ممدوح إسماعيل / العرب وخدعة «المهدي المنتظر» ... أوباما

1 يناير 1970 06:04 ص
في صورة لافتة تسابق نسبة كبيرة من العرب على مستويات متعددة، سواء على المستوى السياسي في مراكز الحكم، أو على مستوى الفكر في الإعلام، في إظهار الابتهاج والفرح بفوز المرشح الديموقراطي باراك أوباما. وكأنهم يقولون له بلسان الضعف المنقطع النظير أنت «المهدي المنتظر» لإخراجنا من ورطة طغيان إدارة بوش التي أظهرت السوءات، ولم تحفظ ماء الوجه أمام الشعوب، على الرغم من ولائنا التام للولايات المتحدة الأميركية.
وفي ظل حالة التغريب التي غمرت الوطن العربي تسابقت بعض القنوات الفضائية ووسائل الإعلام العربية في نقل نتائج فوز أوباما، كأنه يوم تحرير القدس والأقصى، وظلت بعض وسائل الإعلام العربية تنقل مشاعر فرح الشعب الأميركي كي تحفر في عمق العقل للمواطن العربي أن القادم أفضل من السابق، وأن شعاره بالتغيير سوف يصادف أمنيات المواطن العربي في تغيير حقيقي للسياسة الأميركية.
وكان لافتاً مسارعة بعض العرب إلى تسويق فوز أوباما على أنه تأكيد لنجاح الديموقراطية الغربية، وأنه لا خير إلا فيها، على الرغم من أنهم في الحقيقة يحاولون ستر فضيحة حكم الرئيس الأميركي بوش وإدارته، التي كشفت بوضوح حقيقة خبث وظلم الديموقراطية الأميركية والغربية.
وكان من المؤسف أن وقع في الفخ بعض أصحاب الرأي، وذلك تحت ضغط الصورة الموجهة لمشاعر الفرح الأميركية، وضغط الرغبة النفسية في مخرج سياسي، وضغط الأسلوب الدعائي إلاعلامي الأميركي الجبار، الذي استخدم جميع وسائل التقنية لإبهار العقل، والوصول إلى محاولة تغيير صورة إدارة بوش بأمل صورة جديدة لإدارة جديدة تسعى بمقولة التغيير إلى تغيير سياسي واقتصادي مهم للجميع.
وللأسف قد نسي هؤلاء جميعا الآتي:
- أن السياسة الأميركية لا يصنعها شخص واحد كما يحدث في الدول العربية، وأن هناك مؤسسات قوية تصنع السياسة الأميركية، منها الظاهر ومنها الخفي، وعلى رأسهم مجموعات أصحاب رأس المال الجبارة التي تسيطر على الاقتصاد والإعلام وبالتالي تتمكن من توجيه السياسة الأميركية.
- أن هذا الشعب الأميركي الذي انتخب أوباما هو الذي انتخب بوش وإدارته من المحافظين الجدد أصحاب العنصرية الحاقدة، لمدتين متتاليتين، ثمانية أعوام متصلة.
- أن الإدارة الأميركية جزء كبير من استراتيجيتها السياسية في الشرق الأوسط قائم على تأييد العدو الصهيوني، فهم وافقوا وأيدوا وعد بلفور العام 1917 عندما عرض على الرئيس الأميركي ولسون وأعلن التأييد رسمياً العام 1919، وأيدوا قيام دولة الاحتلال العام 48، ولم يتخلفوا عن هذا التأييد مطلقاً... سواء في حكم «الجمهوريين»، أو «الديموقراطيين».
- الديموقراطية الأميركية ديموقراطية موجهة بواسطة أصحاب المصالح والمال، وبالنظر لجملة المبالغ التي أنفقت على الدعاية الانتخابية لأوباما نجد أنها 639 مليون دولار، بينما أنفق منافسه ماكين 335 مليون دولار. هذا هو المبلغ المعلن وما خفي أكبر وسيظهر يوماً ما. ولا يتعلل بأنها جمعت من أفراد فرأس المال كان حاضراً في ما يسمى المال المرن في اللجان السياسية وحتى المعلن، فهي أكبر مبالغ إنفاق في دعاية انتخابية لرؤساء أميركا، وكان حظ أوباما أعلى مبلغ إنفاق. ليبقى السؤال: من الذي خطط ومول، ودفع وشارك في جمع هذه الأموال، ومن الذي راهن على نجاح الشاب الأسود؟ إنها القوى التي تحكم من وراء الستار، إنهم أصحاب المصالح والمال.
لذا كان الدفع بباراك أوباما عبر تخطيط مريب ناعم وحماسي وعاطفي وخطير، حيث تم تقديمه على أنه أول أسود ومن أصول أفريقية وأصول إسلامية كي يدغدغوا مشاعر المستائين من عنصرية البيض الأنجلو ساكسون، على الرغم من أن عقلية أوباما الأفريقية والإسلامية هي عقلية أميركي أبيض في شكل قناع أسود.
وعبر تكتيك دعائي قوي قُدم أوباما على أنه طوق النجاة للشعب الأميركي من الخسائر المتنوعة بسبب الحروب، وقد جاءت الأزمة المالية الأخيرة للبنوك الأميركية في وقت الانتخابات لترفع أسهم نجاح أوباما بطريقة لافتة كأنها مدبّرة، وبحنكة إعلامية بالغة واحتراف دقيق. ظهر أوباما، بواسطة فريق عمل محترف في الدعاية، أمام الشعب الأميركي شاباً متحمساً قوياً يريد التغيير ولا حل غير انتخابه. وتم تقديم أوباما على أنه منقذ العالم الذي سيوقف شلالات الدماء في العراق، وأفغانستان، والصومال.
والحقيقة التي غفل عنها الكثيرون، أولاً: أن أوباما لن يكون منقذاً للعالم ولا للشعب الأميركي، إنما منقذ لرأس المال الأميركي الذي يحكم من وراء الستار، والذي تعرضت مصالحه لضربات، والمخاوف تحيط به في مناطق خطيرة في أميركا والعالم.
ثانياً: إذا كان أوباما قد جاء بشعار التغيير فقد جاء من قبله المحافظون بشعارات الدمقرطة ولكنهم لم يتقنوا اللعبة على شعوب العالم، وانفضحت بسبب ممارستهم الهمجية العنصرية الحاقدة، فكان لابد من ظهور وجه جديد يغسل الصورة المسودّة لأميركا في العالم، ويستر عوراتها ويداري سوءاتها بشعارات جديدة تدغدغ المشاعر وتخطف الأبصار، ولكنها تمضي قدماً في المخطط الاستراتيجي للسياسة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي. فالتغيير الوحيد الممكن هو التغيير في السياسة الاقتصادية كي ينعم الشعب الأميركي برفاهية أكثر، أما أن يشمل تغيير سياسة أميركا في الشرق الأوسط مثلاً فهذا مستحيل.
ثالثاً: واقع فرضه أصحاب الأرض والحق، هو الذي أجبر أوباما وكثيراً من السياسيين الأميركيين على التغيير في شكل الخطاب السياسي، والتغيير في طرق التعامل مع المشاكل الأميركية في العراق وأفغانستان، وهذا ليس تغييراً بالمعنى الصريح إنما تفاعل اضطراري فرضته المقاومة في هذين البلدين حيث تكبد الأميركيون في كلا البلدين خسائر مادية ومعنوية واقتصادية ضخمة في كلا البلدين، ما أجبرهم على اللجوء إلى تكتيكات جديدة في العراق، منها ضرب المقاومة بفصيل من الشعب العراقي، والتفكير في انسحاب على مراحل، وتسليم الملفات الأمنية لبعض المحافظات للسلطة العراقية التابعة لهم.
والإدارة الأميركية والجيش الأميركي، قبل مجيء أوباما، كانا يبحثان عن مخرج من المستنقع العراقي يحفظ ماء وجههم، وأيضاً يحفظ مصالحهم في بترول العراق، لذلك لن يتخلى أوباما أبداً عن قواعد أميركية في العراق... لأنه قرار لا يملكه بل يملكه أصحاب المصالح.
أما أفغانستان فالأميركيون يتوسلون إلى طالبان منذ شهور مضت أن يشاركوا في العملية السياسية ويتقاسموا السلطة، فما الجديد الذي سيأتي به أوباما؟ لا جديد غير طريقة التفاعل السياسي فقط، إنما الملفات لا تغيير فيها، والمقاومة صاحبة الحق القانوني والشرعي الدولي في تحرير أرضها هي التي تدفعهم إلى تغيير استراتيجيتهم كل مدة من الزمن.
ومن اللافت أنه تم الترحيب بفوز أوباما بطريقة واحدة في بلدين مختلفين، ففي أفغانستان قتل العشرات من المدنيين الأفغان أثناء تجمعهم في حفل زفاف في قندهار، وكان المشهد الدامي في ليلة فوز أوباما عبارة عن دماء أطفال ونساء وشيوخ مسلمين هدية من الجيش الأميركي للرئيس الجديد. وفي فلسطين استشهد ستة فلسطينيين بنيران قوات الاحتلال الصهيونية ليبعث الصهاينة رسالة تهنئة لأوباما بدماء الفلسطينيين. ولم يعلق أوباما على المشهدين الداميين، ولن يعلق.
والحقيقة أن المشهد سوف يتكرر، وأوباما لن يتغير عن بوش، ولا عن كلينتون، ولا غيرهما من رؤساء أميركا كما يتوهم بعض السذج من العرب.
فالسياسة الأميركية تقوم على المصلحة ولا مجال فيها للحديث عن الحقوق أو العدالة أو الأخلاق، فالبرجماتية الأميركية هي التي تحكم أوباما، والصراع العقدي قد حُفر أساسه في العالم.
ولايفوتنا أن أوباما أعلن في مناسبات عدة تأييده لدولة الاحتلال الصهيوني ودعمها وصيانة أمنها، وشرع في اختيار معاونيه من اليهود الموالين للصهيونية، مثل اختيار اليهودي المعروف رام إيمانويل لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، ويكفي أنه أعلن بكل وضوح أمام «منظمة إيباك»، اليهودية الصهيونية، في حملته الانتخابية، أن القدس ستظل عاصمة لإسرائيل.
أما آن الأوان أن يفيق العرب من هذه الغفلة، ويخرجوا من مستنقع الهوان والضعف إلى شاطئ العزة والمجد والكرامة بالعودة إلى هويتهم، والاعتماد على ذاتهم، والتمسك بدينهم لينطلقوا بإرادة قوية نحو نهضة قوية في شتى المجالات صناعياً، وتكنولوجياً، وثقافياً، وعلمياً، وعسكرياً، كي يتحقق مستقبل أفضل يتحررون فيه من قيود كل عدو، ولا يركعون فيه إلا لله. وصدق الصحابي الجليل القائل «كنا قوما أذلّة فأعزّنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العز في غيره أذلّنا الله».

ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
[email protected]