الأم هي ذلك القنديل الذي كلما اقترب الابن منه اقتبس جذوات من شعاع مختلفة أطيافه ومتعددة سبله.
الأم هي ذلك الفيض الدافئ الرقراق الذي إذا نهل من معينه، فإن قلب الناهل ينتعش إشراقا وبهجة وحبورا.
الأم ذلك القلب المتدفق بالحنان الممتلئ بالشفقة المزدهر بالعطف، فما أحسن المحسنين إلى أمهاتهم.
وما أحلى المتخلقين بالخلق الجميل عندما يقدمون على حلوة اللبن، فإنهم ينحنون لها احتراماً وتبجيلا وتكريما... نعم إنها اليد التي عملت من أجل أبنائها، ومجلت من شدة العمل. إنها ذلك اللسان الذي لا يكل ولا يمل من إسداء النصح وتقويم السلوك وإعطاء جذوات خلاقة في التربية والتنشئة والتعليم والارشاد. إنه قلب متدفق بالرحمة مفعم بالصبر مجلل بالإيمان... ذلك قلب الأم الذي يصوره الأديب في قطعة أدبية رائعة:
أعزى امرؤ يوماً غلاماً جاهلاً
بنقوده حتى ينال به الوطر
قال ائتني بفوائد أمك يا فتى
ولك الدراهم والجواهر والدرر
فمضى وأغرز خنجراً في صدرها
والقلب قد أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المعفر اذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
ما أوسعه من قلب
وما أكثر كرمه
وما أبعد صبره
وما أوسع إيثاره
هذا هو قلب الام الذي يبتهج إذا سهر ليهدئ الابن ويستقر مهما اضطربت به الاحوال بعد أن يحقق ذلك الابن ما يصبو إليه من أمل.
سلام ٌعلى قلب كل أم أخلصت وسهرت وتعبت وعانت من أجل راحة ابنائها، فلا بد للأبناء ان يخفضوا لها أجنحة الذل من الرحمة... هكذا امهات أهل هذه الديرة الطيبة، ومنهن الأم الفاضلة أمينة عبدالله العرادي التي غادرت دنيانا في الاسبوع الماضي بعد أن أدت رسالة كبيرة القيت على كاهلها في سبيل التربية والتنشئة والاصلاح والتهذيب والارشاد، فانتجت أبناء متسلحين بالعلم والمعرفة نتاج اسرة هادئة طيبة ترتكز على أب حان وأم ذي قلب حنون. اللهم بارك لأم أحمد في حلول دار البلاء وطول المقامة بين أطباق الثرى واجعل القبر بعد فراق الدنيا خير منزل لها، وأخلف على زوجها سيد جواد القلاف وبنيها وأهلها وذويها بالصبر والسلوان، انك ولي ذلك والقادر عليه.
وصدق الدكتور أحمد الوائلي يرحمه الله:
أماه قد شاب رأسي وانطوى العمرُ
ولم يزل ملء سمعي صوتك العطرُ
أماه إن كانت الجنات موقعها
من تحت رجليك فيما ينقل الخبرُ
فما بصدرك من خيرٍ ومن كرمٍ
يظل أكبر مما تحدث الفكرُ
«إنا لله وإنا إليه راجعون»