كيف يكون الحوار بين الوردة وقاطفها؟...
بعد أن يستيقظ الضمير الإنساني في وقت متأخر، ويقدم كشف حساب لما اقترفه من آثام في سعيه المحموم للانتقام!
هذا مضمون المسرحية، التي عُرضت أول من أمس، ضمن فعاليات مهرجان الكويت الدولي للمسرح الأكاديمي في دورته الثامنة.
المسرحية مأخوذة عن نص «ذاكرة في الظل» للكاتبة مريم نصير، في حين تولت إعدادها فجر صباح وأخرجها محمد الأنصاري، كما تشارك في بطولتها باقة من الممثلين الشباب، من بينهم عامر أبو كبير، بدر البناي، محمد أكبر، مصطفى محمود، عبد الله الهويدي، يعقوب حيات، أريج العطار، آية الغمري، عدنان بلعيس، أريج الخطيب وهاني الهزاع، فيما الديكور كان من تصميم محمد بهبهاني وتولت مهمة الماكياج والأزياء لين الأطرش.
تدور الأحداث حول كاتب حبيس مكتبه، يصارع أفكاره وخيالاته السوداوية، ويندد بما تعرض له من تعنيف على يد من اعتقدنا في البداية أنه والده، إلى أن يرحل الأب ونتابع كيف انتابه مزيج من المشاعر التي تحولت إلى هستيريا، بدأت بالبكاء بحرقة على الأب، لتنتهي بمظاهر احتفائية. على الجانب الآخر، نتابع قصة فتاة في مقتبل العمر تتخفى في ملابس شاب لتعمل في أحد المناجم، قبل أن تتعرض للاغتصاب من جانب صاحب المنجم عندما يكتشف هويتها الحقيقية، وفي تلك اللحظة الفارقة تتكشف لنا معاناة تلك الفتاة عندما يجبرها الأهل على الزواج برجل يكبرها سناً.
وبالعودة إلى الكاتب الذي يعيش صراعاً مع أفكاره ويحاول التخلص من هيمنة الأفكار السوداوية على حياته، وبمضي الوقت نتابع كيف تمضي حياة كل من الكاتب والفتاة وهما المحركان الأساسيان للأحداث، حتى وصلت الأحداث إلى ذروتها وتتضح حقيقة نوايا هذا الشاب الذي ابتاع المنجم وأمعن في إذلال مالكه الأصلي، لنتعرف على حقيقة الأمر وبأنه فعل ذلك مدفوعاً بالرغبة في الانتقام من والده الحقيقي الذي رفض الاعتراف به وتركه ووالدته في متاهات الحياة.
على مستوى الفرجة، فقد وظف المخرج الأنصاري السينوغرافيا بحرفية عالية، واستغل فضاء المسرح وقطع الديكورعبر تقسيم الخشبة إلى جانبين، لتدور الأحداث فيهما بالتوازي. كذلك، اشتغل على مستويين ليعبّر عن اختلاف الزمان والمكان، بينما وفق المخرج في توظيف الإضاءة، لكن تبقى الإطالة في العرض وتعدد النهايات هفوات من الممكن أن يتداركها المخرج الشاب مستقبلاً. وبالرغم من تميز السينوغرافيا، غير أن التمثيل واشتغال المخرج على الممثلين بدا واضحاً، من خلال الأداء المتزن وتمكنهم من أدواتهم، وتجلى ذلك من خلال انسجامهم على المسرح وقدرتهم على التنقل من حالة إلى أخرى، لاسيما الممثل عامر أبو كبير الذي استغل جميع إمكاناته الصوتية والجسدية والإيحائية للتعامل مع الشخصية، خصوصاً في مشهد النهاية عندما عبّر ببراعة عن الحالة المأسوية التي وصل إليها الكاتب، ولا نغفل دور الممثلة الشابة أريج العطار التي أبكت الحضور تأثراً لتفاعلها مع الشخصية.
الندوة التطبيقية
أعقبت العرض ندوة تطبيقية، أدارها الطالب محسن النجدي، بحضور مخرج وأبطال المسرحية، في حين عقّبت عليها الطالبة عهد اللجم من الفرقة الرابعة (نقد).
بعد الترحيب بالضيوف، أوضحت المُعقبة اللجم أن فكرة المسرحية تدور في العهد القديم لمصر، حيث الفقر وتعنيف الأبناء وزواج القاصرات، «إذ تناولت المسرحية قضايا متعددة في ذلك الزمان».
وقالت: «كانت شخصية البطل مقنعة للغاية، لناحية الإيحاءات وحركات الجسد، فقد شاهدنا أداءً حقيقياً على خشبة المسرح، ولم يكن ما رأيناه تمثيلاً على الإطلاق، إلى حد أن البطل أجاد التحرك مع شخصية الظل إلى حد ما، ولو أنه أتقن الحركة بطريقة أفضل لظهر المشهد في أبهى صورة».
ومضت اللجم تقول: «كما أبدع الأب في مشهد الموت، حيث بدا مقنعاً جداً لمرونته بالتنقل من حركة إلى حركة، كما لو كان ميتاً بالفعل»، مردفة «أما المشاهد الأكثر توازناً وتنسيقاً في الإيقاع والحوار، فإن مشهد الأب والابن كان واحداً منها، ومن خلاله اتضحت الشخصية القوية من الشخصية الضعيفة، أما شخصية الأم فقد توظفت بشكل جيد، بالرغم من أنها تنقلت من حالة إلى حالة، وهذا يدل على قوة الممثلة في تقمص الدور».
وأكدت اللجم أن المخرج وظف كل قطع الديكور بالشكل الصحيح، فضلاً عن الموسيقى والمؤثرات الصوتية التي تماشت مع العرض بدقة بالغة، إضافة إلى الأزياء المناسبة لعمال المناجم وبقية الأدوار الأخرى.
بعدها،، فتح باب المداخلات للضيوف، وكان المخرج علي العلي أول المتحدثين، حيث قال: «أنا شهادتي مجروحة في هذا العرض الثري، فقد كان فريق العمل روحاً واحدة فوق خشبة المسرح، كما أحيي المخرج محمد الأنصاري على هذه القراءة العميقة للنص، إلى جانب تألق بطلي العمل عامر وأريج لوعيهما وتركيزهما».
أما حسين الفيلكاوي، فقال: «لقد شاهدنا روحاً تتحرك على خشبة المسرح، تحمل في ثناياها الحنين إلى الماضي، عطفاً على الحس الكوميدي الجميل، والذي شجع المتلقي على متابعة العرض حتى النهاية»، مستدركاً بالقول: «لكن في كل عرض هناك ملاحظات، وفي هذه المسرحية لاحظنا أن صوت الممثلة العاشقة لم يكن واضحاً».
بدوره، قال المخرج عبدالعزيز صفر: «إن المخرج الأنصاري نجح في تقديم أكثر من خلطة على خشبة المسرح، بالرغم من أن هذه التجربة الأولى له في الإخراج، لكنني أوجه له النصح بأن يعمل على ترتيب الأفكار في المرات المقبلة، وأن يضع نفسه في مكان الجمهور». ولفت صفر إلى بعض الملاحظات على العرض، لاسيما لناحية التنقل من مشهد إلى آخر، حيث إن بعض المشاهد لم تكن جاهزة»، متسائلاً في ختام حديثه عن الأسباب التي تدفع المخرجين إلى ما وصفه بـ «المسرح الأسود»... ولماذا الظلام الحالك؟