تقول أغنية شهيرة للراحل طلال مداح «فقبلتها تسعاً وتسعين قبلة وواحدة أخرى وكنت على عجل».
وإذ يبدو الرقم كبيراً للوهلة الأولى، إلا أن اقتراب حلول شهر رمضان أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات يلوح بسهولة تجاوز هذا الرقم من القبلات بين المهنئين في الأيام الثلاثة الأولى. وهذا التجاوز بعضه طوعي ومعظمه قسري بسبب ثقافة البؤس الاجتماعي المتمثّلة بالبوس الذي لا نملك حياله إلا أن ندير خدنا الأيسر لمن قبّل خدنا الأيمن. وسواء كنت تحب هذا الشخص أو تكرهه، «حتتباس يعني حتتباس».
البوسة أو القبلة - وهي تلامس الشفاه بأي شيء كف أو جبين أو خد، والبعض يؤديها بتلامس الخدين فقط، فيما يؤديها البعض صاكة والبعض بصوت يسمعه القاصي والداني - لها عاداتها ودلالاتها وثقافتها التي تختلف من مجتمع لآخر... بين مجتمع يستهجن التقبيل بين الجنسين وآخر يستهجن التقبيل بين الجنس الواحد. كما تختلف من جنس إلى آخر، فقبل الرجال تختلف تماماً عن قبل النساء.
هذا باختصار بعدها الاجتماعي، أما بعدها النفسي، فيكمن في تعبيرها عن مشاعر الحب والعاطفة والمودة والاحترام والتحية والصداقة والسلام وأشياء أخرى كثيرة، لكنها قد تظهر عكس ما تبطن فـ «مو كل من يبوس خدك يدانيك»، وهي كأي شيء إن زادت عن حدها انقلبت ضده، فربما هي اقتراب من حدود منطقة شديدة الخصوصية أو مسافة لا يستحب ولا يستوجب تجاوزها إلا من النخب المقربة وأقارب الدرجة الأولى وفق شروط وضوابط الارتياح أو الانشراح لا أن يكون على الخد بوسة وفي الظهر سكينة!
وقد تتجاوز القبلة الأعراف والتقاليد، وربما البروتوكولات، بمثل ما اشتهر به سابقاً الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأخيراً وليس آخراً البعد الصحي الذي يتيح انتقال سلة الجراثيم والبكتيريا وال?يروسات من المقبِّل إلى المقبَّل، خصوصاً إذا كانت مناعة الأخير ضعيفة، وهو ما يفسر اعتزال بعض كبار السن المناسبات الاجتماعية أو ذهاب البعض لتأدية واجبات العزاء أو التهنئة مرتدياً الكمام. ورغم تزايد وعي بعض الأجيال الجديدة وخوضها المعركة الحضارية مع المحافظين على العادات والتقاليد بخيرها وشرها منتصرة في بعض الجولات المنطقية، بدأت الظاهرة تقل إنما من دون قواعد واضحة لتختفي بالاعتذار عن عدم التقبيل في المناسبات الاجتماعية وتستبدل بها المصافحة كما فعلت الراحلة سعاد الحمد سيدة المجتمع المعروفة في سنواتها الأخيرة بشكل واضح وحاسم وجلي. ومع استمرار ظاهرة البوس الإجباري أو التقبيل القسري، ما على المتضرر منها سوى اللجوء للدعاء مع اقتراب شهر رمضان أن يعيننا الله على صيامه وقيامه وعلى التسعة والتسعين قبلة التي سنفتتح الشهر الفضيل بها.
reemalmee@