اسمه «الفَوَاق» بلغة الضاد الفصحى، لكن له مسميات دارجة عدة أخرى في لهجات شعوب العرب من المحيط إلى الخليج، ومن أمثلة ذلك: الشهقة (في دول الخليج)، والزُغُطّة (في مصر)، والحازوقة (في عموم بلاد الشام)، والبوفهاق، والبوفَوَاق، والفهقة، والفهيقة، والزُقُّطة.
وشهقة الزُغُطّة/الحازوقة لا تنتابنا «من المهد إلى اللحد» فقط، بل تلازمنا «من الرحِم إلى اللحد»، إذ من الثابت علميا وبيولوجيا أن الأجنة البشرية (وأجنة الثدييات عموما) تصيبها شهقة الفَوَاق ابتداء من النصف الثاني من فترة الحمل.
وعلى الرغم من أن شهقة الفَوَاق تعتبر في معظم حالاتها عارضا عاديا جدا ولا ينذر بأي خطورة على صحة الشخص، فإن هناك تساؤلا نادرا ما يطرحه أحد ألا وهو: هل من الممكن أن تكون نوبة الفَوَاق أو الحازوقة مميتة، بمعنى أن تؤدي لأي سبب إلى الوفاة؟!
الواقع أن هذا السؤال في حد ذاته يبدو صادما، لكن تلك الصدمة ستتضاعف حتما إذا علمنا أن الإجابة عنه تؤكد أن هذا أمر وارد الحدوث، ولكن في حالات شديدة الندرة وتحت ظروف ومعطيات شديدة التعقيد.
في حلقة اليوم، سنسلط ضوءا كاشفا على هذا الجانب الصادم من جوانب شهقة الزُغُطّة/الحازوقة، وعلى جوانب أخرى من زوايا طبية وتاريخية وفولكلورية...
آلية شهقة الفَوَاق
من منظور تشريحي، يمكننا القول إن شهقة الفَوَاق هي آلية بدنية لا إرادية تحدث بشكل مفاجئ، وتتم بسرعة فائقة على خطوتين في غضون 35 جزءا من ألف جزء من الثانية!
وتتمثل الخطوة الأولى في حدوث تشنج مفاجئ في عضلة الحجاب الحاجز، وهو التشنج الذي يجعل الحجاب الحاجز يندفع إلى الأسفل بسرعة كبيرة جدا فتكون نتيجة ذلك أن الرئتين «تشفطان» جرعة كبيرة من هواء الشهيق.
أما الخطوة الثانية فإنها تحدث فورا عقب الأولى وتتمثل في الانغلاق السريع للحنجرة. وبالتزامن مع انغلاق الحنجرة يكون الحجاب الحاجز قد ارتد إلى أعلى فيدفع الرئتين إلى طرد ما بهما من هواء. ولأن الحنجرة تكون منغلقة في التوقيت ذاته، فإن الهواء المندفع منها إلى أعلى يرتطم بالانسداد الحنجري (الأحبال الصوتية تحديدا) محدثا صوت الحازوقة الذي نسمعه.
وتستغرق شهقة الفَوَاق عادة 35 جزءا من ألف جزء من الثانية في المرة الواحدة. وفي الأحوال العادية، تستمر نوبة الفَوَاق لمدة تبلغ في المتوسط 10 دقائق تقريبا ثم تنحسر تدريجيا من تلقاء نفسها إلى أن تتوقف. ولكنها قد تستمر لمدة ساعة أو أكثر في بعض الحالات وتحت ظروف معينة.
هل تُسبِّب الوفاة؟
في 99.99 في المئة تقريبا من الحالات، تكون شهقات الحازوقة مجرد تشنج عارض وغير ناجم عن أي مرض عضوي. وفي تلك الحالات العارضة تكون النوبات قصيرة نسبيا وتنحسر تدريجيا. لكن عندما تستمر شهقات الحازوقة لأكثر من ثماني ساعات وصولا إلى 12 ساعة أو يوم كامل، فإنها قد تكون جرس إنذار مبكر يحذر من وجود مرض خطير يستدعي اللجوء عاجلا إلى طبيب لتدارك العواقب. فربما تكون نوبة شهقات الفواق الطويلة هي أحد الأعراض المنذرة باضطراب في وظائف الغدة الدرقية أو باقتراب الاصابة بسكتة دماغية حادة، وخصوصا لدى المسنين المصابين بمضاعفات مرضية تراكمية وتداخلية من أمراض أخرى كالضغط والسكري.
وهكذا، يمكن القول في مثل تلك الحالات النادرة إن نوبة الحازوقة المطولة ليست هي في حد ذاتها التي تتسبب في الوفاة، بل أن إهمال مغزاها وعدم المسارعة إلى اكتشاف ما وراءها هو الذي يكون مسؤولا عن وصول الشخص إلى نقطة الخطر التي قد تُنهي حياته.
نظريات متنوعة
هناك نظرية يرى معتنقوها أن الحازوقة ليست أكثر من أحد بقايا الماضي التطوري الذي خاضه الجنس البشري على مدار ملايين السنين.
وتتبنى نظرية أخرى تصورا يرى أن الحازوقة هي في أساسها تمرين تلقائي كان يقوم به الجنين في الرحم لتدريب عضلات جهازه التنفسي كي يستطيع التنفس فور أن يولد.
وفي تفسير قريب من تلك النظرية، يُرجح آخرون أن الفَوَاق هو في الأصل طريقة غريزية وهبتها الطبيعة للطفل خلال مراحل تخليقه في الرحم كي يتمكن بعد أن يولد من أن يتجشأ من تلقاء نفسه ليطرد الهواء من معدته ويفسح بالتالي مزيدا من الفراغ للحليب والطعام.
وعلى جانب بعيد تماما عن عالم النظريات التفسيرية، تقول إحدى الخرافات المتوارثة منذ قرون عبر الثقافات الفولكلورية الروسية إن الفَوَاق يعني أن الشخص مصاب بالنحس أو أن الشيطان قد دخل في رئتيه وأنهما تحاولان طرده بينما هو يحاول التشبث في داخلهما!
الفَوَاق... مذكور في القرآن!
قد يندهش كثيرون إذا علموا أن «الفواق» بمعنييه اللغوي والكوني الشاملين جاء ذكرُه في سياق القرآن الكريم، وذلك في قول الله تعالى: «وَمَا يَنظُرُ هَ??ؤُلَآءِ إِلَّا صَيْحَةً وَ?حِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ» (سورة ص - الآية 15). لكن ذلك الاندهاش سيزول عند توضيح أن وصف آلية شهقة الحازوقة أو الزُغُطَّة ينسجم تماما مع ما جاء في تفاسير أهل العلم لهذه الآية الكريمة، إذ قالوا إن عبارة «صَيْحَةً وَاحِدَةً» تعني النفخة الأولى في الصور أو البوق، وإن كلمة «فَوَاقٍ» في الآية تعني ارتداد أو رجوع أو انقطاع. والمعنى المراد في الآية هو أن تلك النفخة لن تتخللها تقطّعات تكرارية بل ستكون ممتدة.
وهكذا، ففي حين أن شهقة الفواق البشري تتسم بالتقطُّع المتكرر الذي يستلزم توقُّفا بين المرة والتي تليها، فإن الآية المذكورة تشير إلى أن النفخة (فواق) التي ستنطلق ايذانا ببدء يوم القيامة لن يكون لها ارتداد بل ستكون مستمرة إلى أمد طويل وستفزع جميع الخلائق إلا من شاء الله.
ويؤكد ذلك حديث نبوي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم عن بدايات أحداث يوم القيامة: (يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله. ثم يأمره فيمدها ويديمها ويطولها. ثم تلا النبي قول الله: «وَمَا يَنظُرُ هَ??ؤُلَآءِ إِلَّا صَيْحَةً وَ?حِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ»).
علاجات شعبية... وأفلاطونية!
تشيع طرق علاجية منزلية لإيقاف شهقة الفواق. لكن جميعها تقريبا غير مؤكدة علميا بشكل قاطع، لذا فإنها ما زالت تُصنف ضمن الأساطير والممارسات الشعبية المتوارثة عبر الأجيال، وذلك على الرغم من أن بعضها يؤتي نتائج ملموسة. ويشرح أطباء أن معظم العلاجات المنزلية والشعبية الناجحة في إيقاف نوبات الفَوَاق تعتمد فكرتها الأساسية على إحداث ارتفاع موقت في مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم. إذ ان ذلك الارتفاع يؤدي إلى زيادة نسبة الحموضة في الدم، ما يؤدي بدوره إلى إطلاق أيونات كالسيوم في الدم. وهذه الأيونات تكبح جزءا من الاستجابات التشنجية في الجهاز العصبي عموما، فتكون نتيجة ذلك تهدئة تشنج عضلة الحجاب الحاجز المسببة للفَوَاق.
ويوضح مخطط الانفوغراف المرفق مع هذا التحقيق بعضا من تلك العلاجات المنزلية الشائعة حول العالم.
وتاريخيا، كان الفيلسوف اليوناني أفلاطون من أوائل الذين وصفوا علاجا لشهقة الحازوقة، حيث وصف في إحدى كتاباته الطريقة التالية: «كرر حبس أنفاسك لأطول فترة ممكنة، وإذا لم تتحسن الحازوقة فتغرغر ببعض الماء. وإذا استمرت الحازوقة على الرغم من ذلك فقم بحك أو دغدغة أنفك، أو حاول أن تستثير العطس لديك لمرة أو مرتين، فهذا كفيل بإنهاء الحازوقة حتى إذا كانت حادة».
وعلى الرغم من التقدم الطبي في الولايات المتحدة، ما زالت هناك أسطورة شائعة بين البعض مفادها أن الوقوف على الرأس لمدة دقيقتين يساعد على ايقاف شهقة الحازوقة. وفي كثير من مناطق الهند ودول شرق آسيا، تنتشر أسطورة تقول إن الطريقة الأمثل للتخلص من شهقة الزُغُطة هي أن تُخرج لسانك من فمك وتضغط عليه بين إصبعي السبابة والوسطى.
أما في إيطاليا، فيشيع أن العلاج الأنجع يكون إما أن تقوم بـ«زغزغة» الشخص حتى يدخل في نوبة من الضحك، أو أن تفاجئه بصب كمية من الماء البارد فوق أم رأسه.