الديموقراطية ثوب فضفاض، لا تصلح لأجسادنا النحيلة فإما أن نغير الثوب، أو أن نجد وسيلة طبية لنتخم بها أجسادنا وعقولنا عوضا عن عمليات تكميم المعدة الذائعة الصيت، والتي سببت هوسا للكثيرين.
الديموقراطية شجرة وارفة الظلال يتفيأ تحتها قوم يعرفون قدرها فيحرصوا على ألا ينال الشجرة ضرر فيتولونها برعايتهم ويفدونها بأرواحهم.
الديموقراطية مصطلح يحتاج إلى تطبيق والتطبيق يحتاج إلى شجاعة عنترة بن شداد، والشجاعة تحتاج إلى عقل واع ومدرك لما يفعل والعقل بحاجة إلى علم ينتفع به... ولكن إن لم يتوفر أي من تلك العناصر فقولوا لي بالله عليكم كيف سيكون عندنا ديموقراطية.
الديموقراطية عند اليونانيين القدماء كانت تعني «حكم الشعب للشعب» ولكنها بالتأكيد ليست كما قال عنها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بأنها «ديمومة الكراسي».
أنظمة الحكم عند اليونانيين كانت متنوعة فمنها على سبيل المثال «الديماجوجية» وهو النظام الذي يسيطر فيه العامة والدهماء على الأمور السياسية، و«الأوليجاركية» وهو النظام الذي تلتقي فيه مصالح الساسة مع رجال الأعمال المتنفذين وتكون النتيجة سحق مقدرات الأمة وامتصاص دماء الشعب.
اعتبر أفلاطون أن أسوأ نظام للحكم هو الديموقراطية المباشرة لأنه النظام الذي حكم على سقراط بالإعدام فقط لأنه حث الشباب على التفكير، فهي حسب وجهة نظر القاضي تفسد عقول الشباب وتشوه تفكيرهم ومعتقداتهم.
الديموقراطية نوعان، الأول الديموقراطية المباشرة وهي التي من خلالها تكون الأحكام الصادرة من عامة الناس الذين تم اختيارهم من الشارع للحكم في القضايا الجوهرية من خلال ما أسموه المجلس الديموقراطي، أما النوع الثاني فهي الديموقراطية النيابية وهي الشكل الجديد للديمقراطية والتي يستطيع من خلالها نخبة مختارة من صفوة المجتمع بتشكيل ما يسمى البرلمان حيث يستطيع هذا المجلس أن يكون قادرا على التشريع ومحاسبة السلطات السياسية في حال تخاذلت عن تطبيق القانون.
تبقى الديموقراطية الخيار الافضل حتى ولو كانت عرجاء أو عوراء بدلا من أنظمة الحكم الكسيحة أو العمياء.
الديموقراطية تعني أن تقول ما تريد وأن أقول ما أريد بشرط عدم تجاوز ثوابتنا الدينية والوطنية، ولكنها لا تعني أبدا مخالفة الدين أو السقوط في وحل العولمة فنصبح مسخا مقلدا للغرب لا طعم له ولا لون.
هل أنت ديموقراطي في البيت؟ هل تمارس حرية التعبير مع زوجك وأولادك؟ هل تعرف أن ديكتاتورية الأب هي أول ما ينشأ عليه أبناؤنا؟ تماما مثل ما قاله أبوالعلاء المعري في ذلك وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه.
ولذلك فإن كنت ديموقراطيا في بيتك فأهلا وسهلا بك في ديموقراطياتنا الناشئة أما إن كنت من أرباب الديكتاتورية فأرجوك أن تمتنع عن التصريح صبحا ومساء عن الديموقراطية وأهميتها في التنمية السياسية لدولنا المتعثرة أصلا.
كتب أحد الشعراء المعاصرين ما يلي:
قال لزوجه: اسكتي
وقال لابنه: انكتم
صوتكما يجعلني مشوش التفكير
لا تنبسا بكلمة
أريد أن أكتب عن
حرية التعبير
نشأت ديموقراطيات الغرب بعد حروب عديدة سقط فيها الملايين من الضحايا وتكونت بسببها بحيرات من الدماء، وتدحرجت فيها الكثير من الرؤوس تحت المقاصل وأفضل مثال على ذلك الثورة الفرنسية وعواقبها، فهل يجب أن ندفع هذا الثمن القاسي حتى نعلم أن الديموقراطية ليست قبعة نضعها وننزعها متى شئنا؟
خاطرة: لست أدري يا وطني أأبكيك شرقا أم أرثيك غربا، أأدفنك شمالا أم أهجرك جنوبا، أأكتب فيك شعرا أم أهجيك نثرا... يا وطنا ضاعت ملامحه العربية وأمسى للطامعين كسيرا وأسيرا.
[email protected]