل يفْتعل وزير الخارجية معركةَ إعادة النازحين
بالنيابة عن «حزب الله»؟
عِوَض أن تكون فترة ما قبل عيد الفطر أشبه بـ «كاسحةِ ألغامٍ» تمهيداً لوضْع ملف تأليف الحكومة بَعْده على سكّة الحسْم، إذ بها تتحوّل «حقلَ ألغامٍ» آخِذ في الاتّساع في ظلّ عناوين على شاكلة «قنابل موقوتة» لا يكاد أحدها أن «ينفجر» ليَبْرز آخر «يأكل» من وهْجه، ما يضع لبنان أمام مرحلةٍ من الغموض يمكن إسقاط تفسيرات عدّة لها إذا قيست بـ «ميزان» التحوّلات في المنطقة وأزماتها اللاهبة.
فلم تكن هدأتْ «العاصفة» التي أثارها مرسوم تجنيس المئات من جنسيات عربية وغربية بينهم مجموعة من رجال أعمال وأثرياء سوريين من الحلقة الضيّقة للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وهو الملف الذي «فُتحت عيون» الخارج عليه بقوة نظراً إلى أبعاده السياسية والمالية والاقتصادية، حتى بدا تشكيل الحكومة في «مرمى النيران» التي اشتعلتْ على 3 جبهات يُخشى أن تترك «تشظيات» على عملية التأليف المحكومة أساساً بتريُّثٍ لاعتباراتٍ داخلية وربما ذات صلة باستشراف «أول خيوط» المسارات الجديدة التي تتم «حياكتها» في المنطقة... ولها.
وهذه الجبهات هي:
? «المعركة» التي أطلقها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بوجه المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان بتجميده طلبات الإقامة المقدّمة الى الوزارة والموجودة فيها لمصلحة المفوضية التي اتّهمها بـ«تخويف» النازحين من العودة إلى سورية.
وسرعان ما استدرج القرار «العقابي» الذي اتّخذه باسيل اشتباكاً مع رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه نظراً للتداعيات التي يمكن ان يرتّبها على صعيد علاقة لبنان مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي تشكّل أحد ركائز الدعم الخارجي لبلاد الأرز وأحد عناصر «مظلّة الأمان» لجبهته الجنوبية عبر قوة «اليونيفيل»، ناهيك عن دلالات هذا «التفرُّد» لجهة القفز فوق رئاسة الوزراء والإيحاء برسْم وتنفيذ سياسة حيال ملف النازحين بمعزل عن الحكومة. علماً أن أوساطاً مطلعة اعتبرتْ ان باسيل بـ «اندفاعته الهجومية» في «لحظةٍ رخوة» في بيروت، أي في ظل حكومة استقالَتْها الانتخابات وحكومة لم تولد بعد، كرّس عودة النازحين كأولوية الأولويات للحكومة المقبلة.
وكان لافتاً أن الحريري الذي التقى المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان بالإنابة برنيل كارديل، أبلغ الى باسيل معارضته لهذا الإجراء وطلب منه سحْبه وفق ما أكد مستشار رئيس الحكومة لشؤون النازحين نديم المنلا الذي اعتبر ان ما قام باسيل «احادي الجانب ولا يعكس سياسة الحكومة»، قبل ان يعلن وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي (من فريق الحريري) ان «قرار باسيل لا يلزم أحداً»، لافتا إلى انه لا توجد منطقة آمنة في سورية لعودة النازحين، وداعياً المجتمع الدولي «لفرض عقوبات على باسيل بعد قراره»، ومتحدثاً عن مشكلة افتعلها الأخير «بشكل هميوني كأنه الآمر الناهي في البلد... وهو يتصرف بطريقة طائفية كعادته بشكل يورّط البلد بتوترات أقلها قد تؤدي الى حرب أهلية».
غير أن أوساطاً سياسية في «8 آذار»، أي القوى الموالية للنظام في سورية وإيران، فاخرتْ بجرأة باسيل في «إعلانه الحرب» على مفوّضية اللاجئين وسياساتها حيال النازحين، وهو ملفٌ ذو طبيعة إقليمية - دولية يحتاج تحريكه إلى رافعةٍ يحاذر «حزب الله» تَصدُّرها تفادياً لإفساد النتائج المأمولة من ذلك.
فما هو غير معلَن في حملة الضغوط لإعادة النازحين كيفما كان، أن النظام السوري يريد إفقاد المجتمع الدولي ورقةً يمكن استخدامها إما للتشكيك بجدوى انتخاباتٍ رئاسية في سورية ما دام ملايين السوريين خارج بلادهم وإما لحض النازحين على الاقتراع لغير مصلحة الأسد وتالياً لا بد من استعجال عودتهم.
وفي تقدير أوساط متابعة أن باسيل تطوّع للعب دور رأس حربةٍ بمعركةِ إعادة النازحين من خارج خريطة الطريق الأممية لأسباب ترتبط بتفاهماتٍ مع «حزب الله» الذي كان أمينه العام السيد حسن نصر الله التقى باسيل بعيد الانتخابات النيابية، في اجتماعٍ أعيد خلاله تثبيت التحالف بين الطرفين وما ينطوي عليه من تعهداتٍ متبادلة.
وتذكّر الأوساط بأنه قبل سنة تماماً، أي في رمضان الماضي، كان باسيل حصل على تَعَهُّدٍ من نصر الله في اجتماعٍ سبق الإفطار الرئاسي بأيام، بدعْمِ وصوله إلى رئاسة الجمهورية خلفاً لعمّه الرئيس ميشال عون تماماً كما التعهّد الذي كان قَطَعَه نصر الله لعون بإيصاله للقصر الرئاسي.
? خروج «الجمر» مجدداً إلى «فوق رماد» العلاقة بين الرئيس عون ورئيس البرلمان نبيه بري على خلفية صدور مرسوم في 29 مايو الماضي (أي في مرحلة تصريف الأعمال) بتعيين 32 قنصلاً فخرياً، حاملاً توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية ومن دون توقيع وزير المال علي حسن خليل.
وجاءت هذه الخطوة «عكس سير» المناخ الإيجابي الذي كانت استعادتْه أخيراً علاقة عون وبري بعد أزمة مرسوم الأقدميّة للضباط والتي رفع فيها المكوّن الشيعي عنوان «التوقيع الميثاقي» لوزير المال (يريد هذا المكوّن تكريسه للشيعة) في السلطة التنفيذية على كل المراسيم بصرف النظر عما إذا كانت ترتب أعباء مالية مباشرة وآنية او لا.
وأثارت أوساط قريبة من بري و«حزب الله» أن مرسوم القناصل إضافة لإغفاله توقيع وزير المال تَجاوَز مكوّناً أساسياً (أمل وحزب الله) في ما خص الأسماء الشيعية التي تضمّنها، وصولاً إلى إعداد خليل رسالة سيوجّهها الى سفارات الدول حيث جرى إنشاء قناصل فخرية فحواها أنّ المرسوم «موضع إشكال دستوري وتشوبه عيوبٌ كثيرة» متمنياً «عدم قبول اعتماد القناصل المُعينين لديكم».
? الهجوم المتجدّد الذي شنّه نصر الله على دول الخليج والسعودية، ما ترك علامات استفهام حول تداعياته على صورة لبنان ما بعد الانتخابات والتي ترسّخت في عيون الخارج على أن البلاد «فقدت تَوازُنها» وانزلقت إلى ملعب «حزب الله».
نصر الله لبوتين: الأسد وحده يطلب منّا الخروج من سورية
| بيروت - «الراي» |
لم يكن عادياً او عابراً إعلان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «أننا أَوْصلْنا الى الرئيس (السوري) بشار الأسد أنه عندما ترى القيادة السورية أن لا مكان لـ«حزب الله»في سورية سنكون سعداء بأننا أَنْجزْنا المهمّة»، لافتاً الى أنه «لو اجتمَع العالم كله ليفرض علينا ان نخرج من سورية فلن نخرج إلا بطلبٍ من قيادتها».
ورغم ان كلام نصر الله بهذا المعنى ليس الأول، لكنه ينطوي في رأي أوساطٍ على درايةٍ بمواقف «حزب الله» على ردّ ضمني على ما ذهَبَ إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيراً حين دعا لضرورة إخراج القوات الأجنبية من سورية، في إشارةٍ لم تستثنِ إيران والميليشيات الموالية لها.
وثمة مَن يعتقد أن أزمة الثقة بين روسيا وأطراف «محور الممانعة» بقيادة إيران، ومن بينها «حزب الله»، تتّسع في ضوء موقف بوتين وفتْح روسيا المجال الجوي السوري أمام الطائرات الاسرائيلية التي أَكْثَرَتْ من غاراتها على مواقع «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» في أنحاء مختلفة من بلاد الشام.
واللافت في هذا السياق ان ملابسات انتشار وحدات من الشرطة الروسية قبل أيام في بعض المناطق على الحدود اللبنانية - السورية وخصوصاً عند بلدة القصير السورية التي حوّلها «حزب الله» قاعدةً لترسانته العسكرية لم تتّضح وأثارت تكهنات كثيرة حول مغزاها وارتباطها بتعهّدات روسيا لاسرائيل للحدّ من انتقال السلاح الإيراني الى لبنان.