إن الليونة موصولة بالحضارة والثقافة والتقدم العمراني، هي التلاحم والتوافق والانسجام، أما التصدع فهو موصول بالتصلب والحياة البدائية، وهذا يعني لا بد من معالجة وتثقيف أفكارنا ومواقفنا وجعلها تتسم بالمرونة والليونة، لأنه إن تركنا الأفكار والمفاهيم والعلاقات على حالها دون رعاية ومعالجة وتطوير سوف تنحو بنا في اتجاه التصلب والتخشب ثم التشقق والانهيار.
التصلب في كل شيء ليس موضع مدح أو ذم، كما أن الليونة في كل شيء كذلك ليست موضع ذم أو مدح، والممدوح منهما ما يكون ملائماً للحاجات والمواقف وما يكون مساعداً على نشر الخير والحق ومساعداً على التقدم والإصلاح. في موقف من المواقف يكون المطلوب هو الليونة، كلنا يعلم أن ديننا حضنا على العفو والتسامح والتنازل عن بعض الحقوق، وجاءت بعض الآيات في القرآن الكريم التي تحض على العفو لأنه في الحقيقة هو ليونة واستجابة لنوازع الأخوة والرحمة، وفي موقف آخر يكون التصلب هو المطلوب، فالليونة ليست هي الذوبان والميوعة، والاستسلام، وإنما هي مرونة في صلابة، أو هي حالة تمتزج فيها مقادير مناسبة من الليونة والصلابة من أجل الحفاظ على الأصول والخصائص الأساسية ومن أجل الحصول على التكيف والتواؤم الإيجابي.
ومهما يكن الأمر، فإن الإنسان المؤمن بالقيم الإنسانية يظل أميل إلى الليونة، لأنه من خلالها يتكيف وينمو، ويحافظ على استمراريته، خصوصا الإنسان المسلم فهو يتكيف مع نوائب الدهر ويصبر ويتعلم، ومع كل ذلك ينمو ويكبر، ممكن أن نقول: إن المرونة هي أساس التكيف، فلا تكيف من غير مرونة، كما أن لا حياة ولا استمرار من غير تكيف.
من أبرز الأمثلة التطبيقية التي تجسد التصلب والليونة العلاقات الزوجية، لا تخلو أي علاقة بين زوجين من شيء من التشويش والمناكفة، وهذا بسبب تباين الآراء والأهواء والرؤى والمصالح، ويجب أن ننظر إلى ذلك على أنه شيء طبيعي. يمكن للحياة أن تستمر على نحو مقبول مادام كل واحد من الزوجين يشعر بأنه قادر على التعبير عن آرائه ومشاعره وأوجاعه، ويأمل مع ذلك الشعور في تراجع صاحبه عن بعض مواقفه أو عاداته أو نظرته إليه... الحوار بين الزوجين يعبّر على نحو دقيق عن الأمل في التغيير، وذلك لأن الحوار في حقيقته وذاته هو أن تُري من يحاورك نقطة لا يراها، والطرف الآخر يُريك نقطة لا تراها أنت، وهذا يؤدي إلى إضاءة كل جوانب القضية.
وقد دلت إحدى الدراسات على أن انسحاب أحد الزوجين أو كليهما من الحوار، يُعدّ واحداً من أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق، وذلك لأن انسحاب أي من الشريكين من محاورة صاحبه يدل على أن رصيده من المرونة قد انتهى، أو يدل على أن قدرة محاوره على التنازل أو التغيير قد تبددت، وهكذا فإن الحياة الزوجية تتصدع حين يحدث شعور بانسداد الأفق واستحالة الصيرورة إلى ما هو أفضل.
ختاما نقول: إن التصلب عبارة عن نقص في المرونة، والتصدع هو نتيجة ضعف التكيف والتلاؤم، ومن ثم فإن علينا من أجل الحد من التصلب والتصدع معاً أن ندرّب أنفسنا على التكيف مع الطوارئ والمستجدات، وذلك من خلال الثقافة ومجاهدة النفس. إن الحياة ليست سهلة، وليست داراً للمسرات فقط، فعلى كل واحد منّا أن يدخر في دمه وأعصابه وبنيته النفسية طاقة هائلة على التأقلم، لتكون لديه إمكانية كبيرة للعيش بهناء وسرور في أوضاع قد لا تكون جيدة أو مريحة.
[email protected]
mona_alwohaib@