«لست خائفاً على الشعر رغم أن الجيل الجديد يفضل الإنترنت»
حوار / الشاعر اللبناني محمد العبدالله: قضايانا الكبرى... نزاعاتنا!
1 يناير 1970
07:00 ص
| بيروت - من محمد دياب |
حين تقابله تشعر بأنك تقف قبالة تاريخ من الثقافة والكتابة والشعر. انه محمد العبدالله الشاعر الذي حمل هموم ريفه وأتى محملاً الى المدينة بأحلام الحرية والديموقراطية في زمن الثورة الجميل. واحد من شعراء جيل السبعينات، يتمتع بخفة ظل لا يمكن ان يمحوها الزمن الذي نال من جسده.
نادراً ما يخرج من المنزل، يعاني آلام الظهر، وربما آلام الخيبات التي لحقت بأحلامه، وأحلام جيله بعدما امضى اربعين عاما في الكتابة. له العديد من المؤلفات. كتب القصيدة المقفاة والنثرية، وكذلك القصيدة العامية التي غناها عدد من الفنانين، كمارسيل خليفة وأميمة الخليل. وترجمت احد اعماله مسرحاً. التقته «الراي» في احد المقاهي البيروتية وكان هذا الحديث:
• كيف كرّست نفسك شاعراً للمرة الاولى ومتى؟
- كنت احب الشعر، ولكن كتبت للمرة الاولى لمناسبة مهرجان اقيم للشعر في الجامعة، وكان ذلك على سبيل التسلية من اجل المشاركة في المهرجان العام 1970. وكان معي اصدقاء اصبحوا في ما بعد شعراء مرموقين، كشوقي بزيع وحمزة عبود وبول شاوول، وصدفة حازت قصيدتي جائزة. ولعل هذه الجائزة اثّرت فيّ. في العام التالي، شاركت في المهرجان نفسه بقصيدة جديدة، فحازت جائزة ايضاً. من هنا تابعت الشعر. وكان الجو آنذاك مفعما بمختلف انواع التعبير، من مسرح وشعر وسياسة.
• جيل السبعينات استفاد من صعود القضية الوطنية والفلسطينية الى الواجهة، هل استفدت انت ايضاً من هذه القضية؟
- ارجو ان تكون القضية هي التي استفادت، فما وجه الفائدة التي نأخذها نحن من القضية الفلسطينية عندما يحترق البلد كله من اجلها. الواقع انها خلقت مناخا نستطيع تسميته بالثوري عبر رموز وأيقونات كغيفارا والاتحاد السوفياتي والاشتراكية. العالم كان منقسما خصوصاً منطقتنا، وتحديدا لبنان الذي لجأت اليه القضية الفلسطينية بعد 1970 فعززت هذا المناخ. اعتقد ان من الخطأ القول ان القصيدة استفادت، بل تأثرت بهذا المناخ.
• كتبت الشعر والمسرحية، ايهما اقرب اليك؟
- لدي مسرحية وحيدة هي مصرع «دون كيشوت» من اخراج رضوان حمزة. هي اساسا شعر ولكن في شكل مسرحي لان بنية القصيدة بنية مسرحية. كتبت مسلسلا اذاعيا ومسرحيتين اخريين واحدة نشرت في مجلة الطريق والاخرى لم تنشر بعد.
• ما سبب عدم ظهورك على الصفحات الثقافية اللبنانية في شكل دائم كما هي حال سائر الشعراء؟
- الشعراء الآخرون يشـتغلون في الصحف، وما زال عندي بعض المساهمات في جريدة «السفير» من وقت الى اخر. كانت لدي مساهمات اخيرا في مجلة «زهرة الخليج» استمرت عامين ونصف عام ثم انقطعت. لكنني قليل الظهور لأنني لا اطلب من احد ان يستضيفني.
• في احدى قصائدك من ديوان «زهرة الصبار»، تقول ان كل شيء هباء، هل هذا ما توصلت اليه بعد اكثر من ثلاثة عقود من الكتابة.
- هذه حال من احوال الشاعر. احياناً قد يشعر العاملون في الكتابة بأن كل شيء هباء اكثر من الانسان العادي. ولكن ليست كل القصائد هباء.
• كتبت القصيدة العامية في موازاة القصيدة الفصحى، ايهما اصعب؟ وما اهمية القصيدة العامية؟
- في مكان ما كي تصبح العامية قصيدة قد تكون اصعب، وأهمية القصيدة العامية هي الانتشار. العامية لهجة من اللغة حاضرة وضرورية، وهي اكثر جماهيرية من الفصحى.
• كيف ترى تيار قصيدة النثر وما رأيك فيها؟
- قصيدة النثر موجودة وتتجه كي تصبح غالبية في التعبير الشعري. أما اهميتها فتتفاوت من شاعر الى آخر. في كل كتاب عندي ثمة عدد من قصائد النثر طويلة وقصيرة، وخصوصاً في المجموعة قبل الاخيرة. المتاريس مرفوضة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر.
• بعد هذا العمر الطويل في الكتابة، على ماذا انت نادم؟
- اود استبدال تعبير الندم بتعبيرات اخرى، فحين اعيد قراءة ما كتبت قد اقول انني لن اكتبه الان، لكن هذا تاريخ خاص بي الآن ولا يستدعي الندم.
• يمتاز شعرك بخفة الظل واللغة السهلة الممتنعة، هل خفة الظل هذه سببها الألم الذي يولد السخرية، ام انك متفائل عموما؟
- الاثنان معاً. عندما تقسو الحياة، وهي قاسية في منطقتنا، يصبح المرح ضرورة تعبيرية ونفسية كشكل من اشكال المقاومة. نحن نعبر عن الحزن، ولكن اذا استغرقنا في الحزن فسنصل الى ابواب مسدودة، لذلك لا بد من المرح، وهذا المرح يستخدم في الشعر وغير الشعر، عند المثقفين وغير المثقفين. الشعب يلجأ الى النكتة للتخفيف من قسوة الحياة خصوصا في مراحل معينة مثل الازمات والحروب. واذا راجعنا سلسلة الطرائف والنوادر التي قيلت بعد النكسات، يتبين لنا ان الانسان يدافع عن نفسه بشيء من المرح.
• لماذا غابت القضايا الكبرى عن الشعر الآن؟
- ليس اكيدا ان الشعراء هجروا القضايا الكبرى، لكن التوجه بات نحو الحياة اليومية بتفاصيلها لأن القضايا الكبرى اصيبت بخيبات كبرى. القضايا الكبرى خصوصا على الصعيد الداخلي وخارج اطار الصراع العربي - الاسرائيلي اصبحت دموية، اي انها تحولت شكلا من اشكال الحروب الاهلية. فكيف بات يمكن تناولها؟ في زمننا لم يكن الصراع على هذا النحو ولم تتم التعبئة بهذا الشكل، وعندما تصل القضايا الكبرى الى هذا المستوى لا تعود كبرى، وبالتالي لا تعود مصدر الهام للشعراء، فينصرف هؤلاء الى شؤونهم لان الحياة مفتوحة على الهموم. الشعوب الاخرى ارتاحت من القضايا الكبرى، لكن المؤسف ان العدو الاسرائيلي لا يزال يحرك قضايانا داخلياً وخارجيا في شكل بالغ القسوة كما حصل اخيرا (حرب يوليو 2006). الشعوب الاخرى كما في اوروبا لا تعاني مشاكل داخل اوطانها، اذ لم يعد هناك احتلال نازي ليكتب سارتر وأراغون وسواهما عن القضايا الكبرى. القضايا التي بات يتناولها الشعراء هناك هي قضايا انسانية، وقد تكون كبرى. اما نحن فما زلنا في حال نزاع، والمناخ العربي الآن يعاني انقسامات عديدة لم تعد مصدر الهام.
• هل انت خائف على مستقبل الشعر؟
- سأعطيك جواباً عملياً. آخر كتاب وصلني لا تزال صفحاته ساخنة للشاعر الكويتي الصديق عبد المانع الصوان، وصودف ان عنوانه «الموت اطول عمراً من الحياة». هذا كتاب صدر البارحة، وغداً ستجد ان هناك عشرات الدواوين الجديدة اضافة الى العديد من الندوات والأمسيات الشعرية، وبالتالي الشعر ما زال حاضراً. كذلك، كلما استمعت الى اغنية يخرج لك الشعر وبالتالي لست خائفا على الشعر. ولكن لا اخفي ان قراءة الشعر تراجعت كثيراً، وهذا ليس سببه رداءة الشعر، بل وجود وسائل اخرى باتت تغني عن الكتاب. صحيح ان الشعر يتمظهر في المسرح والسينما والاغنية، لكن الاجيال الجديدة باتت تفضل الجلوس على الانترنت بدل الجلوس خلف كتاب. كما ان الشعر الذي يكتب الآن على درجة من الغموض لا يتحملها الجيل الجديد الذي يفضل السرعة. ولكن في دائرة المثقفين ستجد دائما الندوات والأمسيات، وقبل فترة صدرت موسوعة شعرية احصى الجزء الاول منها فقط 1600 شاعر عربي.