ماذا لو...؟

حديث في السعادة (5)

1 يناير 1970 09:49 م

هل سألت نفسك يوما ما إذا كنت تشعر بالسعادة في وحدتك، أم أن شعورك بها دائما يقترن بمسببات وأشياء خارج نطاق ذاتك؟
هل تبحث عنها في عزلتك المطلقة؟ في التحليق عبر فضاءات ذاتك؟ في التوحد مع أفكارك المنبعثة من صفاء تأملك في الكون وماهية الحياة؟
لقد شغل مفهوم السعادة الفكر الإنساني منذ القدم، وليس عبثا أن ارتبط مفهومها بالعدل والخير والحق والجمال كمفاهيم قيمية لدى الفلاسفة والمفكرين، وتساءلوا كثيرا: هل تقترن السعادة بالجسد أو العقل أو القلب، أم بكل تلك العناصر مجتمعة؟
وهل يجد الإنسان السعادة بالانعزال والخلوة والتفرد، أم بالتجمع والتواصل والتعاون؟
السعادة حالة من الإرضاء الوجودي سواء أكان ماديا أو عقليا أو روحيا، وهي ترتبط بالخير والعدل والواجب، وبالعقل والقلب، وبالجمال والوجود والفضيلة والوصول للكمال، وهي أقصى المراتب التي ينبغي أن تصل إليها النفس البشرية لتحقيق وجودها، لذا فهي تنبع من الذات وتتصاعد وتزيد بوجود الأشياء الأخرى مثل:(الصحة - المال - الأصدقاء - الأهل - القبول - الثقة - الحب... الخ)، كلها عناصر خارجية تزيد من الإحساس بالسعادة، إنها أشبه بأدوات للوصول بالسعادة الداخلية إلى أعلى المستويات، فإذا لم تكن سعيدا وأنت وحيد فلن تشعر بسعادة حقيقية مع الآخرين.
ولو نظرنا حولنا لوجدنا الكثيرين ممن يعتمدون على الآخرين في حصولهم على السعادة أو الإحساس بها، لكن الحق يتطلب منك أن تستقل بذاتك، وتبحث عن دواعي السعادة داخلها، فلا يجب أن تعتمد على الاخرين للحصول على سعادتك بل يجب عليك أن تستمد السعادة التي تريدها من شخصك وحدك من دون الحاجة إلى الآخرين، فما من أمر يقربك لنفسك وذاتك كالوحدة، فيها تكشف خباياها وتعيد اكتشافها من جديد، وربما تكون الوحدة سبب سعادتنا لأنها ترجعنا لذواتنا فنبحث في صفحاتها لنمحو بعض سطورها أو نخط عليها سطورا جديدة تحقق لنا البهجة بالتغير والارتقاء.
بالتأكيد مررنا خلال حياتنا بتجارب كثيرة هي التي تطلق في وحدتنا سعادة خفية تستعذبها الروح، والإنسان إذا كان سعيدا في وحدته، فسيكون أكثر سعادة مع الآخرين، بل سببا لسعادتهم، فمقومات السعادة الخارجية من مال وأصدقاء وجاه وحب... الخ تعمق شعورنا بتلك السعادة، لكنها لا تصنعها، فالشعور بالسعادة يتمثل في تفرد الشخصية وتميزها، واختلافها فكرا وشعورا عن الآخرين.
السعادة الحقيقية لا تقتصر على متعة الجسد أو العقل أو القلب فقط، فلا كمال في سعادة جانب من دون آخر، لأن السعادة في الحقيقة هي نسق متكامل، فالإنسان لا يمكن أن يعيش بالقلب وحده، ولا بالجسد وحده، ولا بالعقل وحده، لأنه كل متمازج من جسد وعقل وقلب، ومن ثم، لابد أن يستمتع باعتباره كائنا بشريا بمكوناته المتكاملة، وعليه أن يوفق بينها في توازن حتى يصل إلى السعادة الحقيقية، وإذا كانت السعادة لها طابع فردي، فإنها لا تتحقق في صورتها المثلى إلا بالتفرد تارة، وبالاجتماع والانصهار في الجماعة تارة أخرى لكن دون طغيان على عفوية التفرد وتمايزه.
خلاصة القول: إن أوقات السعادة قصيرة وسرعان ما ترحل عنا مخلفة وراءها رغبات لم تشبع ولحظات فرح تشتعل ثم تنطفئ، وفرصا قد لا تأتي في العمر إلا مرة واحدة، ولذلك علينا ألا نترك لحظة سعادة دون أن نرتشفها حتى آخر قطرة. إن في داخل كل منا طاقة خفية ونور يتوهج، وعروق تنبض بحب الحياة والتمسك بكل لحظة من لحظاتها، ماذا لو استثمرنا تلك الطاقة، وحاولنا أن نحسن صنع الفرح من مزجها بالنور المنبعث من حبنا للحياة، لنتوج كل لحظة من لحظاتنا بإكليل من السعادة؟ ماذا لو...؟

[email protected]