أفتت اللجنة الشرعية لإحدى الشركات الاستثمارية الكبرى، التي تعمل وفقاً للشريعة الإسلامية، بأن لعب دور «صانع سوق» في بورصة الكويت يعد من الاستخــــــدامـــــات غيــــر الشرعية التي لا يجوز العمل بها، ما فتح النقاش حول الجهات والآليات التي يمكن أن تعوض هذا الغياب القسري.
وكشـــــفت مصـــادر مسؤولة لـ «الراي» أن شركات الاستثمار التي تعمل وفقاً للشريعة، لا تستطيع لعب دور «صانع سوق» بسبب هيكل هذه الأداة، مشيرة إلى أن قيامها بهذه المهمة يواجه تحديات شرعية لا يمكن القفز عليها.
و«صانع السوق» عبارة عن جهة مرخصة تهدف لتوفير السيولة (عرض وطلب) لكنه ليس وسيطاً، ولديه القدرة لتداول ورقة مالية ما.
وبيّنـــت المصــــادر، أن العائق الشــــرعي الذي يمنع الشــــركات التي تعمل وفق الشـــريعة من لعب دور «صانع سوق»، أن هذه المهمة تتضمن في إحدى مراحلها بـــيع أسهم، غير مملوكة في الحقيقة لـ «صانع السوق»، الذي يعمل باستمرار على عرض سعر لسهم معين هو متخصص به، أو أكثر بهدف تحقيق طلب وعرض «سيولة» على هذا السهم أو تلك الورقة، لافتة إلى أن مجرد تحديده لسعر سلعة لا يملكها يخالف شرعاً نموذج عمل هذه الجهات.
وعلى عكس الشائع بين كثير من المتداوليــــــن بالأسواق المحلية، فإنه ليس من مهام «صانع السوق» التأثير على سعر السهم صعوداً وهبوطاً، أو دفعه باتجاه معين، إذ إن عمله يقتصر على تلبية الطلب والعرض وتقليص الفجوة بينهما، ويحصل على أرباحه من خلال الفرق بين أسعار العروض والطلبات التي يقوم بتنفيذها.
وأفادت المصادر أن «صانع السوق» ملزم بوضع سعر للبيع وآخر للشراء، وبعد التسوية تتم عملية إقراض واقتراض الأسهم التي باعها دون أن يملكها، وهنا الإشكالية الشرعية، فرغم أن «صانع السوق» جزء من عملية التداول، وموجود على مدى طويل، ولديه القدرة على تأمين كمية الأسهم المطلوبة، إلا أن هذا النوع من عمليات «الريبو» وتحديد سعر لسهم دون أن يكون مملوكاً للجهة المسعّرة، غير مدرج ضمن العمليات المتوافقة مع أحكام الشريعة.
وأوضحت المصادر أن المخرج الشرعي الوحيد الذي يتيح لشــــركات الاستثمار التي تعمل وفقاً للشريعة العمل كـ «صانع سوق» هو تحمّل مخاطرة الاحتفاظ بحجم معين من الأسهم كمخزون لديها، أو بيـــع الورقة التي يعمل كـ «صانع سوق» لها من المخزون المتاح لديها.
لكن هذا الأمر يحمل الكثير من المخاطر، التي لا تبدو أي من الجهات الإسلامية مستعدة لقبولها في الوقت الحالي، خصوصاً وأن عملية تطوير السوق في مراحلها الأولية، ولا يمكن المجازفة في بداية تطبيقها.
وأشارت المصادر إلى أنه بإمكان الشركات التي تعمل وفقاً للشريعة الاستعانة بـ «صانع سوق» على أسهمها، لكنها لا تستطيع القيام بهذا الدور للغير.
ونوهت إلى أن بعض هذه الجهات درســـت بالفعــل التقدم بطلب القيام بدور «صانع سوق»، لكن جميع المناقشات التي فتحتها بهذا الخصوص واجهت حائطاً شرعياً، مبينة أن هيكل «صانع السوق» عبارة عن نموذج عالمي لا يمكن تطـــويــــعه شـــــرعياً، مشيرة إلى أن عــــــدداً من الشـــــركات المعنـــية أبدت رغبة في التفاوض مع مسؤولي البورصة في مسعى للخروج من هذا المأزق.
وأكـدت المصادر أن الجهات التي تعمل وفقاً للشريعة لم تغلق الباب بالكامل، وأنها لا تزال تدرس جميع الخيارات المطروحة في هذا الخصوص، أملاً في الوصول لحل شرعي، مشددة على اهتمامها بلعب دور «صانع سوق» بحكم ما تملكه من باقة متنوعة ومختلفة من المنتجات والخدمات، التي تتضمن إدارة الأصول بمختلف فئاتها، واستثمار أموال العملاء في مشروعات استثمارية إسلامية متنوعة، والقدرة على إدارة أدوات حديثة، سواء التي تتعلق بتمويل شراء الأسهم أو صناعة السوق.
يذكر أن الهدف من وجود «صانع السوق»، إيجاد توازن مستمر بين العرض والطلب وانحسار الفجوة بين سعري البيع والشراء، ففي حال وجود ضغوط بيعية من قبل المتعاملين لأي سبب كان، يقوم «صانع السوق» بتوفير طلبات شراء مقابلة تمكّن هؤلاء من بيع أسهمهم بشكل سلس دون أن يغير الاتجاه النزولي للسهم جراء عمليات البيع.
والعكس صحيح، فعندما تكون هناك ضغوط شرائية يقوم «صانع السوق» بتوفير عروض بيع مقابلة من مخزون الأسهم لديه، أو من متداولين آخرين بحيث يكون صعود السعر سلــــساً مع توفر عروض في كافة نقط ارتفاع السهم.