نافذة... الأمل

تحية... إلى الحناجر الماسية!

1 يناير 1970 09:04 م

كل عام وأنتِ كما أنتِ منبر يلامس الوجدان، ويحيي المشاعر الساكنة فينا التي لم يغيرها الزمان، أيتها الإذاعة الجميلة، يا رفيقة كل صباح!
منذ أيام احتفل العالم باليوم العالمي للإذاعة الذي كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة «اليونسكو» قد أقرته يوماً رسمياً في 13 فبراير من كل عام، وهو اليوم الذي أنشأت فيه الأمم المتحدة إذاعتها عام 1946. ورغم أن هذا الاحتفال جاء متأخراً، كون أول بث إذاعي كان عام 1906، إلا أنه أتى ليكون مناسبة نقدر فيها أصحاب الحناجر الماسية، الذين تفتح وعينا ومشاعرنا على أوتار أصواتهم.
فعشاق الإذاعة، وكم أنا سعيدة أنني واحدة منهم، يتهمهم البعض بأنهم شخصيات تعيش على الماضي، ولا تساير العصر، لكنني لا أرى في ذلك أي وجه حق، فهذا العشق لا علاقة له بالحداثة أو التقليد، إنما باختلاف الذوق بين شخص وآخر، كحب البعض للموسيقى الكلاسيكية وحب آخرين لموسيقى الجاز، فكل نوع له جماله ووقته، وهذا الصوت الصادر عن ذلك الصندوق الصغير كوّن وعي الأجيال وتفكيرهم وذوقهم، كما كون اتجاهاتهم الفنية والموسيقية وكل ما يسمى إبداعاً.
ففي الوطن العربي منذ انطلاق أول إذاعة في مصر عام 1932، وبعدها العديد من الدول التي قامت بإنشاء إذاعات مثل الجزائر، المغرب، تونس، العراق، لبنان، ليبيا وبقية الدول العربية، سكنت الإذاعة الوجدان، لما رافق مسيرتها من تاريخ سياسي واجتماعي وفني، وبالإضافة إلى أنها كانت مصدراً للمعرفة فقد كانت أيضاً مصدراً للترفيه قبل ظهور التلفزيون. وتميزت بمميزات أنعشت وحفزت حاسة السمع لدى مستمعيها ورفعت حساسيتهم ودقتهم، فمجرد الاستماع للصوت الإذاعي نميز صاحبه بسرعة وسهولة، خصوصا الأصوات الإذاعية التي عاشت في وجداننا، كالصوت الباسم إناس جوهر، أحد أصوات إذاعة الشرق الأوسط المميزة بجملتها الشهيرة الافتتاحية لبرنامج «تسالي» بكلمات الرائع صلاح جاهين، حين كانت تغرد بها كأننا نراها بصوت كله تفاؤل «غمض عنيك وامشي بخفة ودلع، الدنيا هي الشابة وأنت الجدع، تشوف رشاقة خطوتك تعبدك، لكن انت لو بصيت لرجليك تقع... وعجبي»!
وغيرها من الأصوات الإذاعية الشهيرة كصوت كابي لطيف في إذاعة «مونت كارلو» الفرنسية، وأحمد كمال سرور في إذاعة بي بي سي «العربية»، ورفيقة صباحي «صوت إذاعة الكويت» العذب فيحاء السعيد ودعاء عبدالرحمن، وغيرهم الكثير والكثير من الحناجر الإذاعية التي أمتعت المستمعين ورافقتهم في صباحهم وطريقهم، وأثناء وقت دراستهم، فيمكن أن ننتج أي شيء وتكون الإذاعة برفقتنا، لذا هي من الوسائل الاعلامية الثابتة على مر العصور، فهي حاضرة دائماً معنا في كل مكان، في البيت والسيارة والمكتب والأماكن العامة، ترافقنا من دون أن ترهقنا، بل وتنعش خيالنا أيضاً وحواسنا، كما أثبتت الدراسات أن وسائل الإعلام المرئي، التلفزيون، أو أي وسيلة اعلامية أخرى، تقلص حجم الخيال لدى المتفرج.
وهذا ما جعلها إلى الآن حاضرة حتى في الدول المتقدمة، حسب إحصائية لموقع statista حيث بلغ عدد مستمعي الراديو شهرياً في أميركا 125 مليون مستمع في الفئة العمرية ما بين 18 و49 سنة، وهذه الإحصائية تؤكد مدى المكانة التي لا تزال تتمتع بها الإذاعة، في هذا العصر وكل عصر، بل هي تواكب وسائل التواصل الحديثة، فأغلب الهواتف المحمولة، منذ ظهور البرامج فيها، حملت تطبيقاً لتشغيل الإذاعة.
«الإذاعة» هي الرفيقة المؤنسة التي اكتسبت على مدى تاريخها، الذي يزيد على 100 عام، شعبية كبيرة بين فئات المجتمع، لأنها قدمت ما نحتاجه من معلومات بسهولة وسلاسة، ولأنها دخلت أكثر من 75 في المئة من المنازل في الدول النامية، ووصل عددها حول العالم في عام 2015 إلى 51 ألف محطة، ولم يتجمد اسمها وفعلها أو يتلاشى، ففي عام 1990 ولدت إذاعة الإنترنت والعصر الرقمي، وأطلق أول قمر صناعي إذاعي عام 1992، ثم في 1994 أصبحت «دبليو إكس. واي. سي» أول محطة إذاعية تبث على الإنترنت، وفي العالم العربي كان لنا نصيب من الالتحاق بهذا التقدم فكانت أولى التجارب كإذاعة عربية تبث برامجها عبر الإنترنت، في الاردن «عمان نت» أو «راديو البلد» سنة 2000، كما وصلت موجات الأثير إلى أكثر من 70 في المئة من سكان العالم عبر الهواتف المحمولة.
فكل عيد وعشاق الإذاعة يحتفلون ببهجة، ويرافقونها مع إشراقة كل صباح، فتهانينا للحناجر الإذاعية التي تصدح كل صباح وكل مساء بأجمل الكلام.
مونولوج جميل من الشاعر العراقي عزيز علي كتبه في الأربعينات، تحية منه يعبر فيها عن حبه للراديو...
«الراديو نور الأفكار... الراديو فتح الأبصار... الراديو ينقل الأخبار... الراديو يفضح الأسرار... الراديو صوت الأحرار... يحيا الراديو... يحيا الراديو».

* كاتبة كويتية
[email protected]