يحقُّ لك أن تتعجب عندما تكون في فصل الصيف أو الربيع ثم تُفاجأ بإصابتك بارتشاح من الأنف وسعال واحتقان في الحلق بالتزامن مع سخونة في جسمك وربما إسهال أيضاً، وهي الأعراض التي تنجم مجتمعة عادة عن مرض الإنفلونزا.
ومن البدهي أن تعبّر عن تعجُّبك بالتساؤل التالي: كيف يصيبني مرض الانفلونزا في الصيف، مع أنه مرض موسمي من المفترض ألا ينتشر إلا في فصل الشتاء؟
لكن قبل أن تقرر من تلقاء نفسك أن تلك ليست سوى نوبة انفلونزا عابرة وأنها لا تحتاج سوى أن تلتزم الراحة في فراشك لبضعة أيام، من المهم أن تعلم أنه من المرجح جداً أن تكون تلك الأعراض ناجمة عن أسرة فيروسات أخرى مختلفة تماماً عن الفيروسات المسببة للانفلونزاً.
الفيروسات المقصودة هنا تُعرف طبياً بـ«الفيروسات الغُدّانيَّة» (نسبة إلى الغُدد)، وهي المسؤولة عن ظهور أعراض المرض المتعارف عليه بمصطلح «نزلة البرد» ، والذي يُعتبر مستقلاً تماماً عن الانفلونزا على الرغم من تطابق أعراضهما تقريباً. وهذا التطابق هو الذي يجعلنا نخلط في أحيان كثيرة بين هذين المرضين ذوي المنشأين المختلفين.
وتختلف «الفيروسات الغُدّانيَّة» عن نظيرتها المسببة للإنفلونزا في كونها لا تنشط في موسم واحد بعينه، بل تتسم أيضاً بكونها تبقى ناشطة وقادرة على الانتشار واصابة الجهاز التنفسي على مدار العام، فضلاً عن قدرتها على أن تبقى حية لفترات طويلة نسبياً على الأسطح (كمقابض الأبواب وما شابهها) بما يمنحها فرصة أكبر للانتقال بالعدوى إلى أشخاص آخرين عند ملامستهم تلك الأسطح.
من بين الأعراض الأخرى للإصابة بالفيروسات الغدّانيّة ظهور التهابات في الجهاز التنفسي العلوي، وفي المعدة والأمعاء، وفي المثانة البولية. وفي الحالات الحادة التي لا تتم معالجتها سريعاً وبالشكل المناسب يمكن أن يتفاقم الأمر وصولاً إلى الإصابة بالتهاب رئوي حاد أو حتى تشنجات عصبية والتهابات في الدماغ.
وصحيح أن الأمر يصبح أكثر التباساً على المريض إذا ظهرت عليه الأعراض في فصل الشتاء، لكن الدكتور ويليام شافنر (اختصاصي الأمراض المعدية في جامعة فاندربيلت الأميركية) أوضح أن التهاب واحمرار ملتحمة العين هو أحد الأعراض التي يستطيع الطبيب المعالج من خلالها التمييز بين اصابات الفيروسات الغُدّانيَّة واصابات الانفلونزا الموسمية التي لا تنشط إلا في فصل الشتاء، وفقاً لما أورده الموقع الالكتروني لشبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية.
وبينما لم يتم حتى الآن اكتشاف أي تطعيم أو لقاح مضاد لفيروسات الانفلونزا الموسمية، فإن الخبر السار هو أن هناك تطعيما مضادا للفيروسات الغُدّانيَّة. لكن فرحتكم بذلك الخبر ستضطر إلى أن تقف في طابور الانتظار، إذ إن ذلك التطعيم غير متاح سوى في عدد محدود من الدول المتقدمة ومرتفع الثمن جداً إلى درجة أنه لا يستخدم سوى لتحصين المجندين الجدد وكبار قادة الدولة.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن كلمة «البرد» (the cold) تُستخدم منذ قرون وعلى نطاق واسع في لغات عدة حول العالم كمصطلح يشير إلى أعراض ذلك الالتهاب الارتشاحي العارض الذي يصيب الجهاز التنفسي ويكون مصحوباً بالأعراض المذكورة في مستهل هذا التقرير.
لكن المعلومة التي قد تثير دهشة كثيرين هي أن الأرجح هو أن مصطلح «البرد» ليس مشتقاَ أساسا من كلمة «البرودة» (التي هي ضد السخونة)، وإنما يرجع أصله إلى حقيقة أنه كان قد تم في القرن السادس عشر الميلادي اكتشاف أن أقدم وثيقة طبية دُونت فيها تلك الأعراض كانت عبارة عن بردية فرعونية تعود إلى ما قبل أكثر من 3600 عام وتشتهر باسم «بردية إبيرس». ويبدو أن كلمة «برديّة إبيرس» تعرضت إلى التحريف والاختصار في المؤلفات الطبية العربية مع مرور الزمن إلى أن أصبحت «البرد»، ثم ترجمها الغرب حرفياً لاحقاً إلى «the cold» نقلاً عن تلك المؤلفات قبل نحو 5 قرون.