من الخطأ الاعتقاد وحتى التفكير بأننا قادرون على الاستغناء عن من حولنا من البشر، مهما ملكنا من مال، أو تمكنا من سبل الحياة، فالحاجة للآخرين ليست خياراً نقرره حتى لو توافرت لدينا جميع مقومات الحياة، لأنها حاجة اجتماعية إضافة لكونها ضرورة اقتصادية ومادية وضرورة حياتية، وليست ضرباً من الترفيه كما يظن البعض.
إن تنوع الحياة يستلزم تنوعاً في هوايات البشر ومهاراتهم، فكل كائن بشري يقدم للمجتمع ما يحتاجه الآخرون، وإعمار المجتمع يحتاج كذلك إلى بناء الأسرة، التي هي عماد المجتمعات، فالأب لا يمكن أن يلعب دور الأم، والأم لا تغني عن الأخوة، ولا يجوز أن يلغي أحدهم الآخر أو يحل محله، أو أن يتنازل عن دوره.
وكذلك يحتاج إنجاز الأعمال في المؤسسات والمرافق، إلى رئيس ومرؤوس، دون أفضلية لأحد على الآخر. وحتى المرافق الترفيهية تحتاج لأناس يؤمنون لنا حسن التمتع بقضاء أوقاتنا وممارسة هواياتنا.
فالحياة قصيرة، ولكي ما نستطيع أن نحقق فيها أهدافنا وما نصبو إليه، لابد أن يساعد بعضنا بعضاً، ونتبادل الخبرات ونتشارك المنافع وممارسة الهوايات.
وكما أن الحياة زاخرة بألوانها المختلفة، فإن للبشر كذلك ألوانا لا حصر لها، وإن تشابه البعض في إحدى الخصال، فسنجد أن الاختلاف أكثر وأشمل، وهذا هو سر جمال الحياة.
إذن فالحياة مواقف وأشخاص، والتعامل مع البشر أمر بدهي ولابد منه، وطالما نحن مختلفون لذا وجب احترام هذا الاختلاف والتباين، فالحقيقة نسبية وتخضع لظروف الأشخاص والزمان والمكان. وعلاقتنا مع الآخر يجب أن تكون مبنية على فهم الآخر واحترام رأيه ومراعاة خصوصياته بكل رحابة صدر منا. فمن السهل استجلاب العداوات، أما الحفاظ على الود والصداقات فيحتاج منا إلى مراعاة شعور الآخرين.
إن ما نشهده من التقدم التكنولوجي الهائل، جعل الإبداع وتطوير الحياة، يحتاج منا إلى تعاون أوثق وأعمق مع الآخر، وإلى اعتماد الروح الجماعية في العمل، والاستفادة من ذوي الاختصاصات المختلفة، بغض النظر عن رؤيتنا وآرائنا بهم، فنحن بحاجة لخبراتهم مثل ما هم بحاجة إلى خبراتنا، بل لقد اتسع هذا التعاون ليشمل المنظومات الاجتماعية والدول. أما الابداع الفردي فقد تضاءل وأصبح محصوراً في نواحٍ محدودة من مجالات الفن والحياة.
ومختصر القول، لا يستطيع الإنسان أن يعيش منعزلاً عن الغير، فهو مضطر للتعامل مع مختلف الأشخاص واحترام آرائهم وأفكارهم، وإن لم تعجبك هذه الأفكار، ولن تجد حتى في أقرب المقربين تطابقاً لرؤيتك للحياة، واعلم أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، وأن الحياة تتطلب تعايشاً يسوده الوئام والتفاهم ولا يعكره الاختلاف في نظرتنا لأمور الحياة، فحرية الفرد مكفولة طالما لم تتعارض هذه الحرية مع حرية الآخرين.
* مستشار جودة الحياة
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
[email protected]