في العجلة الندامة

1 يناير 1970 06:10 م

طُبع الإنسان على العجلة إلا من رحم الله. قال تعالى: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) سورة الأنبياء، آية 37. قال السعدي في تفسيره: (خلق عجولا يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها). قالوا في الأمثال: (في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة). وأيضا قالوا: (العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن)، وهو مقتبس من حديث.
من يخرج من بيته متأخرا عن مقر عمله، ففي الغالب سيكون على عجل حتى يصل إلى مقر عمله وهو على أعصابه، ومن ثَم يتصرف طوال اليوم بغضب وتوتر وانزعاج، والسبب في ذلك أنه بدأ يومه بعجل مما أدى إلى انبعاث أخلاق متوترة ومضطربة وغضب وربما سوء ظن بالآخرين. بخلاف من بدأ يومه بهدوء وراحة وقضى أموره على مهل وذهب إلى مقر عمله قبل ميعاده، فستجده مرتاح البال ورحب الصدر.
كثير منا يبدأ مشروعا من مشاريعه على عجل ودون استعداد أو دراسة، سواء كانت مشاريع تجارية أو مشاريع حياتية مثل زواج أو اختيار تخصص دراسي أو نحو ذلك. فعلى سبيل المثال، شخص أحب أن يعمل مشروعا تجاريا ولكن ليس معه مال، وإنما اقترح عليه مقترحٌ أن يشاركه بماله في مشروع كانت فكرة من أفكار المقترح. وهذا المرء دون دراسة لهذا المشروع ودون استشارة المختصين أو الثقات، يذهب ليستدين ويرهق نفسه ويكلفها ما لا يطيق من سؤال الناس ونحو ذلك، وربما إذا لم يعطوه اتهمهم بأنهم لا يحبون له الخير وحاقدون عليه. ونسي «إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع»، وأن «لا تطلب من الحافي نعال». ولعله نسي أيضا «إذا كان المتكلم مجنونا، فليكن المستمع عاقلا».
حقيقة إن المرء عندما يريد الوصول إلى شيء فهو يريد الحصول عليه بأي طريقة كانت، وربما الحال الذي يمر فيه قد لا يكون بكامل تركيزه وفكره لما يحصل له، فيحتاج إلى من ينبهه، لأن كما يقولون «العايز أهبل». وربما تجده لا يبالي بالطريقة التي سيحصل من خلالها على الشيء المطلوب، هل الطريقة صحيحة أم خاطئة؟ وربما علم أن الطريقة خاطئة ولكنه تنازل من أجل الحصول على هذا الشيء وأوهم نفسه بالتفاؤل قائلا «تفاءلوا بالخير تجدوه»، ولم يبالِ أن «ما بني على باطل فهو باطل». والحق أن المرء لا يتنازل عن المبادئ الصحيحة غير القابلة للتغيير، وإن حصل ما حصل، فقد قالوا: (الحلو ما يتغير ولكن الملاح ملاح).
فأحيانا (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه). وينبغي استشارة وسؤال الشخص الصحيح قبل فعل شيء تجد في نفسك ريبة أو حيرة. قالوا في الأمثال: (قالوا للديك صيح، قال كل شي في أوانه مليح).
تأنّ في كل شيء إلا في شيء واحد، وهو فعل الخير. قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى? مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) سورة آل عمران ، آية133.