مع بدء موفد الديوان الملكي السعودي نزار العلولا محادثاته في بيروت أمس، بدا واضحاً ان لبنان أمام «أسبوعٍ سعودي» يختزن مجمل ملف العلاقات بين البلدين والتي كانت اتّخذت منحى غير مسبوق حين أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري في 4 نوفمبر الماضي من الرياض استقالةً مباغتةً (عاد عنها لاحقاً) جاءت محمّلةً يومها بكل عوامل الأزمة الناجمة عن اعتراض المملكة و«بالصوت العالي» على أدوار «حزب الله»، الممثَّل في الحكومة، في أكثر من ساحة و«لعبه» بالأمن القومي لدولٍ خليجية عدة «بالنيابة» عن إيران.
ورغم الإيجابيات التي عبّرت عنها الرسالة الشفوية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي حملها العلولا الى الرئيس اللبناني العماد ميشال عون والتي أكدت دعم سيادة لبنان واستقراره ومتانة العلاقات بين البلدين والتطلّع لأن تكون بأفضل حالاتها، قبل ان يسلّم الرئيس الحريري دعوة لزيارة المملكة، فإن الترقّب سيكون سيّد الموقف على مدى زيارة الأربعة أيام التي يقوم بها الموفد السعودي يرافقه الوزير المفوّض وليد البخاري (القائم بالأعمال السعودي السابق في بيروت).
ويُراهن على هذه الزيارة التي تشكّل أول اتصال مباشر بين بيروت والرياض منذ أزمة الاستقالة الملتبسة للحريري، لمعاودة تطبيع العلاقة على خط البلدين وتالياً معالجة أسباب عدم حماسة السعودية للمساهمة الفاعلة في مؤتمرات الدعم الدولية الثلاثة للبنان، الى جانب ما قد تفضي إليه من تظهير الخيط الأبيض من الأسود في التحالفات المتصلة بالانتخابات النيابية التي ترغب المملكة في ان يخوضها حلفاؤها، الذين فرّقتْهم التطورات الأخيرة، صفاً واحداً لضمان حفظ التوازن بوجه «حزب الله» الذي يتّجه الى هذا الاستحقاق المقرَّر في 6 مايو بهدفٍ واضح يتمثّل في جعل نتيجته تصبّ في السياق الاستراتيجي لمشروعه الكبير كامتداد للنفوذ الإيراني.
وتوقّفت أوساط سياسية مطلعة أمس عند المفارقة البارزة التي عبّر عنها اللقاء الخاطف بين الرئيس اللبناني والموفد السعودي والذي لم يتجاوز عشر دقائق، خرج بعده العلولا من دون الإدلاء بأي تصريح، قبل ان توضح المعلومات الرسمية انه الى جانب رسالة الدعم الشفوية التي نقلها موفد الديوان الملكي من الملك سلمان، فإن عون حمّله تحية الى خادم الحرَمين الشريفين وأكد له رغبة لبنان في إقامة افضل العلاقات مع المملكة منوّها بوقوفها الى جانبه.
وإذ لاحظتْ هذه الأوساط ان الموفد السعودي أبلغ الى الرئيس عون أنه سيدعو الرئس الحريري الى زيارة الرياض، رأتْ ان اجتماع العشر دقائق بدا أشبه بلقاء بروتوكولي لـ «أخْذ العِلم» بمهمة العلولا، لافتة الى انه بدا واضحاً ان موفد الديوان الملكي لم يبحث مع رئيس الجمهورية في ملف العلاقات بين البلدين ولا في أسباب تأزُّمها سابقاً وان رسالة الدعم التي حمَلها جاءت أشبه بـ «إعلان نيات» تبقى ترجمته رهناً بما ستخلص اليه عملية «الاستطلاع» التي سيقوم بها في بيروت.
ولاحظتْ الأوساط نفسها ان ملف العلاقات اللبنانية - السعودية كان في صلب لقاء العلولا مع الرئيس الحريري عصر أمس قبل ان ينتقل موفد الديوان الملكي الى معراب حيث التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي أقام له مأدبة عشاء، على ان يزور اليوم رئيس البرلمان نبيه بري وشخصيات سياسية أشارت معلومات الى انها لن تشمل النائب وليد جنبلاط بفعل استياء الرياض من مواقف أطلقها حيال سياسة المملكة في اليمن وبإزاء قضايا داخلية.
ومن المفترض ان تكون المحادثات مع الحريري ركّزتْ على عنوان «النأي بالنفس» عن الصراعات في المنطقة وعن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الذي أُعلن عن التزام كل مكونات الحكومة به كمَدخل لعودة رئيسها عن استقالته، وسط رصْد لما اذا كانت الرياض ستقتنع بموجبات اي تحالف قد تفرضه الانتخابات بين الحريري وحزب الرئيس عون (التيار الوطني الحر) واستطراداً الخطوة التالية لرئيس الحكومة في ضوء ذلك. علماً ان المملكة التي لا تريد إضعاف الحريري ترغب في ان يحجز حلفاءها مكانة لهم في البرلمان العتيد وتدارُك إمكان ان يُحْكِم «حزب الله» المزيد من قبضته على الواقع اللبناني عبرالانتخابت المقبلة.
خضع لـ «استجواب» عائلي سياسي من تلامذة أطفال
الحريري العائد إلى المدرسة نجح في «الامتحان»
| بيروت - «الراي» |
بين السياسي والشخصي، العفوي و«المدروس»، الجدّي والمُمازِح، دار الحوار المُمْتِع بين رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ومجموعة من الطلاب الأطفال الذين استضافوه «في الصفّ» وسألوه في كل شيء وعن كل شيء بأسلوبٍ مباشر لاقاه زعيم «تيار المستقبل» بأجوبةٍ بدا معها وكأنه ترك «مَقاعد» السياسة اللبنانية بمفهومها التقليدي ليخاطب الصغار والكبار بلغةٍ «بلا قفازات».
على مدى نحو ساعة ونصف الساعة، «استجوب» طلابٌ تراوح أعمارهم بين 11 و 14 عاماً الحريري الذي «دشّن» برنامج «دقّ الجرس» على شاشة تلفزيون «ام تي في» اللبنانية (ليل أوّل من أمس)، تاركاً أصداء «انفجرتْ» على مواقع التواصل الاجتماعي التي بدا واضحاً من التعليقات التي «انهمرت» عليها ان الرئيس الشاب خرج من «الامتحان» بنجاحٍ كبير اعتُبر بمثابة «فوز بالنقاط» على عتبة الانتخابات النيابية.
إلى المدرسة، «عاد» الحريري بلا ربطة عنق وبـ «جينز» وبروحٍ شبابية متفاعلاً مع الأطفال ومع «السين جيم» الذي خضع له من دون أن يضع أي «فيتوات» على أي سؤال سواء حول طفولته وزواج والده الشهيد رفيق الحريري مرة ثانية أو علاقاته بأشقائه وأوضاعه المالية وصولاً إلى اغتيال أبيه ودخوله معترك السياسة و«ألغامها» والملفات الأكثر إثارة مثل استقالته من السعودية وما رافقها ورؤيته لكيفية معالجة سلاح «حزب الله».
وقال الحريري «لن أسامح مَن قتل والدي ولكن أريد العدالة عبر المحكمة الدولية وحين يصدر الحكم لكلّ حادثٍ حديث»، مشيراً إلى أنّ «بحث سلاح حزب الله يجب أن يكون على طاولة الحوار التي سيتمّ خلالها بحث موضوع الإستراتيجية الدفاعية»، وموضحاً أن حكومته لا تريد «أخذ سلاح حزب الله. وفي رأيي حزب الله مش غاوي يحمل سلاح. قام بمهمة ويتمنى أن تكون الدولة قوية ليسلّم السلاح عاجلاً أو آجلاً، وبالتوافق مع الجيش اللبناني».
وإذ أوضح «استقلتُ لأنّني رأيت أنّ هناك خطراً كبيراً يهدّد لبنان وكان هدفي أن أخلق صدمة إيجابية، وبعد الاستقالة حصلتْ الوحدة التي نحتاجها»، نافياً ما قيل عن ظروف الاستقالة و«احتجازه» في السعودية، قال ردّاً على سؤال حول سبب استقالته من المملكة: «اخترت أن تكون الاستقالة من السعودية لتكون More Dramatic»، مشدداً على أنّ علاقته بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز جيدة وأنه على اتصال دائم به.
وفيما أشار الى «أن لا فارق بين السنّة والشيعة والخلاف الوحيد بينهم هو خلافٌ سياسي وليس دينياً»، أَقرّ بـ «أنني خسرت ثروة كبيرة ولكن لا يعني انتهت حياتي الله يعوّض ولكن يجب ان يبقى الانسان صادقا مع نفسه والناس».
ونفى وجود مشاكل بينه وبين شقيقه بهاء بعكس ما تردد في وسائل الاعلام أخيراً، كاشفاً أنه لحظة اغتيال والده كان على متن رحلة بين الرياض وأبوظبي، وعندما وصل الى الإمارات عرف بالحادث، مشيراً الى أنه قصّ شعره الطويل قبل أن يصل الى لبنان في حينها، لأنه «لم يكن يعلم ما ينتظره هناك».
وكان بارزاً ضمن الأسئلة، سؤال حول سعر ربطة الخبز في لبنان، الا أنّ الحريري لم يعرف الجواب، مجيباً افتراضياً 500 ليرة لبنانية ليصحّح له التلاميذ بأنّ سعرها 1500 ليرة (دولار واحد).