من يحرث أرض الكويت، ويحرس حدودها ويحافظ على أمنها، ويطالب بإصلاحها، ولا يبرر فواحش الفسدة فيها، وينفخ في روح قوانينها التي يرجو المرجفون في المدينة أن تموت بمجرد جفاف حبرها التي كتبت به... ومن يرجو للوطن كله من الدائري الأول إلى الدائري الأخير كل عز وخير ورقي... فهو كويتي بالورق القانوني وبالهوية الاجتماعية.
فليس الكويتي هو من يشابهك فقط، ولكنه أيضاً المختلف عنك، ذلك الذي عبّر عن الهوية المشتركة بشكل آخر أو استخدام حروف في اللهجة قد لا تناسبك أو وضع «الغترة أو الشماغ» بطريقة قد لا تحبها... ولكن هذا لا يعني أنك الكويتي الوحيد بيننا.
وبنفس درجة الوعي التي لا نعتقد فيها أننا قوالب متشابهة، سينخفض في ما بيننا الخطاب الذي يطالب «الآخر» بأن يكون «أنا» وإلا... فهم مزورون أو منتحلون أو غير أصليين أو لا يعرفون شيئاً عن الكويت، وكلها اتهامات خطيرة تغلف بالنوازع الوطنية وحب الوطن والحرص على الهوية لتكتشف في نهاية المطاف أنه خطاب وطني تم اختراعه للدلالة على الإقصاء الاجتماعي أو الإبعاد الوطني أو تعبير عن إنسانية مترنحة قد تعطف على طائر بجناحيه وتعصف بماشٍ على قدمين!
إن خطورة التجمعات الفئوية في شكلها البري والقبلي والبحري والعائلي وما تمثله أطروحة «نحن» السكان الأصليون و«هم» المزورون، أو أطروحة «أنا» الذي أمثل الهوية شكلاً ولغة وأعرافاً ومن يشابهني فهو مني، بل والأطروحة الشعبية التي انتشرت كثيراً في الفترة الأخيرة والتي تعتبر كل من قام بفعل مجتمعي لا يناسب قناعاتنا وما تعودنا عليه... من فورنا نقول «هذول مو كويتيين» سالبين منهم المواطنة لفظياً... وكل هذه الأطروحات تمثل خرقاً يتنافى مع جوهر المدينة بصفتها كياناً واعياً، متفاعلاً ومتجانساً يهدف إلى تفعيل العلاقات الاجتماعية ودفعها إلى أقصى درجاتها كما نص الدستور.
والدستور ليس علاقة مع الحاكم فقط أو مع مؤسسات الدولة، ولكنه أيضاً علاقة بين بعضنا البعض، فيه مواد ترعى وتوجه وتؤسس لمجتمع متعاف، لا ينتزع فيه أحد من أحد هويته الوطنية أو مواطنته، حتى لو على سبيل التقسيم اللفظي، فضلاً عن القانوني.
وإذا كانت وظيفة مباحث الجنسية البحث عن المزورين وكشفهم، ووظيفة القضاء النظر في ذلك، فنحن كمجتمع علينا أن نكون أكثر حرصاً في ما يتعلق بلعب هذا الدور في ما بيننا، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمختلفين عنا سواء كنت ضمن «نحن» أو «هم».
هناك شكلان للتربية والتعليم التي يتعرض لها أبناؤنا... الشكل العرضي غير المقصود بذاته، ويتم عبر تلقي الأخبار والتفاعل مع الناس، وسماع الأحاديث العرضية من الآباء، والاستقراء الطفولي للمناخ العام المحيط بهم كأطفال... وهناك الشكل الآخر، المتعمد من خلال المدارس والبرامج والأهداف العامة للدولة والمجتمع المدني والأسرة.
ولأن الإنسان ليس فقط مستقبل أخيه الإنسان، ولكنه أيضاً صناعة الإنسان نفسه، فإن شكل التربية العرضية تمثل هدماً لعملية بناء التربية المتعمدة، ما يخلق مسارين للتربية... المسار الرسمي الذي يمثل الوحدة الوطنية ومسار الممارسة الذي يمثل «نحن وهم»، والتي تتطور إلى انشطار كل «نحن» إلى نحن وهم وكل «هم» إلى نحن وهم ويتحول المجتمع إلى مسرح يمثل الوحدة الوطنية بالغناء، بينما هو عبارة عن جزر معزولة نفسياً يستحيل أن تتفاعل فيها المدينة بوصفها الدافع الأمثل لتفاعل العلاقات الاجتماعية.
إن أخطر ما في التربية العرضية هي أنها تخرّج أجيالاً تمتلك ذاكرة انتقائية تجاه التاريخ والحوادث، تجعلهم على سبيل المثال يذكرون ابن سيدنا نوح الذي كفر وغرق وأبى ركوب السفينة ولا يذكرون أبناءه الثلاثة الذين ركبوا معه وكانوا عوناً له.
وفي دولة، عموم المسؤولين فيها دائماً يصرحون أنهم غير مسؤولين عن تردي أوضاع خطابها أو مؤسساتها أو شكل مخرجاتها، في دولة كهذه على المجتمع أن يمسك بزمام المبادرة الفردية في المحافظة على آخر الحصون عبر هدم الأسوار بين «نحن» و«هم» أياً كان شكلها أو أياً كانت مبرراتها، فيجب ألا تكون هناك حصون وجزر معزولة داخل الدولة، حصون وأسوار قديمة من الحجر يصبح تأثير شظاياها عند الضرب بالمدفعية أكثر ضرراً من تأثير مقذوفات العدو نفسه.
إن هذا المقال ما هو إلا نقاش من طرف واحد حول حق الكويتيين في أن يكونوا كويتيين عبر التعبير عن ما يميزهم، وليس فقط ما يجمعهم.
ليس هذا الكلام درساً من دروس الوطنية فحسب، ولكنه أيضاً درس مهم في العيش المشترك... العيش المشترك الذي أصبحت الكتابة فيه سيراً بالكلمات إلى رأس الجبل... فإما السقوط في الوادي عبر حشر معان لم تقصدها، وإما السقوط في السخرية عبر استخدام استراتيجية صديقي القادر على قتل أي وجهة نظر أو فكرة عبر تسخيفها من خلال ترديدها بأسلوب ابتذالي وحركات يدين مضحكة وتعابير وجه تجعلك تشعر بأنه فعلاً يعرف ما يقول... ثم يطلق ضحكة هستيرية ويتبعها بكلمة «حجي فاضي»!
كاتب كويتي
moh1alatwan@