رأت وكالة «بلومبرغ» أن دخول بعض الدول الخليجية إلى أسواق الدين من شأنه التأثير سلباً على عمليات الإصلاح المالي فيها.
وفي حين ذكرت الوكالة أن كلاً من سلطنة عمان والبحرين، تعتبران الأضعف مالياً بالمنطقة، بيّنت أن البلدين اضطرا بفعل الضغوطات المالية لاتخاذ قرارات غير شعبية على غرار تجميد التوظيف في القطاع العام، وخفض الإنفاق بشكل كبير.
غير أن «بلومبرغ» وعلى الرغم من ذلك، اعتبرت أن اللجوء إلى أسواق الدين لتغطية العجوزات من شأنه في بعض الأحيان تأخير وإبطاء وتيرة الإصلاح، إذ إن بعض الدول التي تصدر السندات لسد العجز، قد تهمل بشكل غير مقصود الآليات والإجراءت اللازمة لضبط أبواب الهدر، والعمل على تعزيز أداء ونمو القطاع غير النفطي.
ولفتت إلى أن خطوات المنامة ومسقط الإصلاحية اتسمت بالبطء في عملية تنفيذ الإصلاحات، مقارنة بما أقدمت عليه المملكة العربية السعودية، والإمارات، التي خفضت الإنفاق العام كما تراجعت عن تقديم بعض الدعومات، إلى جانب تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
وأوضحت الوكالة أن عُمان استفادت في وقت سابق من ميزة معدلات الفائدة الجذابة، واستطاعت أن تجمع 6.5 مليار دولار في يناير الماضي، وهو أكبر رقم بلغته على مستوى مبيعاتها من السندات، وذلك بهدف مساعدتها في سد عجوزاتها المالية.
بدورها، استفادت البحرين من أسواق السندات العالمية لجمع 3.6 مليار دولار خلال العام 2017، ومن المحتمل أن تقدم على طرح إصدار سندات جديدة هذا العام لاستيفاء احتياجاتها التمويلية.
ومع انخفاض أسعار النفط أكثر، ارتفع عجز الميزانية العمانية إلى 21.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، ترددت الحكومة في تقليص مشاريع البنية التحتية التي بدأت بالفعل بسبب الاعتقاد بأن يكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد. وبدلاً من ذلك، اعتمدت على الاقتراض لتمويل العجز، الذي قد يتقلص إلى 11.4 في المئة هذا العام.
وضاعفت سلطنة عمان ديونها الخارجية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومع مبيعاتها للسندات في يناير تكون السلطنة قد جمعت 18 مليار دولار من بيع السندات منذ بداية 2016.
وأضافت «بلومبرغ» أنه «رغم ذلك فإن هذا لا يعني أن السلطنة لم تنفذ إصلاحات مالية، إذ إنها قامت برفع ضريبة الشركات إلى 15 من 12 في المئة، بالإضافة إلى تخفيض الإعفاءات الضريبية، وتخفيف دعم الكهرباء والوقود، وتأجيل مشاريع غير أساسية، علاوة على فرض رسوم ضريبية على بعض المنتجات.
لكن ذلك لم يوقف عمان عن الإنفاق، حيث سجل إجمالي الإنفاق في 11 شهراً حتى نوفمبر 2017 ارتفاعاً بنسبة 8.5 في المئة، ليصل إلى نحو 27 مليار دولار.
وبالنسبة إلى البحرين، أوضحت «بلومبرغ» أن طرحها للسندات كان أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على احتياطاتها، مشيرة في الوقت عينه إلى تراجع حيازات «المركزي البحريني» من العملة الأجنبية إلى أدنى مستوى له في 16 عاماً، لتبلغ 1.27 مليار دولار في يوليو قبل أن تتعافى في سبتمبر بعد أن استغلت البلاد سوق السندات.
ولفت التقرير إلى أن البحرين نفذت في وقت سابق بعض الإجراءات لتقليص الإنفاق، كما أنها خفضت بشكل رئيسي الدعومات والتحويلات، مما قلل من مساهمتها في إجمالي النفقات إلى نحو 25 في المئة في عام 2017 من 29 في المئة في عام 2014.
كما فرضت المملكة ضريبة على الإنتاج وزادت أسعار الوقود، لكن التغييرات لم تكن كافية لاستقرار دينها إلى الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لما ذكرته وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» أخيراً.
وكانت «فيتش» أشارت إلى أن الحكومة البحرينية لم تحدد استراتيجية واضحة على المدى المتوسط لمعالجة حالات العجز المرتفعة، ولا يوجد وضوح في الجدول الزمني لتطوير مثل هذه الاستراتيجية، لافتة إلى أن البيئة السياسية، والتوقعات الاجتماعية المتضمنة، ونقص الخبرة في فرض الضرائب تحد بشدة من قيام الحكومة بإجراء تعديل مالي أكثر حدة.
ووفقاً للبيانات التي جمعتها «بلومبرغ» فإن لدى البحرين نحو 14 مليار دولار من السندات الدولارية المستحقة، والتي ساعدت على زيادة ديون الحكومة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 91 في المئة العام الماضي، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، الذي يرجح أن يرتفع الدين إلى 99 في المئة هذا العام، و107 في المئة في 2019.
ويتوقع أن يبلغ عجز المنامة المالي هذا العام ليصل 11.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي إلى 1.7 في المئة، وهي أبطأ وتيرة منذ عام 1989.
من جهته، أوضح مدير البحث الاقتصادي في مركز الخليج للأبحاث، جون سفاكياناكس أن الدخول السهل لأسواق السندات يقوض الحاجة الملحة للإصلاحات، لكن يجب على الدول أن تأخذ بعين الاعتبار الآثار السياسية والجدل الدائر حول العقد الاجتماعي الجديد الذي تحاول تطبيقه، مؤكداً أن المزيد من التأخير في تنفيذ الإجراءات نحو زيادة عوائد القطاع غير النفطي سيسهم في تعقيد أكثر للوضع المالي لاسيما مع بيئة تشهد ارتفاعاً في معدلات الفائدة.