معالجة نفسية

العبرة أم القدوة؟!

1 يناير 1970 07:32 ص

ينقل ابن غاندي، ذلك الانسان المتميز، قصة عن حياته مع والده ملخصها أنه يوماً ما كذب عليه في موضوع تصليح السيارة، وحين اكتشف غاندي الكذبة، تصور الابن أنه سوف يعاقبه، لكنه تفاجأ بأن الأب سكت وقرر أن يذهب المسافة الطويلة من محل التصليح الى المنزل مشياً على الاقدام وابنه يسير خلفه بالسيارة، ربما يغير الاب رأيه ويصعد معه لكنه أجابه بأنني أريد أن أمشي وأفكر أين أخطأت في تربيتك ما جعلك تكذب. حين شاهد الابن هذا الاهتمام العظيم من والده في موضوع الصدق جعله قدوة له وقرر ألاّ يكذب مدى الحياة.
وحين أقابل في العيادة النفسية رجالا يضربون زوجاتهم، غالباً ما يقولون والدي كان عنيفاً معنا ومع أمي وكنا شهوداً على ضربه العنيف لها، ورغم أنني كنت أتألم شديد الألم لذلك، وكنت افكر أنني لن استخدم هذه الطريقة مع زوجتي وابنائي إلاّ أنني أجد نفسي عاجزاً عن اختيار سلوك غير ذلك لأنني لم أتعلم في طفولتي كيف اتصرف بطريقة غير الضرب والعنف وكذلك الحال مع من تعرض لقسوة والدته وضربها العنيف له.
حين يعترض المختصون وعامة الناس على السلوكيات البذيئة والعنف واللاأخلاقية في المسلسلات التلفزيونية، غالباً يكون الجواب هو أننا نريد أن نبين للناس قبح السلوك السيئ واللاأخلاقي واشمئزاز الناس منه كي يكون عبرة لمن يشاهد ويمارس هذه السلوكيات فيتوقف عنها. ثم اننا في نهاية المسلسل بعد ثلاثين حلقة، نبين أن الشخص البذيء خاسر وأن الخلوق هو الناجح فيكون قدوة للناس.
بالطبع لا أظن أن المخرجين والممثلين ووزارة الاعلام ينوون هدم المجتمع وهدم الاخلاقيات ولا بد أنهم يعلمون من دون شك بأن تفشي الفساد الأخلاقي والسلوكي كالطاعون سوف يؤثر عليهم وعلى عوائلهم أيضاً. وبالتالي لا بد أن نيتهم ليست الدمار والخراب بل يهدفون إلى الإصلاح... لكن السؤال هو: هل هذه الطريقة مجدية؟ وهل العبرة أفضل أم القدوة الحسنة؟ وهل الناس سوف تعتبر أم سوف تتخذ الشخص السيئ قدوتها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة يجب التنويه الى النقاط التالية:
1 - الناس غالباً تعرف هذا قبيح وهذا جميل. وتعرف كيف تمارس القبح لأنه أسهل على الانسان ان يغضب ويعنف ويشتم ويسخر من ان يضبط نفسه ويفكر ويختار السلوك الأنسب. اذا الانسان يحتاج إلى تعلم كيف يكون جميلاً، فهو يعرف بالغريزة كيف يكون قبيحا.
2 - الكثير من الناس خصوصاً الشباب والمراهقين، يفقدون التفكير العواقبي، أي التفكير في نتيجة السلوك السيئ ويهمهم النتيجة الانية، فالصبية ترى في المسلسل أن البنت التي تشتم أمها وتصرخ عليها تعمل ما تشاء ولا يتجرأ أحد أن يمنعها خوفاً من سلاطة لسانها، ومهما كانت النتيجة في الحلقة الأخيرة لا يهم، المهم الان ماذا أحصل وأي طريقة هي الطريقة الأقرب لتحقيق أهدافي.
3 - حين تكرر كلمات وأسلوب تعامل سيئ على مدى ثلاثين حلقة، فأنت تمارس طريقة غسل الدماغ، وبالتالي تغرس وتنشر الفاظاً في المجتمع يمارسها الناس من دون وعي وتغير بذلك سنوياً لغة المجتمع.
لهذه الاسباب وأسباب كثيرة أخرى نتمنى من العاملين على هذه المسلسلات وقفة مسؤولة تجاه دورهم التربوي العظيم في المجتمع.

 [email protected]